هي قصة تستحق أن تروى، مغاربة، عملية نوفا، اعتقالات، قضاء يحقق بقيادة بالتثار، براءة واضحة، مخابرات مغربية و زوجة مضطهدة، شاب مغربي، يصر على قول الحقيقة و تخصيصا ل «جريدة الاتحاد الاشتراكي» .. تفاصيل هذه القضية .. نترك للقارئ المتمعن حرية النفاذ إليها. شاب يرافق شابة يلج الجريدة متأبطا ملفا بلاستيكيا أسود.. اعتقدنا الأمر مجرد شاك أو شاكية من عسف سلطة أو صراع حول أحجار إرث .. كما عادة معظم الشكايات التي ترد علينا . حوار صامت بالعيون مر بسرعة بين الشاب و الشابة .. و أخيرا نطق الرجل .. «المخابرات تلاحقنا و ضغطت حتى طردت زوجتي من المدارس التي تشتغل بها ...» سألت .. أية مخابرات تقصد..؟ هذه المرة ردت صليحة و هذا هو اسمها.. « هذا زوجي عبد الله ، كان معتقلا في إسبانيا و أطلق سراحه بعد تبرئته هناك من قضية، تزوجنا .. المخابرات المغربية أحالت حياتنا إلى جحيم ، أشتغل بالمدارس الخاصة في آسفي .. حلوا بمنزلنا أكثر من مرة، سألوا عن زوجي، و ذهبوا عند مسؤولي مدرستين خاصتين لأطرد بقرار شفوي بدعوى أن مالكي المدرسة كما صرح لي أحدهم ، لا يمكن أن يقف في وجه الدولة ...». تبين أن الملف غليظ .. و لابد سيلد معطيات أخرى ستكون صادمة بلاشك .. الشاب عبد الله كان كمن يريد أن يلقي بأحجاره دفعة واحدة في نهر الحقيقة، بدأ يقلب في أوراقه.. يستخرج حكم المحكمة و يتلوه بإسبانية سلسة لا تخلو من سخرية مرة و يشير بسبابته إلى البراءة المكتوبة في حكم قضائي أصدرته المحكمة العليا بإسبانيا.. ماهي الحكاية بالضبط ..؟ عبد الله باعنو مواطن مغربي ابن مقاوم و متطوع في المسيرة الخضراء،ترجع أصوله إلى مدينة أبي الجعد، اختار الاغتراب و رحل إلى إسبانيا منذ 18 سنة، ليستقر و يشتغل هناك كباقي المهاجرين المغاربة، يكد و يشقى من أجل لقمة العيش و دعم الوالدين، كانت أحداث تفجير قطار مدريد في 2004 المنعطف الذي سيغير الحياة السياسية في إسبانيا، سيسقط أزنار و حزبه الشعبي ويصعد زباتيرو و اليسار بعدما ثبت أن انفصاليي إيتا لم يكونوا وراء التفجير ، و هي الكذبة / التصريح التي سرعت بإنهاء المسار السياسي لأزنار و حكومته اليمينية. كل هذه الأحداث المتسارعة و المتلاحقة، كان لها تأثير على العرب في شبه الجزيرة الإيبرية، كلام عن القاعدة، عن بلادن و تيسير علوني آخر من رأى ملالي الطالبان و قيادات القاعدة قبل الاجتياح الأمريكي لأفغانستان .. و كلام آخر عن مغاربيين و مشارقة ينشطون في خلايا نائمة .. (هل نائمة تعبير أمني أم إعلامي..؟). بعد تفجيرات مدريد مباشرة ببضعة شهور، أعلن الأمن الإسباني عن ضبطه لجماعة أصولية تنشط على امتداد التراب الإسباني و تتهيأ لتفجير محكمة مدريد التي يشتغل بها ما يقارب 980 شخصا ، بقنبلة تصل حمولتها إلى 500 كيلو من المتفجرات. الاعتقالات همت أربع مدن إسبانية هي ألميريا و بلنسية و مالاقا و مدريد ، و من بين المعتقلين ستة مغاربة أسماؤهم بالتوالي .. أشرف محمد من مدينة فكيك اعتقل بسويسرا (الأمير المفترض للجماعة) معاذ الدواس من تطوان اعتقل بمدريد توفيق الدبدوبي من اليوسفية اعتقل بسرقسطة مصطفى فرخاني من طنجة اعتقل بكاديس مجيد مشماشة من الدارالبيضاء اعتقل بألميريا . عبد الله بعنو من أبي الجعد اعتقل في كورونيا هؤلاء كانوا من بين ثلاثين متهما وجهت لهم شبهة التخطيط لعملية تفجير واسعة على مقر المحكمة الوطنية أعلى هيأة قضائية في البلاد حسب مصادر رسمية و إعلامية آنذاك، و تكلف القاضي غارثون بالتثار بالتحقيق في العملية التي أطلق عليها إسم نوفا . وقع كل هذا و الإسبان حكومة و مجتمعا مازالوا يعيشون تداعيات مأساة 11 مارس التي خلفت 191 قتيلا و 1900 جريح . بسرعة أصبحت الخلية تسمى „شهداء المغرب” كما تناقلت وسائل الإعلام الإسبانية آنذاك ، استعدادا „للحرب المقدسة”، و أن القيام بسلسلة تفجيرات يدخل في إطار „مهمة إلهية” للانتقام من الكفار ...!!! تلكم كانت بداية الحكاية .. لكن ما تبقى و ما وقع سواء في المحكمة أو السجون نرويه على لسان عبد الله بعنو أحد المغاربة الذين عاشوا تفاصيل هذه القضية و حصلوا على صك البراءة بعدما تبين في نهاية المطاف ، أن كل هذه البهرجة و هذه السيناريوهات هي من محض خيال المخابرات الإسبانية .. كما سيظهر القضاء و الحقوقيون والصحف الإسبانية أيضا .. والشاهد كارطخنا الذي سيدلي للقضاء الاسباني بانه دفع دفعا من طرف المخابرات الاسبانية لتوريط هؤلاء. حياة السجون الإسبانية .. يعلق عبد الله الذي يستقر اليوم بآسفي بعدما علق قلبه بعبدية ، إن الحياة كانت عادية إلى أن أوقف ذات زوال من سنة 2004 من طرف ( لا أوسي ) و هو جهاز أمني إسباني، و مباشرة إلى قرية تيكسيرو ،حيث أودع في زنزانة لمدة يوم و ليلة ، كان الزمن شهر رمضان.. في اليوم الموالي نقل إلى نافاركا رينيرو و هو سجن بمدريد، حيث تعرض إلى أبشع أنواع التعذيب ، و من هناك إلى مكتب القاضي بلتثار . يتابع عبد الله لدى مثوله أمام القاضي المذكور ، أنه أخبره بالتعذيب الذي تعرض له و بالتجويع الذي لاقاه ، بادر معها بلتثار بتمكينه ببعض الغذاء ، أما التعذيب فيمكنه إقامة دعوى ضد معذبيه ، لإنه ينظر فقط في قضية الإرهاب حسبه. عبد الله استرسل بطريقة ضاحكة و هو يحكي عن معاناته طيلة سنوات من الاعتقال الاحتياطي بسجون البلد الجار. حكى عن سجن لاباطا ، و عن السجن الانفرادي في قفص لا تحترم فيه الشروط الآدمية ، في خيخون و أسترياس بسجن „فيابونا” حيث سلخ سنتين و نصف، ممنوعا من الزيارة، بمعاملة تحقيرية وصلت إلى إطعامه عنوة لحم الحلوف، فالمورو لا يستحق سوى ذلك ، يسترسل عبد الله في سرد معاناته مع السجون الإسبانية - . في سجن „أوكانيا” قام بإضراب عن الطعام خمس مرات احتجاجا على سوء المعاملة و أضرب أيضا حتى عن الخروج إلى الساحة . و لم يجد هناك من يعلمه كيفية الدفاع عن حقوقه ومراسلة الحكومة الإسبانية سوى بعض الانفصاليين من منظمة إيتا القابعين أيضا بنفس السجون التي مر منها. عندما تذكر مصطفى صانيبار من مواليد الدارالبيضاء، نزلت دمعة من عينيه، توقف قليلا .. استرجع أنفاسه .. قال «خويا هاذ الدري مات مقتول، عذبوه في سجن سرقسطة و وجد مشنوقا في زنزانته في 2005، عافاكم نشروا هاذ الشي، ماكاينش لي دوا عليه لا في إسبانيا و لا في المغرب ...» صك البراءة .. بعد كل هذا العذاب .. قررت المحكمة العليا بإسبانيا بعد تعميق التحقيق ، الحكم ببراءة الجميع مما سمي بعملية نوفا ، و برأت المغاربة الذين قضوا سنوات من الاعتقال من أجل شبهة .. بعدما تبين خواء الحجج التي اعتمد عليها الأمن الإسباني ، من توقيعات مزورة و رسائل مزورة هي الأخرى ، و تحويلات مالية مزور تاريخها هي الأخرى . لكن الحكومة الإسبانية عوض تعويض المغاربة الذين ثبتت براءتهم و تمكينهم من حقوقهم، عملت على ترحيلهم في أول طائرة متجهة إلى المغرب، و هنا تلقفتهم المخابرات المغربية و مباشرة إلى كوميسارية المعاريف - كما يورد عبد الله بعنو في شهادته لجريدة الاتحاد الاشتراكي، التي تعاملت معهم بطريقة حضارية. أسئلة روتينية ، و بعد ذلك أطلق سراحهم ليسيحوا في بلاد المغرب الواسعة ، ليعودوا إلى أسرهم حاملين ويلات السجن و الاعتقال و الظلم و حياة بمستقبل مجهول غامض يلفها سيف البطالة و عنت الأيام . لماذا قرر عبد الله بعنو التحدث إلى الصحافة الوطنية؟.. ينهي بعنو كلامه الذي اختار الاتحاد الاشتراكي لقوله ، ليقينه بأنها جريدة محترمة و ملتزمة ، „أنا عندما عدت إلى المغرب ، لم أكن أريد التوجه إلى وسائل الإعلام لفضح ما وقع لي، راسلت فقط وزير الخارجية من أجل التدخل لدى الحكومة الإسبانية من أجل الحصول على التعويض القانوني لاعتقال غير قانوني، و لم يجبني أحد إلى اليوم ، طلبت رخصة سيارة أجرة باعتباري ابن أحد المقاومين و هاهي الوثائق أفردها أمامكم (تتوفر الجريدة على كل الوثائق من بينها نسخة حكم البراءة)، لكن عندما بدأت المخابرات تضايقني في رزقي و تعمل على طرد زوجتي من أي عمل تلتحق به ، قررت الكلام ، و لن أصمت حتى نستعيد حقوقنا كاملة غير منقوصة ، لأنني لم أكن إرهابيا و لا انتميت طيلة حياتي لأي تنظيم، انظر إلى أنفي كما قلت لبالتثار، دخنت كل شيء، و بإمكاني أن أسرد عليك كل سيريات وأنواع الويسكي .. هذا راه الحماق „. تساؤلات موضوعية .. إذا كانت الحكومة الإسبانية عبر قضائها قد أقرت ببراءة هؤلاء المغاربة و من بينهم عبد الله المذكور، و إذا كانت الصحافة الإسبانية قد فضحت و عرت عن تفاصيل هذه العملية الوهمية ، و التي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثين نفرا لا علاقة لهم لا بالقنابل و لا بالسياسة و لا باللحي، بعضهم متسكع و مشرد لا يجد ما يقيم به أوده ، و إذا كانت المخابرات المغربية أيضا تعرف حقيقة و تفاصيل هذا الملف الفارغ منذ بدايته، فلماذا يضايق هؤلاء في بلدهم ؟ لماذا لا تتدخل الحكومة المغربية لاسترجاع التعويضات..؟ ماذا لوكان إسباني أو أوروبي أو أمريكي قد وقع له ما يشبه ذلك ، كيف سيتعاملون معنا ..؟؟؟