إن النظر الهادئ والرصين في طرائق الاقتراب النقدي من النص السردي بالمغرب، ومقاربة محايثة لتحققاته النظرية وصيغ ترهين أجهزته المفاهيمية وأنماط التحاليل النصية التي يقترحها للأكوان التخييلية الخصيبة للمروي المغربي ودعاماته المجازية المركبة ومجمل مقومات متنه المحكي، سيلحظ لا محالة عددا من المزالق المنهجية التي تفصح عن تضخم باثولوجي للشاهد النظري واستعراض مثقفي لمعارف جاهزة ومقولات مسكوكة تدفع النص إلى الانكفاء في مناطق معتمة حيث يركن السرد إلى هوامش التمثيل وتنقلب كل الآليات الناظمة لأدبيات الحكاية والمبنينة لمجازاتها التخيلية التي تستوطن تفاصيل الجسد السيميوطيقي للمتن إلى مجرد ذريعة طارئة أو مناسبة عارضة تتغيا اختبار مصادرات مسبقة و انجاز قراءات مبتسرة تشبه إلى حد بعيد التمرين المنهجي الساذج.. وهو أمر لا يقف عند تخوم اغتيال النص على سرير بروكست الدموي، بل إن مثل هذه المقاربات تغفل أساسا عن الأنساب المجازية العميقة للنص وعن ألقه الأسلوبي وخصائص لغاته الفارقة وجوهر مقترحه الجمالي أيضا. ولقد كان الالتفات النقدي للمنجز المغربي في مجالات التحليل السرد ولوجي هو ما دفعنا إلى اقتراح مداخل نظرية ومنهاجية جديدة، في إطار دكتوراه للسلك الثالث اشرف عليها أستاذ الأجيال أحمد اليابوري في تسعينات القرن الماضي، تحت مسمى (مجاز النص السردي) تساهم، استنادا إلى اقتراحاتها النظرية وفرضياتها المنهجية وتحليلها النصي الانثروبوسردي، في استعادة النص لحيزه المركزي وحسن تقديره القرائي وجعله مقدمة الفعالية النقدية وخاتمتها كذلك . إن هذا النظر الهادئ ذاته، وضدا على كل نزوع تعميمي غير مسوغ، سيلحظ التحقق الباهر لاستثناءات على درجات كبيرة من الألق ومن الانتباه العاشق للنص ومن الولع الشهواني باستعارات المتخيل السردي وفخاخه المجازية ولغاته الانقلابية وعلاماته المشبعة بالشبق العاقل والتهور الحكيم معا، وذلك ما نجده ممثلا في القراءة الفذة والفادحة التي تجترحها أسماء من قبيل عبد الفتاح كيليطو و ... حسن وهبي .. إن حسن وهبي يقترح نقدا جديدا بكل امتياز ينصت، بمودة عرفانية، إلى دبيب الكلام الأدبي ويحول القراءة إلى قصيدة شعرية تحتفل بالحيوات الخصيبة لخيال الحكاية وتحتفي بكل مجازات الصمت الثخين التي تقيم خلف الألسنة الاستثنائية لكاتب استثنائي من شاكلة عبد الكبير الخطيبي الذي يشكل النص (المطلق) لهذا المشروع النقدي . إن حسن وهبي يعتبر إلى حد ما أحد أكبر المتخصصين، في مجال الكتابة النقدية بالمغرب، في المنجز الشعري والسردي والفكري لعبد الكبير الخطيبي. فمنذ أمد ليس بالقصير والرجل يقرأ ذات النص ويحفر في ذات الأركيولوجيا النصية ويضطلع بذات الجسارة: أن تدمن صداقة عبد الكبير ألخطيبي وان تستحق متعته القلقة وحزنه الفلسفي العميق ... حين اقترح، سنة 1995، إصداره الأول بعنوان :(Les Mots du monde)، وأعقبه، بعد عقد من الأناة اللازمة للحكمة الرديفة للقراءة، بمؤلف آخر يضيء متخيلات الخطيبي من خلال مفهوم جامع (Archiconcept) هو مفهوم التحاب ((Aimance، وذلك ضمن منشورات ((Harmattan بعنوان (: (La fable de l aimance سنة 2009 ، بموازاة كتاب آخر، يزاوج بين صرامة المقالة النقدية وانفعال المرثية ونشيد الفقدان، بمسمى فاتن: (La beauté de l? absent).. بكل هذا الانهماك الزاهد كان حسن وهبي يجترح، بحق، مقاربة جديدة ومتجددة، ليس فقط لأعمال الخطيبي، ولكن أيضا للنص الأدبي المغربي عموما ... فهو يقترب من متون الخطيبي بشهوانية فاتنة وبتعلق صوفي وبكثير من المحبة الصامتة المفارقة لزعيق النظرية ورطانة المفاهيم والملاحق الأخرى المحيلة لكل دعوى مثقفية. ولأنه خبر جيدا متع النصوص وجبروت اللغة، إذ صدر له عن دار النشر((L? harmattan ديوان شعري بعنوان (: ( ICI ، فهو لا يروم أن يظل النص مجرد ذريعة لاستعراض متبجح للجاهز من المقولات والمسبق من المصادرات، بل إنه يبتغي أن يكون النص جسدا باذخا مشبعا بالرغبة والاشتهاء والمتعة الشبقة . إن حسن وهبي، وهو القادم من جينيالوجيا رمزية تؤلف بين (بارث) و (دريدا) و( نيتشه) و ( فرانسيس بونج) و (بيسوا)...، يستوطن نصوص الخطيبي ويقيم في مجازاتها ويسكن معابرها ويستقر في انقلاباتها. إنه يعيش، في علاقاته بالنص، طمأنينة القلق وقطائع الوصال وهويات المغايرة وتماثل المختلف . لذلك يبعثر النص ليبتكره، يفجره ليبنيه، ويشظيه ليعيد خلق تركيبه المستحيل في النص القابل لمساءلات الكتابة ( le Scriptible ) . إنها تجربة تصير فيها الكتابة معضلة والأسلوب إشكالية والقراءة نفي مزدوج (( Dénégation . ونحن منهمكون في ترجمة كتابه الجديد حول ألخطيبي (La fable de l? aimance-ed/l harmattan-2009 ) تبين لنا أن تقديم عينة نصية من هذا المشروع النقدي باللسان العربي سيكون مفيدا لاعتبارات عديدة. فبالإضافة إلى جدته على مستوى النظر النقدي لنص شديد الخصوبة والتراكب من قبيل ما كتبه الخطيبي، وعدا مساهمته النوعية في اكتشاف دلالات جديدة لم يلتفت لها من قبل من طرف قراء سابقين للانجاز الأدبي للخطيبي ومشروعه الفلسفي، يسعف هذا النص الذي نقدمه باللغة العربية في معاودة التأكيد على الثراء الكبير الذي تتميز به العديد من الكتابات النقدية المغربية باللسان الفرنسي إن هذا النموذج النقدي الذي نقدمه، في هذا المقام، عبارة عن قراءة تبحث في المجازات المتراكبة والاختلافية للأنثى ولمفاهيم المؤنث من خلال نصوص الخطيبي الشعرية والسردية. وهو نموذج، إذ يتوسل بلغة استعارية وافتتانية، لم نعمد إلى ترجمته بصرامة حرفية بقدر ما حاولنا أن نوطنه مجازات العربية وشعريتها. -- أنظر ترجمة دراسة حسن وهبي في الصفحة الثالثة من الملحق *كلية الآداب-اكادير