طالب الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، في تقرير أعده بخصوص المعتقلين السياسيين الستة ومن معهم، بالتدخل العاجل لإنصاف هؤلاء الذي نعتهم ب«الضحايا»، لأن ما يسري على حالة المعتقلين السياسيين الستة، من خلال غياب الضمانات التي توفر لهم التمتع بقرينة البراءة، وشروط المحاكمة العادلة، هي نفسها تسري كذلك على جميع المتهمين على خلفية هذا الملف. كما التمس تمتيعهم بحريتهم في إطار العفو، وإنصافهم بجبر أضرارهم ورد الاعتبار لهم، وذلك في علاقة بالمعتقلين السياسيين الستة، وبأغلبية أفراد هذه المجموعة في ظل غياب قوة القرائن والأدلة التي تسند الاتهام وكذا المنحى الذي طبع محاكمتهم. في ما يلي نص التصريح: سبق للوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان بأن وجه مذكرة إلى السادة: الوزير الأول ووزير العدل، ومختلف الأطراف ذات الصلة بالمؤسسات الوطنية بخصوص المعتقلين السياسيين الستة على خلفية ما يعرف بقضية بلعيرج، وذلك بتاريخ 16 مارس2010، محاولا لفت الانتباه إلى مايلي: أولا: لقد أجمعت الأوساط الحقوقية والديمقراطية في المغرب، على أن اعتقال السياسيين الستة في إطار ما عرف «بقضية بلعيرج» قد شكل امتحانا عسيرا للأسس التي تبني لمجتمع مغربي متسامح وتعددي، قادر على احتضان كل مكوناته، وإدماجها في بنيات العمل السياسي الشرعي، المحتكم للآليات الدستورية والقانونية. إن اعتقال قياديي حزب البديل الحضاري وحله، بتغليب المسطرة الإدارية، في تأويل غير صحيح للمقتضيات القانونية التي تنظم اللجوء إلى هذا الإجراء، شكل صدمة للفاعلين الحقوقيين وأغلب الديمقراطيين بالمغرب، وهو ما تم التعبير عنه حينها. إن التبريرات التي تأسست عليها المتابعة والاعتقال من طرف السلطات المغربية، مردها أساسا أنه تم اكتشاف تورط هؤلاء المعتقلين في أعمال يعاقب عليها القانون، وعلى علاقات مع مجموعات إرهابية. وهو ما يتطلب الإشارة إلى عنصرين أساسيين في قضية المعتقلين الستة: - أولهما : مرتبط بتاريخ ارتكاب الأفعال المنسوبة إليهم ومدى خطورتها. - و ثانيهما: يتعلق بالتقييم الذي تناولت به هذه السلطات تلك الأفعال. * إن قيمة الأفعال الجرمية، من الزاوية القانونية والإجرائية الصرفة، تقاس بالتاريخ أو الفترة التي تعود إليها، إضافة إلى مستوى انعكاسها الفعلي على الواقع بما يأخذ بعين الاعتبار خطورتها وحجم تهديدها لأمن الأفراد والمجتمع. إن الأفعال المنسوبة إلى هؤلاء المعتقلين الستة ترجع أحداثها إلى ما قبل سنة 1994، أما المتابعة والاعتقال فقد تم في سنة 2008، بينما لم يتم اكتشاف المنسوب إليهم كأفعال، إلا بمناسبة اعتقال المتهم الرئيسي في القضية. وهي الأفعال التي لم تكن بالمرة محل بحث سابق ومنذ تاريخ ارتكابها إلا استثناء وإذا كان تبرير المتابعة والاعتقال يركز في جانب منه، على خطورة الأفعال المنسوبة إليهم، فهذا التبرير يضعف أمام غياب انعكاس تبعات هذه الأفعال على مستوى الواقع الفعلي والذي لا وجود له. * إنه من وجهة النظر القانونية والإجرائية الصرفة، يحتكم في اللجوء للمتابعات والاعتقال كأعلى مستوى لها، إلى نوعية الأفعال المنسوبة إلى المتهمين بها، و تقييم حجم تأثيراتها وتداعياتها إن تم الشروع في التنفيذ فعليا، وهل ما يزال يشكل الأفراد المتابعين بها خطرا على الأمن العام. * كما أن اتهام المعتقلين الستة بالازدواجية السياسية من خلال رصد استمرار علاقاتهم مع المتهمين في قضايا ذات الصلة بالإرهاب كحجة إضافية ضدهم، يمكن معه هنا أيضا، القفز على المدة الطويلة التي تفصلنا عن ما قبل سنة 1994. * إن إقدام هؤلاء المعتقلين السياسيين الستة، على القطيعة مع ممارسات سابقة وانخراطهم الكلي في العمل السياسي الشرعي، ومنذ سنوات طويلة، تتوجت بالنسبة لبعضهم في الاعتراف بتنظيمهم السياسي، وفي تفاعل مختلف التعبيرات المدنية بالنقاش مع وجهات نظرهم، بما يعزز البناء الديمقراطي. إن المنطق القانوني قد بنى لنفسه مفهوم التقادم الجنائي ليأخذ في الاعتبار العامل الزمني عند قيام الفعل الجرمي، الذي يزيل تدريجيا تأثيراته باستثناء إذا تعلق الأمر بالجرائم ضد الإنسانية وهي الصورة غير الواردة في حالة المعتقلين الستة. و إذا ما ثم الأخذ بعين الاعتبار كون هذه المدة لم تكتمل، بالمفهوم القانوني للتقادم الجنائي في حالة المعتقلين الستة، فلا يمكن القفز بالمرة على الحيز الزمني الذي يفصلهم عن قناعات سابقة، قدموا في شأنها تقييما نقديا، وتجاوزوها ولم يكونوا وحدهم ضمن تيارها، بل بجانب أطراف أخرى من مرجعيات مختلفة اختارت لنفسها الإيمان بالعمل الشرعي والانخراط فيه. كذلك وفي نفس المرحلة حاول المغرب ومن خلال مؤشرات أكيدة أن يقطع مع مجموعة من التجاوزات التي طالت تدبير ملفات مشابهة، وهو ما يتطلب التعامل مع حالة المعتقلين الستة باعتماد منطق القطيعة والتقادم السياسي الذي عززته تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة في أفق المغرب التعددي والمتسامح الذي يفتح أحضانه للجميع. ثانيا: إن مختلف المرافعات والمداخلات خلال مختلف أطوار المحاكمة، وكذا أغلبية التقارير الموازية، أو اللاحقة لصدور الأحكام دولية ووطنية، أبانت جميعها وأكدت على الإختلالات التي شابت مختلف أطوار المحاكمة بدءا بعدم تجاوب المحكمة مع ملتمسات الدفاع بشأن تمتيع المعتقلين الستة بالسراح، بالرغم من توفر الضمانات ذات الصلة؛ مرورا باستنساخ قرار قاضي التحقيق لمحاضر الشرطة القضائية، وصولا إلى عدم استجابة المحكمة لطلبات إجراء الخبرة الطبية بخصوص ادعاءات التعذيب؛ وعدم استجابة المحكمة لطلبات دفاع المتهمين، بخصوص استدعاء بعض شهود النفي، والاستماع لشهاداتهم، وليأتي الحكم الابتدائي مكرسا لما نسخه قاضي التحقيق من محاضر الضابطة القضائية بإصدار المحكمة لأحكام قاسية وغير معللة. ثالثا: وإذا كان انطلاق محاكمة المعتقلين السياسيين الستة في المرحلة الاستئنافية قد شكل فرصة وأملا لدى الرأي العام ومختلف الفاعلين من أجل تصحيح الوضع بما يعمل على إقرار الحق في ملف عرف كل تلك الإختلالات قبل المحاكمة وأثناءها، فإن المحكمة في هذه المرحلة أيضا لم تتمكن من أن تعكس الإرادة التي يريد المغرب أن يؤسس لها بإعلانه فتح ورش إصلاح القضاء، بإنصاف المتهمين على خلفية هذه القضية عبر المسار القضائي. وذلك حين رفضت الاستجابة إلى المطالب المتعلقة بالاستفادة من الإفادات التي يوفرها الإستماع إلى بعض الشهود، والتصرف فيما يخص المحجوز المنسوب إلى المتهمين، بل إن الحالة الوحيدة التي تمت فيها الاستجابة جزئيا إلى أحد المطالب بإجراء بحث تكميلي جاءت إفادات جميع الشهود الذين تم الإستماع إليهم لصالح نفي تهمة محاولة اغتيال المواطن المغربي السيد بابي أزنكوط. وفي ظل غياب أي إمكانية لمناقشة التهم الموجهة إلى المتهمين وحجيتها أمام هيئة الحكم من زاوية البحث عن الحقيقة، فإن النيابة العامة في الأخير لم تجد لتبرير اتهاماتها سوى الاستناد على أقوال متهمين لتأكيد اتهاماتها اتجاه متهمين آخرين، وهو ما تعكسه حالة المعتقلين السياسيين الستة بامتياز، ولتصدر أحكامها القاسية مرة أخرى في حق المعتقلين السياسيين، أو تأكيدها في حق الآخرين ليلة الجمعة 16 يوليوز 2010. من هذا المنطلق، وبناء على الحيثيات أعلاه، يطالب الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، بالتدخل العاجل لإنصاف ضحايا هذا الملف، لأن ما يسري على حالة المعتقلين السياسيين الستة، من خلال غياب الضمانات التي توفر لهم التمتع بقرينة البراءة، وشروط المحاكمة العادلة، هي نفسها تسري كذلك على جميع المتهمين على خلفية هذا الملف. لذلك نطالب بالنظر في ملتمسنا بخصوص تمتيعهم بحريتهم في إطار العفو، وإنصافهم بجبر أضرارهم ورد الاعتبار لهم، وذلك في علاقة بالمعتقلين السياسيين الستة، وبأغلبية أفراد هذه المجموعة في ظل غياب قوة القرائن والأدلة التي تسند الاتهام وكذا المنحى الذي طبع محاكمتهم.