العين عضو مهم في جسم الإنسان ، فهي الحد الفاصل بين الظلمة والنور، والبصر نعمة لا يقدر أهميتها إلا أولئك الذين اعتل بصرهم أو حرموا من نعمته بشكل كلي. ولن نكون مبالغين أبدا، إذا قلنا أننا نحن المغاربة ؟ بصفة عامة نفتقد إلى وعي صحي خاص بالعيون وطرق علاجها ووقايتها، ونحمل اعتقادات خاطئة حول مشاكل البصر. يعتقد البعض منا أن العمى عبارة عن عيب خلقي يحدث لبعض الناس مع الولادة فقط، ويستبعد تماما فرضية أن يصاب به أشخاص راشدون، إلا إذا فقئت أعينهم بسبب إصابتها في حوادث عنف أو غيرها، والحال أن العمى قد يصيب حتى أولئك الذين ولدوا وهم يبصرون بشكل جيد، لكنهم تعرضوا أثناء مراحل حياتهم لمرض عضوي في عيونهم، أو أصيبوا في حوادث عرضية، أو فقدوا أبصارهم بسبب مضاعفات ناجمة عن أمراض مزمنة تم إهمالها والتقليل من خطورتها على البصر مثل مرض السكري... والمشكلة بالنسبة للعين أنها عندما تصاب بالضعف لا تصاب به دفعة واحدة إلا في بعض الحالات، وهي على العموم، لا تحدث ألما يفرض على المصاب زيارة الطبيب فورا، خصوصا وأن كثيرا من الناس عندنا «ينكرون» المرض، ولا يزورن الطبيب إلا عندما تسوء حالتهم، ويشتد بهم الألم، وليس عندما يكون الألم خفيفا ومحتملا. وقد استقيت خلال ممارستي لمهنتي كنظاراتية مبصارية متخصصة، أعمل باحتكاك يومي مع مواطنين من طبقات وشرائح فقيرة ومتوسطة، عدة ملاحظات يسعدني أن أتقاسمها مع قراء هذه الصفحة لعلهم يجدون فيها ما يفيدهم. أولا : لاحظنا أن كثيرا من الناس يتآلفون مع ضعف بصرهم، ويتعايشون معه، ولا يستشعرون حاجة ملحة لتصحيحه، معتمدين في نشاطهم البصري الذي يتطلب تدقيقا، على محيطهم الاجتماعي، وهناك من الناس من يعتقدون بأنهم يبصرون بشكل جيد، وهم في الحقيقة يعتمدون في عملية الإبصار على عين سليمة واحدة، فيما العين الأخرى تعاني من الضعف ، والنتيجة أن العين المصابة تميل إلى الكسل ،ليتم الاعتماد كليا تقريبا على العين السليمة، مما يضنيها ويجهدها. ثانيا: لاحظنا أن بعض سائقي العربات والشاحنات يعانون من ضعف واضح في بصرهم، لكنهم يتماطلون في وضع نظارات طبية لتصحيح هذا الاعتلال، مشكلين بذلك خطرا حقيقيا على أنفسهم وعلى الآخرين. وقد أصبنا عدة مرات باندهاش عميق أمام زبناء يطلبون منا أن نجهز لهم باستعجال كبير نظارات طبية رخيصة! متعللين في ذلك بأنهم يحتاجونها فقط لعرضها على لجنة فحص العيون الخاصة بمنح رخص السياقة، مؤكدين بأن نظرهم «جيد»، حسب قولهم، وأنهم سوف لن يحتاجونها بعد ذلك ! ثالثا : كم مرة اضطررنا إلى تصحيح اعتقاد خاطئ لدى كثير من الناس بأن النظارات الطبية تساهم في تدهور البصر، ولا ندري من أين استقى الناس هذا الاعتقاد، وما هو سببه. رابعا: لاحظنا كذلك أن هناك أشخاصا يعانون من ضعف بصرهم، ولا يشعرون مع ذلك بالحاجة إلى تصحيحه، وهم « يعالجون» هذا الضعف بالاعتماد على الذاكرة والتكرار فقط، في الاهتداء لبعض الأماكن أو القيام ببعض الأعمال. وإذا كان بعض الناس يرفضون الاعتراف بأنهم لا يبصرون بشكل جيد، إما لجهلهم بقياسات مدى البصر ( هناك أشخاص لا يشعرون أنهم يجلسون قريبا جدا من شاشة التلفاز، أو يقربون عيونهم بشكل كبير من بعض الأشياء قصد تمييزها بشكل أفضل)، أو لأسباب نفسية كالخوف من الشيخوخة، أو أخرى اجتماعية ( أسباب مادية تتعلق بفقر حقيقي، أو أسباب تتعلق بترتيب خاص لأولويات العيش والحياة لدى بعض الناس؛ الصحة أولا أم المظاهر الاجتماعية أولا ؟...). خلاصة القول أن ضعف البصر ليس عيبا، و تصحيحه ليس أمرا صعبا في الغالب الأعم من الأحيان، ووضع نظارات طبية يحد من تزايد هذا الضعف، وقياس مدى البصر مسألة وقائية ضرورية بالنسبة لجميع الناس كبارا وصغارا مرة كل سنتين بالنسبة للأصحاء، ومرة كل سنة على الأقل بالنسبة لمرضى السكري، الذين منهم من زارنا وصرح بكونه قد «استفاد» من إحدى حملات قياس البصر التي تنظمها بعض الجمعيات لغايات مختلفة! و هم يحملون في أيديهم القصاصات الورقية التي تخرجها آلة الفحص. وعندما نسأل عما إذا كانوا متأكدين من أن طبيبا مختصا هو الذي كشف عنهم، خاصة المتقدمين منهم في السن، و عما إذا كانوا غير مصابين بداء السكري، يفاجئون بسؤالنا، ويستنكرونه، ولا يفهمون العلاقة بين ارتفاع نسبة السكر في الدم وحاسة البصر، ويعتبرون دعوتنا لهم بمراجعة طبيب العيون المختص في حالة الشك مجرد « تعسف» منا ، ورغبة غير مبررة في تعقيد حياتهم. لكن المزعج في القصة أن هذه النصائح لا تنفع أحيانا، ولا تسهم سوى في خسارة زبون محتمل، و إبعاده، و تحويله إلى منافسين آخرين يهمهم البيع أكثر مما تهمهم النصيحة و الأدهى من ذلك أن بعض هؤلاء «المنافسين» لا يتوفرون على شهادة تثبت تخرجهم من مدرسة تكوين متخصصة، ولا يتوفرون على رخصة مزاولة مهنة مبصاري متخصص من الأمانة العامة للحكومة ، و هم بالتالي غير مؤهلين علميا، و غير مخولين قانونيا لممارسة هذه المهنة. ولذلك يجب التأكيد هنا على أمرين اثنين: أولا : أن للإصابة بداء السكري، و عدم توازن السكر في الدم، مضاعفات على شبكية العين، قد تؤدي إلى فقدان البصر. - أن مرض السكري يتسبب في حدوث 12 % من نسبة الإصابات بالعمى في العالم. ولذلك فنحن لن نتعب أبدا من التأكيد على ضرورة زيارة الطبيب المختص لإجراء فحوصات دورية، ونلح على أي شخص يتوجه إلى طبيب العيون أن يطالبه بفحص كامل يشمل قياس ضغط العين ( Tension Oculaire) . ثانيا : وفي موضوع «المتطفلين» على مهنة المبصاريين المتخصصين، يجب الإفادة بأن المبصاري المتخصص هو شخص متعلم حاصل على الباكالوريا (العلمية) و درس خلال مدة لا تقل عن ثلاث سنوات دراسات شبه طبية دقيقة بالإضافة إلى إجرائه عدة تداريب. ولذلك ننصح الشخص الذي يسعى لاقتناء نظارات طبية، أن يستشير أخصائيا مبصاريا مضمونا ومعترفا به من طرف الدولة (حاصل على رخصة و اعتراف الأمانة العامة للحكومة)، لأن المسألة لا تتعلق فقط بالصحة، و لكن بالتبعات القانونية التي تقع على عاتق المبصاري المتخصص، ولا تقع على غيره، خاصة إذا تبين أن هناك غشا في جودة المواد المباعة. (*) نظاراتية مبصارية متخصصة مجازة في العلوم الفيزيائية.