جمعت جميلة صمتها،دفنته تحت وسادتها، دون أن تنبس ببنت شفة.الصمت هو الكائن الوحيد الذي يلف غرفة نومها المطرزة بمساحيق إختلطت بعرق زوجها الغائب. هي الآن لا تريد فتح النافذة الوحيدة المطلة على حديقة العمارة. هي الآن ملفوفة يصمتها كمومياء لم تفسدها عدسات التصوير بعد ولم تخربش صمتها. هي الآن غير مستعدة لفتح وسادتها لفسخ تمائم فقيه أبكم. شفتاها تتحركان كما لو أرادت إيقاظ عريها، أو إشعال مساماتها بعرق رجال لا تريد قلب مواجيعها أو هتك بيتها الذي يحتضن طفليها. طفل وطفلة يقتربان في السن بل لاتريد حتى التفكير فيهما... ربما لأنها تخاف من الأصل، من أصلهما الذي يذوب بين الرجال الذين إلتقت بهم في لحظات النزوة. زوجها- الآن- غائب وهي تتلوى على سريرها البارد،والهاتف صامت على يسارها، تنتظر المكالمة كي تطمئن على وجودها، لكن صمت الهاتف أضاف إليها عزلة الشفاه وهي تتحرك دون أن تقول. طردت الوساوس من جمجمتها ورمتها تحت السرير. أشعلت سيجارتها والليل يقترب من نهايته،تكوكبت بين كوكبات الدخان الطائر إلى روما، وبالضبط إلى الغندق الذي ينزل فيه أمين زوجها سألت عنه في مكتب الإستقبال بإنجليزية متعبة بالسهر والنسيان. أخبرتها الموظفة بأنه غر موجود،إنتظرت في البهو،على أريكة جلدية جلست بعد أن طلبت كأس فودكا بارد، شربته دفعة واحدة وطالبت بالمزيد وهي تدخن وساوسها وتدفن أنفها في قلقها البارد،لم تستطيع إنتظار طويلا،حين أحست بألم بين أصابعها، أعادتها الأصابع إلى سريرها. وتسألت أينك الآن يا أمين؟ أيها الجرو الذي يبوس قدماي لأسامحه عن خطإ باهت، هل فعلا أنت الآن في حضن إمرأة أو عاهرة؟إخ عليكم يا عبيد أعضاءنا. وضعت جميلة رأسها على المخدة وعيناها تشعلان حيرة وتعبا، أغلقتهما وذبيب الوساوس يزحف في جسدها كما النمل تماما. لم تستطيع إيقاظ طفليها، بل لم تستطيع تحضير فطورهما قبل للذهاب إلى المدرسة، لكن حين استيقظت وهي تتمايل بتثاقل كأنها ثملة بشراب الفودكا، فتحت غرفة طفايها فلم تجدهما، فتحت باب المطبخ فوجدت الخادمة تغسل الصحون وتهيئ الغذاء، طلبت منها تحضير قهوتها، عسلت وجهها ورشت جسدها بقطرات ماء باردة. رجعت إلى غرفتها والخادمة تضع فنجان قهوة وكأس ماء وقليل من البسكويت،إتصلت بالإدارة التي تشتغل بها، لتخبرهم بمرض مفاجىء أصابها، أعادت السماعة إلى مكانها وهي مرفوعة بوساوسها وبصمتها المدفون تحت وسادتها وبتمائم الفقيه الذي لم يفلح في ما تريده وما لا تريده. رن هاتفها المحمول، إنه هو. أخبرها أمين أنه سيعود غدا إلى المغرب وأنه سيحدثها فيما بعد عن تاريخ وصوله. هناك غسلت جميلة وساوسها بعطور مختلفة وأمرت خادمتها بترتيب الغرف بينما هي جلست في غرفة زوجها تخطط لاستقباله أو بالأحرى تضع خطاطة لإستقباله. الزمن الفاصل بينها وبين عودته قصير لديها أعمال كثيرة تريد القيام بها، البيت، الأطفال، العشاء، السهرة، الإستقبال... هي تعرف ما يرغب فيه زوجها من مأكولات بل حتى من تسريحة شعرها وشكل لباسها والأهم لباسها الداخلي قالت علي الآن أن أعتني بهذه الأمور بدقة. أشعلت سجارتها والوساوس تستيقظ من جديد بين شفتيها، تحاول بلعها عبثا أو رميها بعيدا، لكن عبثا ما تعود لتستقر تحت لسانها. أمرت خادمتها إشعال المجمر الطيني لتفسح فمها بالشب والفاسوخ وحين إنتهت دخلت إلى الدوش وهي تتملى جسدها في الماء وتنظر لوجهها. حركت أصابعها على جسدها دون أن تلحظ مأوى رجال آخرين طووه في ليلة من لياليها. نشفت جسدها بفوطة بيضاء، إرتدت ملابسها بسرعة، إتجهت نحو صالون الحلاقة، الصالون الذي يضيف لوساوسها مساحة أكبر للإشتعال. كلام النسوة يفضح تسريحة الشعر. كنوع من إضافة هستيريا لحنجرتها المغلقة بريق لياليها. تمت لو انتهى الحلاق الذي يشبهها من عمله لتنصرف بعيدا، نحو أمكنة أخرى لإقتناء حاجاتها. لم تكن جميلة تحس بفيضان أحاسيسها إلا حين غياب زوجها، لكن، هذا قدرها كما تقول أمها، زوجها مشغول على الدوام، هي لا تعرف شغله بالضبط، رغم أنها تعرف الإدارة التي يشتغل بها، فهو كثير السفر كما رجال السياسة والأعمال، يسافر هنا وهناك وفي كل سفر تفيض أحاسيسها المتسترة خلف لسانها، في بعض الأحيان يعجبها سفره وثرحاله، في كل رحلة يحمل معه الهديا وإن كانت هي التي تفرض عليه نوعها وشكلها، هو يريد أن يقوم بذلك، يريد شراء ضمتها، يريد التنصل من أسئلتها أو البحث عن أي أثر في جسده يفيد ما تريده، هو لايقوم بأي شيء كما يقول، هو يسير جنب الحائط كما تقول، هو يقول: نعم، حاضر، كما يقول لرئيسه...لكنها تنزعج حين لا تجد ما تخفيه الملابس وما يستره العطر والماء، لتعود هي لمعانقة سريرها البارد كبرودة زوجها تماما، لتعود هي لمعانقة سريرها البارد كبرودة زوجها تماما، تحاول عبثا إحراق أصابعه بمهل، أو بالأحرى فلاحة لسانه بريقها دون أن تصل إلى ما يجعل إحساسها يمحو وساوسها.مرة أقنعت نفسها أن تزور طبيبا نفسانيا، لكنها تركت الطبيب في خطوتها الأولى، دعسته بحذائها الجلدي وراحت. زوجها الآن سيصل في الثالثة بعد الزوال. أمتطت سيارتها الصغيرة واتجهت نحو المطار. وصل أمين على الساعة الخامسة والنصف،تأخير ما وقع. دون إعلان ذلك، المهم لقد وصلت بالسلامة، قالت جميلة، الحديث يتناثر بينهما في الطريق، طريق ظيق، ينشر حوادث السير،بل ينشر الموت والإعاقة الدائمة، هي دائما تخاف من هذه الطرق، لكنها تنساها حين تحملها وساوسها إلى طريق بعيدة، على البحر أو على رمال الصحراء، أو هي بالأحرى تفكر في سهرة هذه الليلة، أمين يحكي عن شغله، عن آجتماعاته، في الفندق والبار. «على سلامتك» قالت جميلة وهي تطلب من البواب حمل حقيبة أمين، بينما أمين جمل أكياس في يديه . الثامنة مساءا،المذيع يخرج من شاشة التلفزيون،يجلس قبالة أمين يدخن سجارة، ويعود إلى مكانه دون أن يقول شيئا، فقط قال أمين آفتقدتك أيها المذيع كما آفتقدن هذا الجهاز البارد. هيأت جميلة الدوش لزوجها وفي نفس الوقت أطعمت طفليها وأدخلتهما إلى غرفتهما ليناما، أو بالآحرى ليدعا سهرتها هادئة، بل مشتعلة بفوضى النجوم. هاهي الآن تنط من مكان لآخر، من المطبخ إلى الصالون. من الكؤوس إلى المثلجات كفراشة تخاف من الضوء. كأسها الأول ، شغلت المسجل، بموسيقى تتسرب بلطف بين الشموع. وشفتاها المحرقتان بالرغبة. شربت الكأس الثانية وأمين ما يزال يلاعب أطفاله كما تعود، تحاول إطفاء غيرتها بكأس أخرى، وترغب في تكسير آنتظارها بآشعال السجارة والسفر بين الشموع إلى أمكنة بعيدة...لم تستطع جميلة مقاومة عناد الرغبة. آتجهت نحو غرفة طفليها. كان أمين يلفهما بشخيره، يتعالى كما سمته، أطفأت الضوء ولعنت زوجها وطفلاها وكل شيء. عادت إلى الصالة، بدأت تدخن بعنف وتشرب بعتاد الحاهلي. غطت شعرها بمنديل وخرجت آمتطت سيارتها وراحت تداعب رغبتها المقفلة على دمعتين مستقرتين تحت رموش عينيها. لم تشعر بنفسها إلا وهي أمام الغابة، بين رجلين أوقفاها عنوة، أدخلاها إلى الغابة واغتصباها. أحست بالتقزز وبآرتياح يبرق من بعيد. لم تستطع مقاومة الليل لصوص الليل والغابة ونباح كلاب مذعورة. أحست بأصابعها تحترق والعرق يتصبب من جسدها. أطفأت الشموع غطت جسدها ونامت على الكنبة بينما كوابيسها تطفئ الشموع وتستقر في زوايا الصالون. سطات مارس 2008