لا تكن طبيبا، فأنت لن ترى سوى المرضى بآلام القلب والنقص الكلوي،.. والذين يعانون من ضغط الدم، وهو معٍد بلا شك بسبب الاحتكاك، وإذا كنت غير محظوظ فستكون متخصصا في البواسير، لا تكن طبيب توليد، لأنك ستكون مجبرا على أن تلتقي الحوامل والرضع واليائسات بعد حمل طاريء، والمصابات بالعقم ... وقد يصل بك الأمر أن تحتاج، بعد كل عمل يومي، ستحتاج إلى وجه يذكرك أن الإنسان يمشي على قدميه! لا تكن معلما، فأنت لن تلتقي إلا الأميين، والذين لا يعرفون شيئا وسيكون عليك أن تصادف الجهل يوميا وتتحاور معه، سيكون عليك أن تحسن الذكاء الجماعي للبشرية ولمن لا تعرفهم ..، وإذا لم يسعفك الحظ فقد تعين في قبيلة للرحل لا تعرف من السنة سوى الصيف والشتاء، والأكثر من ذلك أن تصادف بعد سنين كل «متخرجيك» على قارعة الطريق..! لا تحاول أن تقلد طيارا يشغل يديه من أجل أن يجوب السماء وعقله من أجل أن تستمر مسيرة البشرية نحو العلم، إذ سيكون عليك أن تلتقي كل يوم أناسا على عجل ، وربما إرهابيين يبحثون عن رأسك. لا تكن رجل أمن، فأنت لن تلتقي سوى اللصوص والقتلة، والذين يفضلون زوجاتهم عاريات في صناديق القمامة، وأصحاب الشاحنات المهترئة ...، وإذا كنت محظوظا فقد تصادف أثناء أداء المهام النبيلة رجلا مهما، برلمانيا أو صاحب نفوذ يدوسك وهو يبتسم للحظ الذي جعلك في طريقه ..! لا تكن محاميا أيضا، فتلك أفضل وسيلة لكي تقضي أيامك مع اليائسين والمظلومين والمعذبين في الأرض وباعة الحشيش ومهربي المخدرات. وإذا كنت محظوظا فقد تجد نفسك عاجزا عن إثبات براءة موكل بريء، وتراه يدخل السجن وكلك ندم على ما اقترفت يداهم! لا تكن عاملا، فسيكون عليك أن تقبل بكل مشاكل العالم وتستيقظ باكرا من أجل أن يقلك صاحب طاكسي بمزاج عكر، وإذا كنت محظوظا فستركب سيارة خطاف مزدحمة وتصل بنفس جيوبك إلى العمل في حين يكون صف من الزملاء ينتظرونك لتبادل الشكاوى وأطراف اليأس.. لا تكن صاحب الطاكسي فيركب معك اليائس والحزين والمتسرع والغاضب والملتحي والأملط والمتشكك ..وعليك أن تغير موجات المزاج في كل لحظة لكي تبقى على صراط معهم .. لا تكن المهندس، فتنهار عليك كل مشاكل أصحاب البناء، وربما يكون عليك أن تسمع إلى أنين البنائين والباعة من الاسمنت الرخيص والحديد المغشوش والاراضي المنهوبة .. لا تكن الفلاح الذي عليه أن يستطلع درجة حرارة الارض قبل أن يخرج لحرثها، ويسمع إلى الجائعين وإلى عمال الضيعات المتأففين... وإذا كنت محظوظا فسيدوم الجفاف سنتين فقط. لا تكن متعبا ... بالعمل كن مثلا مقاوما مغشوشا له كريمات ذلك أفضل.. أو كن سياسيا مدللا من كثرة الفساد وانتظر الريع ، ونم طويلا على جنبك الذي يريحك فتلك أفضل طريقة في تأمل الوجود والتمتع بالنجوم ومحبة الذات.. كن صديق جنرال قديم أو بائع أوهام مغربية لم يحل على التقاعد كن أي كائن لا يحب العمل، فتلك طريقة خاصة في السعادة..!