لست أدري لماذا أجدني في مدخل حديثي عن رواية القوس والفراشة للشاعر محمد الأشعري ، منقادا إلى التأكيد على تلك المسلمة التقليدية القائلة، بأن ضعف أو قوة أي عمل روائي، تكمن في طول أو قصر المدة التي يمارس فيها تأثيره على ذاكرتنا ومخيالنا. تأكيدي على هذه الملاحظة نابع أساسا من اقتناع القراءة بوقوعها في شراك هذا النص الروائي بعد انتهائها من طي صفحات فضاءاتها وأزمنتها وشخوصها . استمرار هذه المصاحبة وهذا التأثير، هو الذي يغري القراءة ذاتها بالتساؤل عن الأسرار الجمالية والفكرية التي ساهمت وتساهم في خلق هذه الانطباع، الشيء الذي لايمكن أن يحدثه نص روائي عابر،لايلبث أن يعلن تلقائيا عن احتجابه في ظلمة النسيان، فور الشروع في تلقيه أو بعده خطوات معدودات منه . دونما حاجة إلى مقدمات تبريرية، سأتساءل عن حدود احتكام القراءة إلى جاهزية إطار نظري محكم ،كلما تعلق الأمر برصدها لتكَوُّنِ وتنامي بنيات العمل الروائي ،على امتداد اشتغال مكوناته السردية والوصفية ، الفاعلة في إضفاء ما يكفي من الحياة على كائناته الورقية، وهي تعيش تجربة معايشة أو إنتاج حالات وأحداث قد تكون صغيرة أو كبيرة، داخل فضاءات زمية ومكانية معلومة . ومصدر تساؤلي هذا، يعود بالدرجة الأولى إلى اقتناعي بأهمية الإنصات المباشر إلى ايقاع العمل الروائي ، من أجل استجلاء خصوصيته التي يمكن أن تقترح بشكل تلقائي إطارها النظري الملائم ، بصرف النظر عن جاهزيته المسبقة ، أو المدعوة للتشكل لاحقا انسجاما مع ما توحي به جدة أو خصوصية مكوناته. من هذا المنطلق آثرت الاستناد في قراءتي للرواية ، إلى أحد أهم مكوناتها الذي بدا لي أنه يمتلك من المقومات النصية والدلالية، مايؤهله لأن يكون الإطار الناظم لمجموع ماتحفل به من تشكيلات سردية .هذا المكون هو «الفسيفساء» التي استحضرتها الرواية بمرجعيتها الرومانية ،المؤثثة لأرضية بعض مرافق مدينة وليلي الأثرية ،كي تجعل منها مادتها الخام لهندسة شخصية محمد الفرسيوي، بصفته الشخصية الأكثر إشكالا وإغناء لبنيتها السردية والتخييلية ، خاصة بعد أفول إمبراطوريته المادية والرمزية بمدينة مولاي إدريس زرهون ،وضياع أمله في استعادة أمجاد السلالة ،وفقدانه لبصره ، كي يتحول في نهاية المطاف إلى مجرد دليل سياحي أعمى يجوب بقوافل السياح أطلال وليلي المتاهية .وتلافيا للتورط في أي تلخيص عشوائي من شأنه تشويه شعرية السرد ، أكتفي بجرد بعض الإشارات الواردة في الفصل المعنون ب›فسيفساء نحن إلى الأبد «161ص/198 والذي تنتشي فيه القراءة على امتداد 37 صفحة ،بشروحات الفرسيوي الموجهة إلى كوكبة من السياح الألمان . شروحات تتحول تدريجيا من عملية تفكيك الرموزالأسطورية التي تتشكل بها اللوحات الفسيفسائية ، إلى لعبة تحويلية كبرى يمارس فيها الفرسيوي بشعرية عالية ، إعادة ترصيع الفسيفساء ذاتها بجماع القطع المنتقاة من قلب الذاكرة التاريخية والشخصية لسلالته، من ذلك مثلا:باخوس الذي تقول ألسنة السوء إنه» لم يُسرق بل سكَر في حان الفرسيوي ، فضيَّع الطريق إلى قاعدته « ص 164 ولم ينتبه أحد إلى أنه دفنه في باحة مسجد قروي، كي يعثر عليه علماء الآثار مستقبلا سكرانا هناك / جد زوجته ديوتيما هانس رودرالذي كان ضمن الأسرى الألمان الذين جاء بهم ليوطي لإخراج وليلي من الأنقاض ،بعد أن عثر عليها أطفال قبيلة فرطاسة وهم يلعبون في التراب/احتمال استمرار الحفريات على يدالدمياطيين الباحثين عن الكنوز السمينة /موكب فينوس/ مشهد ديانا إلهة القنص/قوس النصر الذي يحمل إسم الإمبراطور كراكلا، ص 171 اعترافا من الحاصليين على المواطنة الرومانية، بجميل إعفائه لهم من الضرائب، كما هو الشأن بالنسبة لمحظوظي العهد الجديد /فسيفساء منزل أورفي الذي « لولا ألبسته الفخمة لحسبته راعيا من ‹موساوة› « دعاباته وهو يهيب بالسيدات الألمانيات ليتبركن بكل ذَكَرٍ منحوت يعثرن عليه في جولتهن باعتباره رمزا للخصوبة ،كي ينصرف إلى الحديث عن جد زوجته الأخرق، الذي قيل إنه دفن ديوانا شعريا تحت أحدها، وكيف أنه أدمن الحفر،نزولا عند رغبة زوجته ديوتيما، لسنوات طويلة في كل المواقع المحتفية بالقضيب بحثا عن الديوان دون جدوى صارخا «تحت أي ذكر دفنتَ شعرك يابن الكلب 173 . مشيرا إلى ما سبق أن عاناه من استنطاق السلطات له بحثا عن سر علاقته بالموقع /فسيفساء انتحاركاتون الذي يشبهه بانتحار زوجته المباغت بطلقة بندقية في المرتفع المطل على الموقع ،ص 174 /تألمه لعدم قدرته عل سرقة التمثال البرونزي للفتى الجميل والذي يوجد الأن بمتحف منسي بالرباط / تمنيه لو كان بإمكان فناني الفسفساء أن «يجعلوا باخوس يلتقي بالمولى إدريس ليضع بين يديه عنقودا من « عنب بوعمر «الذي اشتهرت به المنطقة»177 إلى أن يقول « لو قدر لي صيت مماثل ، لكنت أنا بنفسي في فسيفساء ضخمة ، الفرسيوي يخنق ثعابين الغابة الحرشة في زرهون ، الفرسيوي يخرج ديوتيما من الجحيم الفرسيوي يستظهر قصيدة لهلدرلين في الجامعة الليلية بفرانكفورت ، الفرسيوي يفوز بصفقة كراء قاعة الزيت بالزاوية ، الفرسيوي يبني فندق الزيتون ، الفرسيوي يدفن باخوس ، الفرسيوي يتحول إلى أنطي ويلوي ذراع هرقل قبل أن ينفيه إلى بومندرة.ص.177 . و أكثر من ذلك ، نستمع إلى الفرسيوي وهو يدعونا كما يدعو أفواج السياح، إلى زيارة أطلال فندقه للتأمل في فسيفسائه الشخصية التي أبدعها في أيام العز بقطع رومانية خالصة، ليشاهدوا فيها عبد الكريم الخطابي على فرسه الأبيض وهو يستسلم للفرنسيين الأعداء ،وبجانبه أورفي يعزف عل نايه ، والفرسيوي الجد يحمل ظبيا من جبل سلفاست ، بينما هو أي الفرسيوي الإبن، أو العبد الضعيف عل حد تعبيره، يحارب أفعى من عين جعفر»178 . وكأنه في دعوته تلك ينتقم لسلالته الموشكة على الانقراض، من ديمومة الفسيفساء الأصلية ، كما تشي بذلك عبارته الجميلة التي وردت في سياق حديثه مع سائق الطاكسي الذي استقله للعودة إلى البيت بعد يوم مجهد من العمل ،»لاتشغل نفسك بي سأنام في حوض الحوريات ، وسأسبح مع الدلافين في الاتجاه المعاكس ، كما يليق بفسيفساء محترمة مثلي»198. إن الهدف من توقفي عند هذا الفصل الخامس الذي يتوسط فصول الرواية التسعة ، يهدف أساسا إلى إمكانية القول بأن أمنية تأبيد الصورة الشخصية في فسيفساء ما ، تحضر بشكل ضمني لدى أغلب شخوص الرواية ،باعتبارهم امتدادا طبيعيا ، وبصيغ مختلفة ومتباينة لمعاناة الفرسيوي التي تجسد النواة المركزية للتنسيل الدلالي،من مأساة استحالة تماهي فسيفساء الدواخل مع قساوة فسيفساء العالم الخارجي ، تلك التي تجبرهم على الامتثال إلى قدر تشكيل فسيفساء هجينة لاعلاقة لها بالداخل أو بالخارج، حيث لن تكون بالتالي إلا مهددة بتصدعاتها الفكرية والروحية على امتداد زمن الرواية ، كي تفضي في نهاية المطاف إلى نهايتها أوبالأحرى إلى نهاية تماهيها مع فسيفساء حالة اجتماعية أو فكرية أو روحية جاهزة سلفا في الحلم أو في اليقظة ، وطبعا دون أن تكون بالضرورة متماهية مع اختيارات الفرسيوي في تشكيل فسيفسائه . إن هذا الاستنتاج الذي لن يكون ملزما لأية مقاربة /مقاربات محتملة ،سيقودنا إلى اعتبار الرواية ككل، فضاء تراجيديا تتبادل فيه كائناته وبقيادة سارده الأول يوسف، إبن الفرسيوي محنة وجمالية هندسة فسيفساء كبرى مشتركة مشروطة بنهايتها . فسيفساء أجدني في حل من التورط في آفة تلخيص أحداثها ووقائعها التي يمكن أن يؤدي الخوض فيها إلى كارثة نصية، نحن جميعا في غنى عنها ، دون أن يمنعنا ذلك أولا، من الإشارة إلى شخصياتها الأساسية الحاضرة في الخريطة السردية، وثانيا، من الإشارة إلى خصوصية علائقها مع ذواتها ومع الآخرين، التي عبدت بالتباسها وتعقدها الطريق إلى عتمات نهاياتها. على هذا الأساس سأُذكِّر بالحضورالمركزي لعائلة الفرسيوي الممثلة في محمد الفرسيوي الأب وزوجته ديوتيما الألمانية الأصل ،وابنهما يوسف المتزوج من بهية أم ياسين من يوسف طبعا .أيضا بموازاة حضور العائلة ،تحضر صداقات يوسف ممثلة في امرأتين هما فاطمة وليلى ، وفي رجلين هما أحمد نجد الذي سيتزوج لاحقا ببهية بعد طلاقها من يوسف، وإبراهيم الخياطي الذي سيرث عن صديقه المثلي «الهادي» زوجته هنية وابنيه عصام ومهدي .تلك إذن، هي الشخوص التي ألقى بها السارد في أتون مغرب ما بعد سنوات الرصاص ، وهي مثقلة سلفا بأعباء المرحلة السابقة ، شخوص موزعة بين زمنين متضادين تفصل بينهما هاوية ، ما من سبيل لعبورها سوى بتقديم ما يكفي من نذر التنازلات، أو الاندماجات المشبوهة.هناك سينحاز الفرسيوي الأب وابنه يوسف، كل بطريقته إلى فتنة اللعب العالي الصاعق والمرير داخل دوامة الخلط . لعب بالذاكرة بالأحاسيس وباللغة بالذات وبالآخر.برجات الجسد المحتدة في عتمات البؤس وفي عتمات اللذة ،في ساحات الجنون وفي دهاليز الحكمة ، هكذا نعيش مع الفرسيوي حلم إعادة خلق السلالة الأمزيغية في مدينة زرهون بعد عودته المظفرة من فرانكفورت ، مدججا بالقوة والمال والذكاء وامرأة شقراء ، ليعيث دمارا في سلطة الشرفاء ، يسحق هيمنتهم المادية والدينة ويؤسس على أنقاضها جاها، لم يلبث بدوره أن تهاوى داخل طقس يتآلف فيه العجيب مع الغريب . شقرة ديوتيما وحداثة حضورها الذي خلخل موازين زرهون، وكان أحد وسائل الفرسيوي لإدمانه شهوة اقتطاع المزيد من الأراضي والممتلكات . هذه السيدة التي كان الفرسيوي يبدو أمام عينيها لحظة لقائها الأول به في فرانكفورت ،محض تميمة سحرية لفك طلسم ديوان جدها المدفون في مكان غامض من موقع وليلي ، وليس زوجا يحلم معها بضخ دماء جديدة في عروق سلالته المهددة بالانقراض . امرأة تنكرت المدينة كلها لهباتها الإنسانية وبادلت انفتاحها عليها بكراهية سوداء، أجبرتها مرغمة على تربع عرش الاستقبال في فندق الفرسيوي العاج بصراخ السكارى ، كي تحتفي خلسة بانتحارها أمام غروب شمس الروح على أحد مرتفعات زرهون ، بطلقة نارية في رأسها ، تماما حينما كان الفرسيوي يتهيأ لمكاشفتها بحبه لأول مرة في حياته . ولأن الرواية حريصة على تشكيل فسيفسائها الاستثنائية من تلك القطع التي تقذف بها مختبرات العهد الجديد ،بعد إخضاعها لدقة تكوين وتلوين مغاير، كان من الضرورة أن تسند ليوسف الفرسيوي الصحفي والمناضل، مهمة توزيع هذه القطع بعد تحويله إلى كائن يمتلك من الحب مقدار ما يملك من القرف ، ومن حمى التواصل مايضاهيها من حمى النأي والهروب، كائن تحول مع انتحار ابنه ياسين في عملية إرهابية أوجهادية بأفغانستان، إلى هواء مرئي قادر على التسرب إلى عمق الأسطوانة الصلبة التي يخبئ فيها الواقع تشوهاته المكتومة والصارخة ، هكذا نكتشف معه مكر مافيات العقارومقالبهم المعقلنة في تحويل المغرب إلى ورشة بناء بدون روح ، حيث لامجال لتحقيق حلم بهية برد الاعتبار إلى مزبلة عكراش ، كما لامجال له ولصديقته فاطمة بتحقيق رغبة ياسين في وضع قوس يرمز إلى تألق خيال يؤلف بين ضفتي نهر أبي رقراق .وحدها الفراشة الإسمنتية تملك الحق في أن ترفرف على قمة عمارة أحمد نجد الماركسي سابقا، والمستفيد حاليا من فدية المصالحة بعد تجربته السجنية ، وتحوله إلى رجل أعمال لايقهر في حرب مضاربات العقار، عمارة شيدها لتكون الأسطورة الجديدة المنضافة إلى أساطير مراكش والتي سيفاجأ يوسف في حفل تدشينها برؤية تمثال باخوس يزين شقة بائع العطور العالمي، كي يتساءل مفجوعا، عن دلالة الأكذوبة التي روجها الفرسيوي بدفنه له في باحة مسجد قروي بزرهون .بينما هو هنا، أمام عينيه بمراكش التي أمست النموذج اللآأخلاقي الجديد لمستقبل مغرب الفضائح والإعلام المطل من ثقب الباب .مع يوسف دائما نكتشف غرابة القطع التي تؤثث الفسيفساء الداخلية والخارجية لصديقه إبراهيم الخياطي ، بصفته مثليا حقوقيا يتصدى للدفاع عن زواج المثليين ، وأبا بالوكالة لعصام ومهدي، إثر تزوجه من أمهما هنية والتي ليست سوى زوجة عشيقه المنتحر الهادي .من داخل هذا الجو العائلي المثير للشفقة يقودنا طيف يوسف إلى الأجواء العامة للمجموعات الموسيقية الجديدة التي ينتمي إليها عصام ومهدي، والمخترقة بعبدة الشيطان كما هي مخترقة بالأصوليين وجيوش خلاياهم النائمة ، والتي أدت إلى الاختفاء الغامض لعصام، واعتقال الخياطي بتهمة قتله ، والسبب، معاناته من احتقار عصام بعد اطلاعه على علاقته الشاذة بأبيه. ولأن يوسف يمتلك أيضا من شعرية التكوين والخلق وتشظية هيكل الروح والذاكرة ضعف ما يعلق به من بؤس المعيش وسوقية نثريته ، حيث لم يعد ثمة مكان لقضية فكرية أو سياسية ساخنة بما في ذلك قضية فلسطين ، فإنه كان حريصا على انتقاء قطعه قبل الزج بها في فسيفساء الشخوص المشدودة قدريا الى كينونته . حيث ثمة قطعُ فوبيا الإرهاب المؤثتة لفسيفساء ابنه ياسين،هذا القتيل الحي ، الذي لايكف عن السير إلى جانبه ، منذرا إياه بقرب حدوث الأعنف والأمَرِّ. ثمة أيضا قطع انتزاعه من نوباته المباغتة بالنسبة لفسيفساء صديقته فاطمة .كما ثمة قطع الشبق والإقامة الحارقة في عمق اللذة كلما تعلق الأمر بفسيفساء ليلى ، دون إغفال قطع السلالة ذات الجحيم البركاني الذي يتأجج في فسيفساء الفرسيوي المكتظة بشعرية مشاهدها القيامية ، وأحيل هنا بالذات على مشهد بحث يوسف التراجيدي عنه في خرائب إقامته بزرهون ، بعد انتشار خبر تربص الشرطة به في شأن القطع الرومانية المسروقة. مؤقتا نختتم هذه الورقة بالتأكيد على أن أهمية رواية»القوس والفراشة»لمحمد الأشعري ،تكمن في ركوبها مغامرة رصد التحولات التي يعيشها المغرب الجديد ، والتي لن تكون سوى محاولة للإحاطة بلحظة تاريخية ملتبسة وموغلة في تعقدها ، مادامت هاته التحولات شبيهة برجة هائلة ليست نتائجها أقل ضراوة من مخلفات العهد السابق ، وذلك بالنظر إلى تداعياتها السلبية المنسحبة على كل المجالات التي تتشكل بها ومن خلالها الهوة المغربية . ومن تجليات هذه المغامرة عدم توفر تراكم معرفي بالمفهوم السوسيولوجي للكلمة لهذه المرحلة والذي يمكن أن يسمح بتوظيف آليات إجرائية لمقاربتها . مما يجعلها عصية على التصنيف والتنميط . سيما وأن اللحظة التاريخية تخضع لآلة تفكيك جهنمية يتعذر معها الإمساك بخيط محتمل يمكن أن يقودك إلى مرفإ معرفة محتملة، كما توحي بذلك مكابدة السارد في هندسة متاهة فسيفساء الرواية التي ينبثق من تصدعاتها ذلك الضوء الهلدرليني الذي ينبعث شفيفا من أشكالها المرئية واللآمرئية ، حيث يتطاحن أكثر من مغرب ،أكثر من وحش، وأكثر من ملاك، داخل الأسطورة وخارجها، من أجل الفوزبشيء لاعلم للفسيفساء به ،وحيث لن يكون للقراءة خيار آخرسوى أن تردد مع الفرسيوي قصيدة هلدرلين -التي ادعى كتابتها- وكانت قد وقعت في يد زوجته ديوتيما حين نسيها أو تعمد نسيانها على مائدة الإفطار :- هيا ، خليق بي أن اأصمت، لاتدعيني بعد الآن أبدا أرى ما يقتل ، واتركيني على الأقل أمضي بسلام إلى عزلاتي وليكن هذا وداعنا حقا تجرعي وناوليني من هذا السم المقدس ولأشرب معك من ليثيا نهر النسيان المنقذ كأسا دهاقا تنسينا كل ما كان من بغضاء وحب ها إنني ذاهب لكن قد تعود لاحقا ، ياديوتيما ساعةُ رؤيتك هنا من جديد فدمها سفحته الرغبة بكامله بعد الآن ونحن بلا هدف نمضي .ص196 قدمت هذه المداخلة، بمناسبة حفل توقيع الشاعر محمد الأشعري لروايته « القوس والفراشة» الذي نظمته جمعية أصدقاء تازة ، بتعاون مع المديرية الجهوية لوزارة الثقافة ، بمدينة تازة يوم الجمعة 12مارس 2010.