أفاد مسؤولون في الإدارة الأمريكية أن البيت الأبيض ينظر حالياً في إمكانية الاحتفاظ بالمتهمين المتورطين في الإرهاب داخل إحدى القواعد العسكرية بأفغانستان، وهي الخطوة التي من شأنها أن تقود إلى إقامة معتقل آخر شبيه بذلك الموجود في جوانتانامو، والذي سبق لإدارة أوباما التعهد بإغلاقه، بيد أن الفكرة التي تحتاج إلى موافقة أوباما قبل أن تتحول إلى قرار قابل للتطبيق، أثارت مقاومة كبيرة داخل الحكومة الأميركية نفسها، حيث عبر الجنرال «ستانلي ماكريستال» قائد القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى مسؤولين بارزين عن رفضهم الشديد لإنشاء معتقل جديد في أفغانستان لاستضافة المتهمين بالإرهاب، خوفاً من أن يؤثر فتح معتقل في القاعدة الجوية بباجرام على جهود جلب الاستقرار إلى البلاد، ما سيجعل المهمة صعبة على القوات الأجنبية المنتشرة في أفغانستان، غير أن مجرد التفكير في منشأة أخرى عدا جوانتانامو للاحتفاظ بالمتهمين الذين يتم اعتقالهم خارج أفغانستان، يعكس الإدراك الذي تشكل لدى إدارة أوباما بمحدودية الخيارات المطروحة أمامها فيما يتعلق باحتجاز واستنطاق المعتقلين الأجانب دون تخويلهم حقوق وامتيازات النظام القضائي الأميركي. ففي ظل غياب منشأة خارج الولاياتالمتحدة لإرسال المعتقلين بتهم الإرهاب سيكون على الإدارة الأميركية إما تسليم المتهمين إلى حكومات أجنبية، أو جلبهم إلى الولاياتالمتحدة، أو حتى قتلهم، ففي إحدى الحالات خلال السنة الماضية قتلت القوات الخاصة الأميركية أحد الأشخاص المرتبطين بتنظيم «القاعدة» يسمى «صالح علي صالح نبهان» في هجوم بطائرة مروحية جنوب الصومال بدلاً من إلقاء القبض عليه، إذ عندما ناقش المسؤولون إمكانية اعتقاله قرروا التخلي عن الفكرة بسبب عدم وجود مكان لاعتقاله، وربما لهذا الغرض تبرز الحاجة في نظر البعض إلى معتقل باجرام كبديل عن جوانتانامو يوفر إمكانية اعتقال المتهمين الأجانب المرتبطين بالإرهاب، حتى لو أدى مثل هذا الخيار إلى تعقيد الوضع بالنسبة للجنرال ماكريستال الذي يسعى جاهدا إلى تأمين حد أدنى من الاستقرار في المناطق الأفغانية المضطربة، وفي هذا السياق يقول مسؤول بارز في وزارة الدفاع: «قد يكون خيار باجرام سيئاً ويعارضه الكثير من الشخصيات ضمن الإدارة لكنه يظل مع ذلك الأقل سوءاَ قياساً إلى باقي الخيارات الأخرى». وقد زاد من تعقيد الوضع حالة الغموض والضبابية التي تحيط بعملية التعامل مع المعتقلين بعدما تعهد أوباما بإغلاق معتقل جوانتانامو ومراجعة الإجراءات المتبعة لمقاضاة هؤلاء المعتقلين، ومع أنه كان معروفاً بحث إدارة أوباما عن خيارات بديلة لما بعد جوانتانامو، إلا أنه لم تتسرب طيلة الفترة الماضية أية أخبار عن احتمال اللجوء إلى قاعدة «باجرام» الجوية كبديل، عدا ما يصرح به بعض المسؤولين الأميركيين بين الحين والآخر، ولا يحظى معتقل «باجرام» بسمعة جيدة بسبب الظروف غير الإنسانية، التي يعامل بها المعتقلون، فضلا عن تسجيله لحالتي وفاة خلال الأيام الأولى للحرب، وهو ما حدا بالقوات الأميركية إلى اتخاذ سجن آخر بإحدى القواعد العسكرية للسيطرة على ما يدور داخله، وما يخشاه الجنرال «ماكريستال» هو تحول السجن إلى آلة لداعية المتمردين، لا سيما وأن «باجرام» شهد حالات تعذيب، فضلا عن بقاء العديد من المعتقلين داخله دون محاكمة. هذا التردد الذي يبديه الجنرال «ماكريستال» يوضحه أحد كبار المسؤولين في وزارة الدفاع بقوله «إن الشغل الشاغل لماكريستال هو إنجاح الحملة العسكرية التي تقوم بها قواته في أفغانستان، وأي شيء يعرقل هذا النجاح سيقف ضده»، وحسب المسؤول في وزارة الدفاع يوجد في باجرام ما لا يقل عن 800 معتقل أقل من عشرة منهم فقط يُعدون معتقلين أجانب قبض عليهم خارج أفغانستان. وعلى مدى إدارة أوباما لم يوضع في باجرام أي معتقل على خلفية الإرهاب، كما لم يرسل أي معتقل جديد إلى جوانتانامو. وقد أكد المسؤولون الأميركيون أن عدد المعتقلين الإضافيين الذين قد يرسلون مستقبلًا إلى باجرام سيكون محدوداً وسيقتصر على بعض المتهمين غير البارزين الذين لا تستطيع الولاياتالمتحدة إطلاق سراحهم لما قد يشكلونه من خطورة على أمنها. وزادت حدة النقاش بشأن باجرام بعدما أعلنت السلطات العسكرية هناك أنها ستتسلم الإشراف على السجن للسلطات الأفغانية، وهو ما أثار اندهاش بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية الذين يريدون الاحتفاظ بخيار تحويل «باجرام» إلى معتقل أميركي، حيث صرح الجنرال «ماكريستال» أن الوصاية على السجن ستنتقل للأفغان بحلول شهر يناير المقبل، ولو حصل ذلك فإنه من غير المرجح أن ترسل الولاياتالمتحدة معتقلين إلى سجن تشرف عليه الحكومة الأفغانية، والنتيجة أن بعض المسؤولين في البيت الأبيض يسعون إلى إبطاء عملية التسليم حتى يتم العثور على خيار آخر. وتدرس الإدارة الأميركية خيار شراء سجن في إحدى الولايات ونقل معتقلي جوانتانامو الذين سيعرضون على المحاكم إليه، لكن المسؤولين يستبعدون أن يستضيف السجن معتقلين أُلقي القبض عليهم خارج الولاياتالمتحدة لما سيلقاه مثل هذا الاقتراح من معارضة قوية سواء من داخل الكونجرس، أو من الرأي العام الأميركي. (*) محللان سياسيان أمريكيان عن «إم. سي. تي. إنترناشيونال»