رافق الدخول الرسمي لباراك أوباما إلى البيت الأبيض اهتمام واسع من لدن مختلف الإعلام الدولية، ولعل التركيز كان منصبا على الأجندة التي وضعها الرئيس الجديد لمواجهة التحديات الكبرى التي تنتظره. ويرى العديد من المهتمين بالشأن الأمريكي أن مهمة أوباما لن تكون باليسيرة بالنظر للوضعية الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وصعوبة الوفاء بالتعهدات التي سبق أن قطعها على نفسه خلال الحملة الانتخابية. وفي ما يلي لمحة عن أهم النقط التي وضعها أوباما في قائمة أولوياته كما أوردها «ماكس ديفيسون»، الخبير البريطاني المختص في الشؤون الأمريكية. إنعاش الاقتصاد يسعى أوباما لضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني أزمة حادة، وذلك من خلال خلق أكبر استثمار في البنيات التحتية في تاريخ الولاياتالمتحدة منذ عهد الرئيس إيزنهاور، الذي دشن نظام الطرق السيارة الرابطة بين مختلف الولاياتالأمريكية سنوات الخمسينات من القرن الماضي. ويقترح أوباما برنامجا لتشييد لبناء الطرق والجسور على مستوى كل ولاية وعلى صعيد البلاد ككل. كما سطر برنامجا لإعادة تهيئة المباني والمدارس العمومية وتحديثها بغية منحها نفسا جديدا. ويركز الرئيس الأمريكي الجديد أيضا على المشاريع التي انطلقت في عهد سلفه جورج وولكر بوش، بحيث يعتزم رصد مبالغ مهمة للتسريع من وتيرة إنجاز تلك المشاريع، وخلق مناصب شغل جديدة والرفع من معدلات الاستهلاك. ومن جملة باقي المقترحات التي حملها معه أوباما إلى البيت الأبيض، هناك مشاريع تروم تقديم قروض ضريبية لفائدة الشركات التي تخلق مناصب جديدة، وخفض الضريبة بالنسبة ل 95% من العمال الأمريكيين، إلى جانب الرفع من التعويضات عن العطالة. ويقدر مجموع هذه الإجراءات بحوالي 700 مليار وواحد تريليون دولار. إصلاح قطاع الصحة تعهد أوباما بخفض مصاريف التأمين الصحي موازاة مع إعمال برنامج صحي لفائدة الأشخاص الذين لا يتوفرون على التأمين. ويبدو أن الأسماء نصبها للإشراف على هذا القطاع الحيوي مؤشر على أن هاجسه الكبير هو الاستثمارات. وهكذا سيشرف «توم داشل»، الرئيس السابق للأغلبية في مجلس الشيوخ، على وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، كما سيقوم بدور المحرك الرئيس لملفات الصحة داخل البيت الأبيض. وعمل أوباما أيضا على تعيين مجموعة من المستشارين المجربين من أجل تسهيل تمرير مشاريع القوانين داخل الكونغرس. وسيجد هؤلاء الأعضاء القدماء داخل الكونغرس أنفسهم أمام برلمان هو بدوره متعطش لإصلاح قطاع الصحة، من قبيل السيناتور «تيد كينيدي» وزميله «ماكس بوكوس»، اللذين يشتغلان بدورهما على مشاريع إصلاحية جديدة. غير أن هذا لا يعفي أوباما من خوض معركة ضارية مع مؤسسات التأمين، وشركات صناعة الأدوية والدكاترة، كما أنه سيحتاج إلى كسب ود بعض السيناتورات من الحزب الجمهوري من أجل تمرير مشاريعه داخل مجلس الشيوخ. ومع ذلك، فكل المؤشرات تسير لمصلحة أوباما. التغيرات المناخية سبق لأوباما أن تعهد بالسهر على جعل 10% من الطاقة الكهربائية بالولاياتالمتحدة مستخرجة من المصادر الطاقية المتجددة وذلك بحلول سنة 2012، على أمل أن ترتفع تلك النسبة لتصل 25% مع بلوغ سنة 2025. ويسعى أوباما أيضا إلى تقليص انبعاث الغازات إلى 80% بحلول سنة 2050. واقترح استثمار 150 مليار دولار من أجل الفيول البديل خلال عشر سنوات، وسيعمل على امتداد سنة 2009 على وضع الأسس لبرنامج «الحد الانبعاثي ونظام المتاجرة» الرامي للتقليص من معدلات انبعاث الغازات. وفي إطار الخطاطة التي وضعها الاتحاد الأوربي لانبعاث الغازات، ستحصل الشركات الأمريكية على تصاريح بمعدل الانبعاثات المسموح لها بها، كما سيكون بمقدور الشركات التي قد تتجاوز كوطة الانبعاثات الممنوحة لها أن تشتري حقوق الرفع من حصتها من الشركات التي لا تبلغ الكوطة الممنوحة لها. ومن المرجح أن تواجَه هذه الخطاطة بمعارضة شرسة داخل الكونغرس، لكن الأغلبية النيابية للديمقراطيين، ووجود الناشط البيئي، «هنري ووكسمان»، على رأس لجنة الطاقة والتجارة داخل الكونغرس يعتبران معطيان حاسمان من أجل تعزيز موقف أوباما. من العراق إلى أفغانستان يقترح أوباما عملية إعادة انتشار للقوات الأمريكية في العراق بمعدل كتيبة أو كتيبتين من الجنود كل شهر، وهذا ما يعني أن الانسحاب الكامل من العراق سيتم صيف 2010. ومن شأن هذا الأمر تمكين أوباما من الوفاء بأهم تعهداته على صعيد السياسة الخارجية، أي الرفع من عدد الجنود الأمريكيين في أفغانستان، بحيث يتوقع المسؤولون العسكريون الأمريكيون أن يتم إرسال ما بين 20 و30 ألف جندي أمريكي إلى أفغانستان صيف 2009، بمعنى مضاعفة العدد الحالي للوجود الأمريكي بكابول. ومما لا شك فيه أن معارضة أوباما للحرب على العراق كانت من أهم العوامل التي ساهمت في وصوله إلى الرئاسة. ورغم أن فريق الأمن القومي لأوباما يتشكل من أشخاص مساندين للحرب على العراق، إلا أن الرئيس الجديد ما لبث أن جدد إصراره على جعل سحب القوات الأمريكية من العراق في أجندة عمله. إغلاق معتقل غوانتنامو إلى جانب سحب القوات الأمريكية من العراق، وضع أوباما في أجندته الأمنية إغلاق معتقل غوانتنامو المثير للجدل ووضع حد ل «أساليب الاستنطاق» المعتمدة في التحقيق مع المشتبه فيهم في إطار قضايا الإرهاب. وخلال حوار أجرته معه مؤخرا مجلة «التايم»، صرح أوباما بإنه في حال لم تقم إدارته بإغلاق معتقل غوانتنامو على نحو مسؤول، وتضع حدا لأساليب التعذيب وتحقق نوعا من التوازن بين متطلبات الأمن القومي ومقتضيات الدستور الأمريكي في ظرف سنتين من توليه منصب الرئاسة، فإن ذلك يعني فشله في مهمته. إذا قام أوباما بإغلاق غوانتنامو، فإن إدارته ستجد نفسها مضطرة لإيجاد صيغة للتعامل مع الأشخاص الموجودين حاليا رهن الاعتقال هناك، سيما أن العديدين منهم لا يمكن إرسالهم إلى بلدانهم مخافة تعرضهم للتعذيب. سيكون أوباما مضطرا لاتخاذ قرار بشأن الاستمرار في العمل المحاكم العسكرية، التي تظل محط العديد من الانتقادات، وكذا محاكمة المشتبه فيهم في إطار المحاكم الجنائية الأمريكية أو إطلاق سراحهم أو ربما البحث عن بديل آخر. الالتزامات مع دول العالم على عكس ما كان عليه الأمر بالنسبة للرؤساء الأمريكيين السابقين، فقد كشفت استطلاعات الرأي أن أوباما يحظى بشعبية واسعة في العديد من دول العالم (تحول كبير من المرجح أن يعمل على استثماره لمصلحته). ولقد تعهد بإعطاء خطاب مهم في أحد بلدان العالم الإسلامي مستهل 2009 (ربما في مصر أو إندونيسيا التي عاش فيها لفترة قصيرة خلال طفولته. وإذا نجح أوباما في تحسين مكانة أمريكا في العالم، سيكون من السهل بالنسبة له أن يطالب بالمزيد من الدول الحليفة (إقناع الدول الأعضاء في حلف الناتو بإرسال أعداد إضافية من الجنود إلى أفغانستان، أو دعوة إسرائيل إلى تقديم تنازلات على مستوى مسار السلام بالشرق الأوسط). ويتعهد أوباما بالسهر على الدفع أن يجعل من النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني إحدى أولويات نشاطه الديبلوماسي. كما يراهن على النجاح في ما فشل فيه أسلافه من خلال تكثيف الجهود والمساعي الحميدة لإحلال السلام بالمنطقة. العلاقة مع النقابات العاملية لعل المعركة الكبرى التي سيخوضها أوباما في عامه الأول من الرئاسة لن تكون في إصلاح قطاع الصحة أو في سحب القوات من العراق، بل في تمرير مشروع قانون يسهل أكثر من إجراءات خلق النقابات العاملية. وفي هذا الإطار، يبدو أن المطلب الأول لتلك النقابات يظل متمثلا في اعتماد مشروع قانون «الخيار الحر للعمال»، والذي يفرض على المشغلين الاعتراف بالنقابة في حال حظيت هاته الأخيرة بتصويت غالبية العمال، سواء من خلال التصويت ببطاقة العمل أو بواسطة الاقتراع السري، إذا ما طالب 30% من العمال بذلك. وفي المقابل، تعترض مجموعات المشغلين على مشروع القانون ذلك، لأنها ترى في تكتل العمال داخل النقابات سيرفع من تكلفة اليد العاملة، وتدعي أيضا أن من شأن هذا التشريع حرمان العمال من حقهم في الاقتراع السري. ومن جهته، يصرح أوباما بأنه يساند مشروع القانون المشار إليه، رغم وجود معارضين له داخل الكونغريس، مما يدل على أنه يفضل التركيز أكثر على رأسماله السياسي على حساب باقي الأولويات (الصحة والتغيرات المناخية). الملفات الداخلية الساخنة ثمة العديد من المقترحات التي تشغل بال أوباما، والتي يسعى من ورائها إلى حصد المزيد من التأييد، لكن في المقابل قد تشكل خطرا على باقي الملفات الموجودة ضمن أجندته. في عهد بيل كلنتون، حاول هذا الأخير رفع المنع الذي كان يحول دون وصول الأشخاص المثليين إلى صفوف الجيش الأمريكي، الأمر الذي أضعف من قدرته على معالجة ملفات الرعاية الصحية. لذلك، فمن المرجح أن يتحرك أوباما بحذر في ما يتعلق بالقوانين الفيدرالية التي تبيح الزواج المدني لشخصين من نفس الجنس، وكذا مواصلة مساعي كلنتون بعدم الأخذ بمعطى المثلية الجنسية في التجنيد. وفي ما يتعلق بملفات الهجرة، فإن أوباما يتطلع، كما فعل سلفه جورج وولكر بوش، لوضع مراحل للحصول على المواطنة الأمريكية بالنسبة للمهاجرين غير القانونيين الموجودين حاليا داخل التراب الأمريكي، وإرفاق ذلك بتعزيز الأمن على الحدود. كما أن الفشل الذي أصاب بوش في هذا الصدد، سيدفع أوباما إلى التفكير جليا قبل اتخاذ أي خطوة. عن ال «بي بي سي نيوز»