أتاح المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في خضم فعالياته الحافلة فسحة للاحتفاء بمسيرة نصف قرن من السينما الوطنية, والوقوف عند التراكم الكمي والنوعي الذي بوأها موقعا رائدا على خريطة الفن السابع, إقليميا ودوليا. ففي قصر المؤتمرات, حيث كانت صور الممثل الراحل حسن الصقلي تظلل ذاكرة صناع الفرجة السينمائية بالمغرب, شكل الاحتفال الذي تجسد في عرض ثلاثة أفلام مغربية خلال فعاليات اليوم الخامس من المهرجان مناسبة لتكريم ذكرى رجال ونساء سمحوا للمغرب بأن ينخرط في مدار لغة جمالية كونية وأسسوا لسينما تحاول جادة البحث عن هويتها وخطابها الخاص. من مغامرة فردية بسيطة بروح الهواية والشغف أطلقها الأب المؤسس الراحل محمد عصفور, إلى أفلام الرواد والجيل الجديد التي تنافس على أرفع الجوائز في المهرجانات الدولية, يجمع المهنيون والنقاد على الطفرات الملموسة للإنتاج الوطني على مستوى عدد الأفلام المنجزة وإن تفاوتت قيمتها التقنية والفنية, دون أن يغفلوا مجموعة من النواقص والثغرات التي مازالت تعوق تطور السينما الوطنية. إشكالية التكوين في مجال المهن السينمائية, ضعف الاستثمار الخاص في الفن السابع الذي يعلق استمراريته وتطوره حصرا على الدعم العمومي, نزيف القاعات السينمائية, كانت أهم الانشغالات التي عبر عنها في تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء نقاد سينمائيون يسجلون المكتسبات المتحققة لكنهم يطمحون إلى تثبيتها وتوطيد المؤسسات والآليات التي تسمح للطاقات الفنية الوطنية بالتحليق عاليا. يبدي خليل الدامون, من جمعية النقاد السينمائيين بالمغرب, ارتياحه لكون ما حلم به طويلا هواة السينما في المغرب خلال السبعينات والثمانينات بدأ يتحقق. فالمغرب أصبح في طليعة تجارب العالم الثالث, وخاصة العالم العربي, حيث يتقدم على الرائدة التقليدية مصر, التي لم تعد استوديوهاتها تنتج أكثر من10 أفلام في أفضل الأحوال. يتذكر أن "انتاج فيلم مغربي حينذاك كان بمثابة عيد. كنا نترقب فيلما واحدا كل ثلاث سنوات, وها قد وصلنا إلى13 و15 فيلما سنويا, الأمر الذي لم يكن ممكنا بدون صندوق الدعم, مع الأخذ بعين الاعتبار تفاوت القيمة الفنية للأعمال المنجزة". خمسون سنة من السينما مكنت, حسب الدامون, من تعاقب جيلين متعايشين من المخرجين, جيل الرواد الذي ناضل من أجل الاستمرار في ظروف إنتاجية صعبة, شأن جيلالي فرحاتي, عبد الرحمان التازي ومصصطفى الدرقاوي, وجيل الشباب الذي انضم إلى هؤلاء, بعد أن عبر عن مواهبه بقوة ابتداء من مهرجان طنجة في دورة1995 , ومن جملته نور الدين الخماري و نبيل عيوش وغيرهما, لتنفتح الساحة أمام شباب آخرين يساهمون اليوم في صنع ربيع السينما المغربية, في مشهد تلاقح خلاق بين التجارب والخبرات, لاسيما بعد انضمام سينمائيين مغاربة تلقوا تكوينهم وبلوروا رؤيتهم الفنية في الخارج. يسجل الدامون أن إصلاح نظام صندوق الدعم أعطى دفعة ملحوظة للإنتاج الوطني لكنه يكشف في المقابل غياب الانتاج الخاص في القطاع. حاليا, بدون تدخل الدولة, لا مستقبل للسينما المغربية, لذلك لا يتخيل هذا الناقد فرضية "توقف الدعم العمومي يوما ما لأن ذلك يعني ببساطة توقف صناعة السينما بالمغرب" مراكش-نزار الفراوي/المهرجان الدولي الثامن للفيلم بمراكش