اختار المركز السينمائي المغربي، باعتباره الجهة المنظمة للمهرجان الوطني للفيلم، في طنجة، أن يحتفل طيلة سنة 28 بالذكرى الخمسينية لميلاد السينما المغربية، بطرق مباشرة وغير مباشرة، من خلال العديد من التظاهرات السينمائية المدعمة من طرفه بدءاً بمهرجان السينما الفرانكوفونية (أضواء آسفي) ومرورا بمهرجان سبو للفيلم المغربي القصير بالقنيطرة ومهرجان مراكش الدولي للفيلم وانتهاء بمهرجان طنجة الوطني العاشر. وقد اختلف شكل هذا الاحتفال ومضمونه من تظاهرة إلى أخرى، وهكذا تضمن حفل افتتاح الدورة السادسة لمهرجان آسفي فقرة خاصة بهذه الذكرى تم تأثيثها بكلمات لكل من أحمد سيجلماسي وعبد الإله الجوهري ونور الدين الصايل. في البداية قدم سيجلماسي إطلالة تاريخية على أهم محطات التجربة السينمائية المغربية الفتية انطلاقا من لحظة الميلاد مع الراحل محمد عصفور (1927 2005) مع التركيز على بعض الوجوه السينمائية المغربية التي تم تكريمها تباعا في مختلف دورات مهرجان آسفي ك : خدية جمال (73 سنة) وحسن الصقلي (1931 2008) ومحمد مجد والجيلالي فرحاتي ومحمد الحبشي وحميد بناني، ومساهمة كل منها في بناء صرح الإبداع السينمائي الوطني تشخيصا وإخراجا. فالممثلة خديجة جمال ظهرت لأول مرة على شاشة السينما سنة 1954 في فيلم «البير» من إخراج الفرنسي جان فليشي (Jean FLECHET) إلى جانب الطيب الصديقي وأحمد الطيب لعلج والراحلين العربي الدغمي والبشير لعلج. ومعلوم أن هذا الفيلم القصير وأفلام أخرى (محنة إدريس / الدجاجة/ كنز الحكيم) من إخراج نفس المخرج بتعاون مع أندري فوازان (إدارة الممثلين) والطيب لعلج (الحوار بالدارجة المغربية)، شكلت آنذاك أولى الإنتاجات السينمائية الاحترافية المغربية مائة بالمائة بدعم من استوديوهات السويسي بالرباط، وقد لقيت هذه الأفلام نجاحا كبيرا في قاعات السينما وفي الساحات العمومية بالمدن والقرى التي عرضت بها بواسطة قوافل السينما. تحدث سيجلماسي كذلك عن أول وقوف للراحل حسن الصقلي (2008/1931) أمام كاميرا السينما في الفيلم الروائي الطويل «إبراهيم» (1957) لجان فليشي أيضا، وهو فيلم مغربي روحا وموضوعا، ناطق بالعربية الدارجة، شخصت أدواره ثلة من الوجوه الفنية المغربية إلى جانب بطله الصقلي. بعد ذلك تحدث سيجلماسي عن الممثل العملاق محمد مجد، الذي لم تكتشفه السينما الوطنية إلا في أواخر التسعينيات من القرن الماضي رغم مشاركته في فيلمين قصيرين متميزين للمخرج مجيد رشيش قبل ذلك بربع قرن تقريبا هما: «غابة» (1970) و«البراق» (1973). كما تحدث عن حميد بناني مبدع فيلم «وشمة»(1970)، الذي يعتبره العديد من النقاد والمؤرخين بمثابة البداية الفعلية والحقيقية لفننا السابع، وأشار إلى القيمة الفنية لأعمال المخرج. والممثل الجيلالي فرحاتي، والحضور القوي للممثل الكبير محمد الحبشي في أفلام «السراب» (1979) و«حلاق درب الفقراء» وغيرهما. وفي الأخير توقف عند محطة جيل الشباب، الذين ضخوا دماء جديدة في شرايين السينما المغربية المعاصرة، أمثال نور الدين لخماري (ابن مدينة آسفي). بعد هذه الإطلالة التاريخية تحدث الناقد والمنشط ونائب رئيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية الأستاذ عبد الإله الجوهري بإسهاب عن دور مؤسسة المركز السينمائي المغربي ومديرها العام الأستاذ نور الدين الصايل في الانتعاشة التي شهدها إنتاج الأفلام المغربية (15 فيلما طويلا و60 فيلما قصيرا في السنة حاليا) وتنظيم التظاهرات السينمائية في مختلف مناطق وجهات المملكة (أكثر من 40 تظاهرة). وفي الختام قدم الصايل رؤيته كناقد ومسؤول إداري لماضي وحاضر ومستقبل السينما المغربية، التي عايشها عن قرب طيلة أربعة عقود منذ انطلاقتها الرسمية سنة 1968، عندما كان عضوا نشيطا في حركة الأندية السينمائية ثم منشطا لبرامج سينمائية في الإذاعة والتلفزة المغربية ومديرا عاما لقناة دوزيم وصولا إلى منصبه الحالي. أما مهرجان سبو المتخصص في الأفلام المغربية القصيرة فقد اختار منظموه الاحتفاء بالذكرى الخمسينية بطريقتهم الخاصة التي تمثلت في تكريم المخرج العربي بناني (78 سنة) كأحد صناع السينما المغربية وروادها الأوائل وعرض أحد أفلامه الأولى «من أجل لقمة عيش» (1960) من بطولة الطيب الصديقي وفاطمة الركراكي بحضور المخرجين لطيف لحو (مركب الفيلم) وعبد الله الزروالي (مصوره) وثلة من المخرجين والممثلين الشباب وأعضاء من جمعية نقاد السينما بالمغرب وجمهور غفير. في حين اكتفت الدورة 8 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم بتخصيص يوم 8 نونبر (عيد استقلال المغرب) لعرض ثلاثة أفلام مغربية روائية طويلة جديدة هي: «قنديشة» لجيوم كوهن أوليفار و«حجاب الحب» لعزيز السالمي و«اعقلتي على عادل؟» لمحمد زين الدين وإلقاء كلمة بالمناسبة من طرف مدير المركز السينمائي المغربي وتسليم درع المهرجان لقيدوم السينمائيين المغاربة الممثل ومصمم الملابس العربي اليعقوبي (78 سنة). ومن المنتظر أن يتضمن برنامج الدورة 10 للمهرجان الوطني للفيلم في طنجة (13 - 20 دجنبر 9008) أنشطة متنوعة احتفالا بهذه الذكرى الخمسينية نذكر منها: عرض 15 فيلما مغربيا تمثل مختلف مراحل تاريخ السينما المغربية بالخزانة السينمائية الطنجوية (سينما الريف سابقا)، تنظيم ندوة بقاعة سينما روكسي حول موضوع: نصف قرن من السينما المغربية: الحصيلة والآفاق، إصدار عينة من الأفلام المغربية الكلاسيكية المصورة بالأبيض والأسود على شرائط «دي في دي» (DVD).