تقترب الولاية الرئاسية الجديدة في الولاياتالمتحدة الأميركية من انطلاقتها، ومعها تتزايد المؤشرات على دور أميركي جديد في تعزيز دينامية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وقرب طي هذا الملف طياً نهائياً معززاً للسيادة الوطنية. هناك مؤشرات عامة وظرفية تتعلق بالسياق الدولي الحالي، وهناك مؤشرات داخلية تتعلق بالإدارة الأميركية الجديدة. وهناك أيضاً عوامل بدأت تلوح في الأفق بعد أكثر من ثلاث سنوات من دخول ملف الصحراء المغربية هذا المسار التصاعدي، ومنها مكانة المغرب. لكن على الرغم من الإنجازات التي حققها هذا الملف في الآونة الأخيرة، ولا سيّما ما يتعلق باعتراف الجمهورية الفرنسية بالسيادة المغربية، فإن هناك حاجة ماسة إلى تعزيز هذا الزخم، وهو أمر يمكن أن يلعب فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب دورا حيويا. يتعلق المؤشر الأول بفلسفة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القائمة على فكرة إنهاء الصراعات الدائرة في العالم. لقد وعد ترامب على سبيل المثال بإنهاء الحرب في أوكرانيا باتصال هاتفي واحد، كما أشار مرارا إلى أنه سينهي الحرب في غزة أيضا. وهذا التوجه يشكل جزء من نظرة دونالد ترامب الخاصة والمميزة إلى إدارة العلاقات الدولية، إذ كثيرا ما ينتقد الديمقراطيين الذين تُظهر سياساتهم الخارجية الكثير من التناقضات بين الدفاع عن حقوق الإنسان وتنامي النزاعات والحروب في فترات ولاياتهم الرئاسية. ومن هذا المنطلق من المؤكد أن وضع ملف الصحراء المغربية على أجندة الرئيس الأميركي يمكن أن يحظى بالقراءة ذاتها. هناك مؤشر ثانٍ يتعلق أيضا بالإدارة الأميركية الجديدة، وهو تعيين السيناتور مارك روبيو وزيرا للخارجية. هذا السيناتور ذو الأصول الكوبية، سبق له أن دعا إلى فرض عقوبات على النظام الجزائري. وهو معروف أيضا بتوجهاته الصارمة تّجاه خصوم الولاياتالمتحدة الأميركية مثل الصين وكوريا الشمالية وإيران. وهناك تقارير إعلامية تحدثت عن دوره الأساسي في هندسة اعتراف دونالد ترامب بمغربية الصحراء في نهاية ولايته الرئاسية السابقة. وقد كان من كبار المتحمسين لاتفاقات أبراهام التي جمعت عددا من الدول العربية، بما فيها المغرب بإسرائيل. وهذا التوجه من المؤكد أنه ستعزز أكثر بعد تحمّله مسؤولية حقيبة الخارجية، بما تمثله من نفوذ مؤثر في إدارة الملفات الدولية. وفي هذا السياق قد يكون للوزير الأميركي الجديد دور على الأقل في إقناع النظام الجزائري بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات مجددا والسير قدما في تبني خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب. هناك مؤشر ثالث أيضا على إمكانية أن تكون الولاية الرئاسية المقبلة مرحلة حاسمة في هذا النزاع المفتعل. يتعلق الأمر بسياق التحول العالمي الذي نعيش على إيقاعه اليوم. من المؤكد أن الصراع الدائر في أوكرانيا، والحرب في غزة، والحرب الباردة بين الصينوالولاياتالمتحدة الأميركية تمثل في الوقت الحالي نهاية مرحلة شابتها الكثير من القلاقل والتوترات، وكانت استمرارية للزعزعة التي مثلتها جائحة كوفيد-19. وهناك وعي دولي متنامي بأن العالم في حاجة إلى مرحلة طويلة من التهدئة للخروج من التداعيات الأمنية والاقتصادية لهذه الأحداث. ولعلّ أبرز مظاهر هذا التحول هو أفول عصر التنظيمات المسلحة والجماعات الانفصالية، التي لطالما كانت أداة في أيدي بعض القوى التي تستخدمها للتحكم في الوضع الدولي. هذا ما يفسر على سبيل المثال، تراجع الكثير من الدول عن اعترافها السابق بجمهورية الوهم، مثل الإكوادور التي سحبت مؤخرا هذا الاعتراف. هناك مؤشر رابع لا يقلّ أهمية ويمكن أن نصفه بالعامل الذاتي. إنه يتعلق بالمكانة التي استطاع المغرب أن يفرضها سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي. يجب أن نقرّ بأن الحقوق تُنتزع ولا تعطى، وأنّ تشبث المغرب ملكا وحكومة وشعبا بحقوقه التاريخية في الصحراء، يؤتي اليوم أكله. على الرغم من كل الضغوط والمغريات والإكراهات واصل المغاربة منذ عقود الإيمان بمصداقية قضيتهم وشرعية وحدتهم الترابية. واليوم يتحدث المغرب من موقع مختلف تماما، إنه موقع القوة والنفوذ. ولا أدلَّ على ذلك أن الكثير من الدول التي كانت إلى الأمس القريب تضع رِجلا هنا، ورجلا هناك، وتحاول اللعب على الحبلين اضطرت تحت الضغط المغربي الملح إلى توضيح موقفها والاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء. هذه الدول لم تقدم هذا الاعتراف حبا في سواد أعيننا، بل خضوعا للأمر الواقع. والأمر الواقع يؤكد أن المغرب أصبح اليوم قوة إقليمية مؤثرة وقادرة على تحصين سيادتها ووحدتها.