من الأخطاء التي لا يمكن أن يغفرها المغاربة لحسن نصر الله وحزب الله اللبناني خط التعاون العسكري الذي فتحه مع تنظيم جبهة البوليساريو الانفصالية بإيعاز من إيران وطلب من الجزائر. هناك تقارير عديدة أكدت آن التنظيم اللبناني الشيعي الموالي لإيران قدم التدريب والتأطير العسكري، وأرسل خبراء في القتال وحرب العصابات لتدريب عناصر البوليساريو، ولا سيّما في استخدام الطائرات المسيرة التي تقدمها إيران. وهذا الارتباط الشيطاني بين التنظيمين يمثل بالنسبة إلينا في المغرب تهديدا أمنيا حقيقيا لطالما تم التحذير منه، مع أن نظام الكابرانات يصر عليه إصرارا. والغريب أن هذا النظام العسكري الجبان الذي فتح قنوات التعاون والتخريب هذه هو نفسه الذي يلزم إلى حد الساعة صمتا مريبا وغريبا بعد تأكد خبر مقتل الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وتجنب تماما تقديم أي تعزية رسمية أو الإعلان عن أي تنديد تّجاه عملية الاغتيال التي تعرض إليها. ويُظهر هذا الموقف المتخاذل حقيقة السلوك السياسي الملتوي الذي يعتمده النظام العسكري في الجزائر، ويجعله يبحث باستمرار عن حياد سلبي، تّجاه العديد من القضايا والأحداث، ومنها الحرب الدائرة في الشرق الأوسط والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. لقد كان النظام الجزائري ولا يزال أكبر الداعمين للنظام السوري الذي يعد حليفا تاريخيا لحزب الله، ومع ذلك لم ينبس ببنت شفة بعد عمليات الاغتيال التي طالت قادته. ومن المؤكد أن الضربة القاصمة التي تعرض إليها حزب الله ومن ورائه النظام الإيراني ستلقي بظلالها لا محالة على آفاق هذا التعاون المشبوه مع تنظيم انفصالي مثل البوليساريو ونظام استبدادي وعدواني مثل نظام الكابرانات. ومناط هذا التأويل هو أن جل التنظيمات المسلحة التي تمكنت في وقت من الأوقات من خلق نفوذ عسكري وسياسي أقوى من نفوذ الدولة المركزية في طريقها اليوم إلى التواري والتراجع بعد أن زالت أدوارها وانتهت مهمتها. بعبارة أخرى قد تمثل الحرب الدائرة اليوم في الشرق الأوسط إيذانا بمرحلة جديدة تعيد الاعتبار لسلطة الجيوش النظامية وتنهي أسطورة الحركات المسلحة القادرة على التأثير في الواقع السياسي والميداني، على غرار حركة حماس في مقابل السلطة الفلسطينية وحزب الله في مقابل الحكومة اللبنانية. هذه النتيجة تظل طبعا رهينة بمآل الحرب الدائرة اليوم، وقد بدأت بعض ملامحها تتأكد، خصوصا أن الكثير من القراءات التحليلية لما جرى في لبنان تدفع نحو فرضية تخلي إيران عن حزب الله وباقي التنظيمات الموالية لها، إما في إطار صفقة مع الولاياتالمتحدة والدول الغربية وإما بعد نفاد مخزونها الاستراتيجي وتلقيها ضربات مباشرة في عقر الدار. إذا كانت تصفية حسن نصر الله وقادة حزب الله جزءاً من هذه الصفقة فقد يعني ذلك أن العلاقات التي فتحتها إيران مع عدد من التنظيمات المخربة المنتشرة في أنحاء العالم بوهم "تصدير الثورة" المزعومة قد أصبحت عقيدة من الزمن الماضي. لذا، يبدو صمت النظام الجزائري علامة على حيرة وارتباك كبيرين وعجز كامل عن تقدير مآل هذا الموقف. ولعل قرار إلغاء طلب الانضمام إلى مجموعة دول البريكس الذي أعلنه نظام الكابرانات بالأمس يؤكد حالة الشك التي تغزو مفاصل القرار السياسي في الجزائر. وكأننا بهذا النظام الذي لم يكن يخفي أبدا قربه من إيران يتحسس رأسه، بعد أن اتضح أن الحرب تسير نحو منعطف تاريخي وجذري لم يكن أيّ طرف يتوقعه. وقد يتعين عليه قريبا تقديم الحساب على فتح قنوات التواصل والتعاون بين نظام الملالي الذي يمول حركات الحرب بالوكالة في الشرق الأوسط، وحركات نشر التشيع وزعزعة الأمن الروحي عدد من دول العالم، وبين ميليشيا البوليساريو التي تهدد استقرار المنطقة.