الخط : إستمع للمقال قال عبد الحميد جماهري، رئيس تحرير ومدير نشر يومية الاتحاد الاشتراكي، في عموده "كسر الخاطر"، في عدد الجريدة الصادر، يوم غد الاثنين، إن إسرائيل لجأت إلى الأسلوب الذي تجيده: الاغتيالات الدقيقة، ذات الأهداف البشرية المحددة،الذي طورته طوال سبعين عاما أو أكثر من وجودها. واختار جماهري لعموده "كسر الخاطر"، المتعلق بهذا الموضوع، عنوان "الرابح والخاسر وراء اغتيال نصر الله وقبله هنية..!"، وجاء فيه ما يلي: لجأت إسرائيل إلى الأسلوب الذي تجيده: الاغتيالات الدقيقة، ذات الأهداف البشرية المحددة،الذي طورته طوال سبعين عاما أو أكثر من وجودها .. هو أسلوب التصفية الجسدية لقيادات حركات المقاومة المسلحة، الذي يمكن القول إنها بدأته حتى قبل وجودها من خلال مكوناتها الأولى في الهاغانا والأرغون. وتتطابق المتابعات الإعلامية والتحليلات السياسيو أمنية على أن إسرائيل« هي الدولة الغربية التي ارتكبت أكبر عدد من عمليات الاغتيالات المحددة الهدف»، كما كتبت الصحافة الفرنسية. وتعددت أساليبها في ذلك: من السيارات المفخخة، كما في حالة كمال عدوان ويوسف النجار في بيروت إلى القتل بالكوماندو كما في حالة أبو جهاد وأبو اياد في تونس.. إلى الطرود الملغومة مع الكنفاني والقصف بالصواريخ والهجمات العسكرية التي أودت بقادة عديدة منهم أبو علي مصطفى قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وصولا إلى الجنرال محمد سليمان ذراع بشار الأسد إلى قاسم سليماني قائد فيالق القدس وإسماعيل هنية ..إلى غير ذلك من القادة، في طيف واسع من التنظيمات الفلسطينيةواللبنانية وغير اللبنانية..، من الجبهة إلى فتح إلى التسميات الأخرى، إلى أمل الشيعية/ كما لم يسلم منها علماء وفنيين،عربا ومسلمين، اغتيالات راح ضحيتها ذات خطأ نادل مغربي لوجود شبه بينه وبين الأمير الأحمر علي حسن سلامة الذي كان وراء عمليات ميونيخ وقتل الرياضيين الإسرائيليين. هذا التذكير ليس بغية التأريخ للأسلوب فقط، بل هو للتذكير بأن اغتيال نصر الله لا يجب أن نقيسه بناء على محبتنا أو كراهيتنا له، ولا على أساس أي موقف من هذا التيار أو ذاك، أو للتأثير على قناعة دولة الاحتلال بالتصفيات خارج القانون وبالأسلوب الحربي الذي لا يتماشى مع الحروب كما هو متعارف عليها عالميا! 2 قبل نصر الله، كان اغتيال أستاذه ومرشده عباس موسوي، المؤسس الروحي والتنظيمي لحزب الله، من طرف إسرائيل في فبراير 2012، ليتولى "السيد" خلافته وتكون مهمته الأولى هي الثأر لقائده.. وليست هي المصادفة الوحيدة في حياته ومماته، فهو كذلك رجل ولد من معارضة التسوية التي تمت في لبنان، بين التوافق الوطني اللبناني، وحركة أمل بقيادة نبيه بري، عقب الاجتياح الإسرائيلي لجنوبلبنان. وظل على عقيدته بأنه لا تفاوض ولا سلام مع «العدو»، كما ظل يردد! عندما تأسس حزب الله وعمره 25 سنة،بعد مسار قاده من العراق إلى إيران إلى لبنان، من حركة أمل ... جبهة الشيعة إلى أحضان الحرس الثوري الإيراني!عاش جزءا من القدر اللبناني التناحري، خلال الحرب الأهلية، وكان أهم منعطف لديه ربما هو اتفاقات الطائف(1989 في السعودية)التي أنهت الحرب الطائفية، وسلمت مفاتيح لبنان والوصاية عليه لسوريا، واعترفت لنصر الله بالحق في المقاومة والاحتفاظ بسلاحه! الاغتيال ضربة تاريخية ولا شك، وهي تتوج عملية تصفية متسلسلة قصمت ظهر حزب الله باغتيال قياداته الكبرى. بشكل وفي توقيت غير مسبوقين! تاريخية، لأن الرجل استراتيجي لا يضاهى باعتراف أعدائه وأصدقائه، كانت له كاريزما لا نقاش حولها.استطاع أن يكون أهم رقم في معادلة لبنان، سلما وحربا. طمح الى أن يرتقي بهذا الوضع الاعتباري إلى رقم أقوى في المنطقة ، يتقدم في رقعة الشطرنج بيد إيرانية: تارة هو الحصان وتارات هو المجنون، كما في سوريا، كما في شمال إفريقيا، وأخرى يفصل على مقاسه تاج الملوك كما في لبنان. في التاريخ العربي الحديث، لا يقف الربط بينه وبين جمال عبد الناصر عند تاريخ الوفاة (28 شتنبر1970- بالنسبة لناصر و2024 بالنسبة للسيد ) بل تعدى ذلك لدى قطاعات واسعة من الجماهير العربية.. إلى أن يصبح البديل غير الرسمي عن النظام العربي الرسمي.. 3 الرابح الكبير في هذا الفصل الدموي من مواجهات المنطقة هو بنيامين نتنياهو. لقد حقق نصيبا من اسمه لدى الجزء الأكثر تلمودية من سكان إسرائيل: هبة الله! وإذا كان هناك من ثابت بارز وخلاصة ساطعة فهي أن رئيس الوزراء الذي كان يتعثر في ذيول الفضائح السياسية عند توليه الحكومة، قد خرج في تمثال الرجل /العناية بالنسبة لقطاعات اليمين الإسرائيلي، وجزء غير يسير من مكونات دولته.. كبطل قومي، ديني. استطاع نتنياهو، من وراء اغتيال نصر الله، أن يضرب محور المحور في.... محور المقاومة. ولهذا يقدم الإعلام الموالي الضربة مثل ثأر لنفسه، ولأنصاره المتشددين من الانسحاب المذل من جنوبلبنان في 2000. عندما خرج نصر الله منتصرا ومزهوا بهزيمة الجيش الذي لا يقهر. كما خرج بعد ذلك بست سنوات من حرب 2006 التي وضعته على مصطبة التتويج الإقليمي. بالنسبة لنتانياهو، لا خلاف في التعامل مع الحركتين :حماس وحزب الله: ضرب الأطر. وتدمير البنيات البشرية والعسكرية وقطع الرؤوس القيادية وتدمير البيئة الحاضنة.. حركة مزدوجة، كما في الشطرنج العسكري الشرق أوسطي،تليها النقلة الثالثة، قد تكون الحوثيين في المستقبل القريب. المنتصر في ضربات الاغتيال يغلق الباب في وجه كل العالم: نتانياهو الذي ذهب الى عقر الأممالمتحدة لكي يُشعر العالم كله بالعجز، ويجيب المنظمة الدولية من داخل جدرانها بأنه أغلق الباب أمام الديبلوماسية، وأغلق أذنيه في وجه النداءات المتكررة... يخرج منتصرا في الدولة العبرية: بطلا قوميا من النوع التلمودي القائم على قتل الآخر، قتل الجبابرة والعماليق ويحيي عقيدة «أشعيا.» ويعيد الحياة الإسرائيلية بعد أن تكررت نبوءات نهايتها وحتمية الانحدار الثالث في سِفر تكوينها! وأن إسرائيل تتقدم بخطى واسعة بالقتل والتدمير على جبهتين، فالقضية الفلسطينية تتضرر بالضربات كما بتفوق الطرف الإسرائيلي. ولعلنا لن نترجم الهزيمة إذا قلنا بأن إسرائيل ستربح سنوات عديدة من التفوق، تجعلها في موقع الناظم شبه الوحيد للمنطقة، ولعلاقة العالم معها.. وسيكون علينا أن نجتهد من أجل أن تعود فلسطين إلى جدول الأعمال الدولي، من زاوية أخرى يكون فيها للضمير الحي في العالم دور جديد ودافع. 4 بدا في المقابل أن «الصبر الاستراتيجي»، أو العقيدة الإيرانية في تدبير مواقعها الدولية وخلافاتها ، صبرٌ... بلا حدود! الواضح من التعبير عنه الآن، هو أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي اكتفى بإدانة سياسة إسرائيل، معتبرا أنها «قصيرة النظر» ! يا للنباهة: هل كان يريدها أن تنظر أبعد من ضرب حسن نصر الله وإسماعيل هنية وشعب فلسطين في غزوة وشعب لبنان في الجنوب؟ حقيقة الأمر أن إيران تنفخ على النار، ما دامت بعيدة عنها! فالدول العربية في الشرق الأوسط، حيث ينشط« صبرها الاستراتيجي،» تعيش واقع التفكّك وترهّل الدول، كما يغيب الأفق الاستراتيجي في مناطق وجود أذرع إيران كلّها، العسكرية والسياسية والعقائدية، ونقصد بها العراق وسورية ولبنان واليمن، وغداً ربّما ليبيا والساحل. زد على ذلك أنّ تفاقم الأوضاع في هاته الدول كان من الأسباب المركزية في تواري القضية المركزية للعالمين، العربي والإسلامي (فلسطين)، فاعتلت جدول الأعمال الدولي قضايا العراق وسورية واليمن على حساب القضية المركزية، التي لا حلّ من دونها، وما كان لها أن تتصدّر أحداث العالم هذه المدّة من دون فاجعة وحرب إبادة ومقاومة تراجيديّة فوق طاقة التحمّل البشري.، كما كتبنا ذات تحليل! إيران فوق ترابها ترعى الصبر .. و الحلم النووي: حتى عندما تلقت ضربات في عقر دارها، لم ترد، كما التزمت الصمت الجيوسياسي أمام مقتل هنية وقصف لبنان، ولا أحد يتوقع بأنها ستغير مواقفها بعد اغتيال حسن نصر الله: هل هي نزعة كربلائية في فهم العالم المعاصر، أم هو تفكير عقلاني في تقدير موازين القوة؟ الجواب واضح، والأخلاقي فيه هو أن إيران تتصرف حسب موازين القوة، في وقت تطلب من الآخرين الاستشهاد الكربلائي. الوسوم إسرائيل إيران حزب الله اللبناني حسن نصر الله