بعد الانتصار الكبير للدبلوماسية المغربية، قبل أيام، بمصادقة المفوضية الأوروبية على مقترحي قرار من شأنهما إدماج الصحراء في الاتفاق الفلاحي، اندلعت معركة جديدة في أروقة الاتحاد الأوروبي تستهدف المس بالأمن القانوني لاتفاق الصيد البحري هذه المرة، بعد أن تقدمت جبهة "البوليساريو" بطعن أمام محكمة العدل الأوروبية ضد قرار الاتحاد الأوروبي السماح بإجراء مفاوضات لتجديد اتفاق الصيد البحري مع المغرب، انطلقت بشكل رسمي منذ مطلع الشهر الجاري. وكانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد وافقت في أبريل على بدء مفاوضات مع المغرب لتجديد اتفاق الصيد البحري الذي ينتهي في 14 يوليوز المقبل، وتراهن "البوليساريو" على ألا يشمل الاتفاق الجديد الذي يجري التفاوض بشأنه المياه الإقليمية للصحراء، علما أن النسبة الأكبر من الأسماك يتم صيدها في مياه الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وجرت الجولة الأولى في أبريل الماضي، في غمرة تداعيات قرار محكمة العدل الأوروبية بشأن استثناء مياه الصحراء من الاتفاق الحالي بين الطرفين، الذي تنتهي صلاحيته بعد ثلاثة أسابيع، لكن الطرفين المغربي والأوروبي أكدا في أكثر من مرة عزمهما على إنجاح المفاوضات في أقرب وقت، في ظل تأكيد رسمي من المغرب على رفضه أي تفاوض حول "سيادته على أقاليمه الجنوبية".
واتفاق الشراكة في مجال الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي قائم وفق بروتوكولات تفاهم متعاقبة، وهو يتيح لنحو 200 سفينة أوروبية الصيد في المياه الإقليمية المغربية مقابل مساهمة اقتصادية أوروبية سنوية بقيمة 30 مليون أورو.
وتنشط في المنطقة سفن 11 بلدا أوروبيا، وهي: إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وليتوانيا ولاتفيا وهولندا وإيرلندا وبولونيا وبريطانيا، وتستخرج هذه السفن من المياه المغربية 83 ألف طن سنويا، وتمثل 5.6 في المائة من مجموع صيد الأسماك في كل المياه المغربية.
وفي السنوات الأخيرة أصبحت ورقة "استغلال الثروات" موضة المرحلة الراهنة للجبهة الانفصالية، رغم أنها لم تجن من ورائها شيئا على الأرض، باستثناء إثارة المشاكل والعراقيل في طريق تطوير الشراكة المغربية الأوروبية، وتبقى اتفاقية الصيد البحري من الملفات الثقيلة التي تلوح بشأنها "البوليساريو" بورقة "استغلال الثروات الطبيعية للصحراء"، كلما انطلقت مفاوضات تجديد الاتفاق كل أربع سنوات، وذلك منذ التوصل إلى اتفاق الشراكة في قطاع الصيد مع أوروبا سنة 2006.
لكن صانعي القرار في أوروبا مقتنعون بأهمية تجديد الاتفاقية مع المغرب، خصوصا في إسبانيا، التي تعي أكثر من غيرها أنها ستكون المتضرر الأول من عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري، لأن 80 في المائة من البواخر التي تصطاد في المياه المغربية إسبانية.
وعكس ادعاءات الجبهة الانفصالية، فإن العائد السنوي للمغرب من هذه الاتفاقية يوجه مجمله للأقاليم الجنوبية، كما كشفت عن ذلك دراسة تقويمية أنجزتها مديرية الشؤون البحرية التابعة للمفوضية الأوروبية، حول الآثار الإيجابية للبروتوكول، والتي أماطت اللثام عن استفادة جهتي الداخلة–وادي الذهب والعيون–الساقية الحمراء من 66 في المائة من مجموع العائد المالي السنوي للمغرب من الاتفاقية، وأظهرت أن 75 من المائة من الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية استفادت منها الأقاليم الجنوبية للمملكة.