رغم مرور أسبوع كامل عن البيان المشترك الذي أصدرته جنوب إفريقيا وغانا، بمناسبة انتهاء الدورة الثانية من اللجنة الوطنية الثنائية بين البلدين، والذي يتضمن اثنا عشر بندا، حيث أحدث البند العاشر منه جدلا واسعا بعدما تضمن مواقف معادية لمصالح المملكة المغربية بخصوص قضية الصحراء، مازالت "الدبلوماسية المغربية لم تخرج عن صمتها إلى حدود الآن". الاتفاق، الذي صدر عن بلد دأب على مخالفة مواقف المغرب السيادية خاصة فيما يتعلق بقضية "الصحراء" لم يثير استغراب متتبعي الشأن السياسي، في حين كثرة التساؤلات حول مواقف الخارجية المغربية تجاه دولة غانا التي سبق لها أن جمدت اعترافها قبل حوالي 22 عاما بجبهة "البوليساريو" الانفصالية، وكانت أيضا من بين الدول 28 التي وقعت في يوليوز 2016 على الرسالة الموجهة إلى رئاسة الاتحاد الإفريقي تروم تجميد عضوية "الكيان الوهمي" داخل الجهاز القاري.
تعليقاً على هذا الموضوع، قال عبد السلام البراق شادي، خبير دولي في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع، إن "الموقف الغاني لا يحمل مفاجئة بالنسبة للمتتبع أو المهتم بالعلاقات الخارجية للمغرب فدولة غانا سبق لها أن جمدت أعترافها بالكيان الوهمي سنة 2001 بعد إعترافها الأول في سبتمبر 1978 لتستأنف العلاقات بداية من سنة 2011".
وأضاف البراق شادي، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "العلاقات المغربية الغانية عرفت تطورا غير مسبوق مع الزيارة الملكية السامية في فبراير 2016 حيث تم التوقيع على حزمة من 25 إتفاقية تهم مختلف المجالات والقطاعات، على غرار المجال الاستثماري والتعاون الفلاحي والصناعي والسياحة والنقل والطاقات المتجددة ،بالإضافة إلا أن دولة غانا معنية بشكل مباشر بأنبوب الغاز النيجيري – المغربي الذي يعتبر أحد المشاريع المهيكلة الكبرى في الغرب الإفريقي بفضل مقاربته التنموية الخالصة".
وتابع المتحدث عينه أنه "ما يمكن ملاحظته هنا هو تطور الموقف العدائي الجنوب إفريقي إزاء قضية الصحراء المغربية حيث تحول هذا النزاع إلى أحد الملفات الأساسية داخل الحقيبة الديبلوماسية الجنوب – إفريقية بإقحام نزاع مفتعل يهدد الوحدة الترابية للمملكة في جدول الأعمال بشكل مستفز و ينذر بتحول الموقف الجنوب – إفريقي من فعل المناصرة إلى العمل الميداني لمعاكسة مصالح المغرب الإقتصادية عن طريق فرض أجندات معينة على الدول الإفريقية لإستمالة مواقفها لصالح الطرح الإنفصالي".
وأردف أيضا ب"العودة لحصر مواقف جنوب إفريقيا العدائية إتجاه المملكة المغربية نجد إصرارا واضحا ودائما على الإضرار بمصالح المغرب وتهديد أمنه وإستقراره بدعم جماعة إنفصالية تعلن في أكثر من مناسبة وبشكل مستمر على نيتها تنفيذ عمليات إرهابية في العمق المغربي وهو الوضع الذي تتقاسمه مع النظام الجزائري الذي لا يتوانى لحظة واحدة في تكريس سلوكه العدائي الذي يشكل جزءا من سياسات عدوانية جزائرية تهدد الإستقرار الإقليمي و العالمي".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "تطور الموقف الجنوب إفريقي وتحوله للمعاكسة الصريحة لمصالح المغرب يؤسس لإستراتيجية جديدة عن طريق تبادل الأدوار الديبلوماسية بين بريتورياوالجزائر العاصمة لمعاكسة سياسات المغرب الإفريقية، تتعلق بمحاولة لهذا المحور القاري المؤسس على مزايدات إيديولوجية بائدة ورؤية قاصرة لتحديات القارة الإفريقية ودولها في العمل على تعطيل جهود المغرب التنموية إزاء القارة الإفريقية وشعوبها حيث تظل المبادرات المغربية ذات الأبعاد الهيكلية هي الأمل الوحيد أمام أكثر من مليار ونصف من الأفارقة لمواجهة مختلف التحديات التنموية للقارة الإفريقية في إطار مقاربة جديدة شاملة ومتعددة الأبعاد تقوم على الترابط الوثيق بين السلم والأمن والتنمية".
"المبادرات التنموية المهيكلة التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس رائد العمل الإفريقي المشترك أهمها المبادرة الأطلسية التي تندرج في إطار الرؤية الملكية المستنيرة لتنمية القارة وخدمة شعوبها، والتي بدأت في فرض إيقاعها بمعايير متناسقة اتخذت أبعادا شمولية، باتت مصدر إزعاج كبير للجزائر والجبهة الانفصالية، وهو ما دفعها إلى تسريع خطواتها لمحاولة خنق أي تقدم مغربي في هذا الاتجاه عم طريق دفع الموقف الجنوب – إفريقي إلى أتخاذ مواقف معاكسة صريحة ضد مصالح المغرب"، يقول المتحدث.
ولفت شادي إلى أن "الديبلوماسية المغربية لديها تقدير موقف متوازن ومناسب ودقيق للتطورات الأخيرة في السلوك الغاني إزاء المغرب والعقل الإستراتيجي المغربي إنطلاقا من الثوابت المؤسسة لسياسته الخارجية المتسمة بالوضوح والشفافية والمسؤولية والمواقف الراسخة إزاء قضيته الوطنية الأولى قادر على إجهاض كل المؤامرات والمخططات التي تستهدف المغرب ووحدته الترابية، جنوب إفريقيا كدولة فاعلة في محيطها القاري و الدولي اليوم بسياساتها المتهورة تسير في إطار ممنهج ضد مصالح الأجيال القادمة وبشكل يخالف الأسس التي إنبنت عليها فكرة دولة جنوب إفريقيا ما بعد الأبارتايد بمراهنتها على نظام شمولي غير ديمقراطي لا رؤية إستراتيجية له من أجل بناء محور قاري بين الجزائروبريتوريا وجوده مرتبط بمعاكسة دولة ذات سيادة في الحفاظ على وحدتها الترابية وأمنها القومي بأبعاده المتعددة".
وزاد: "المملكة المغربية تصر اليوم من خلال مقاربتها الحضارية الشاملة على بناء صرح قاري قادر على الحفاظ على مقدرات الشعوب الإفريقية وضمان حقوق الأجيال القادمة من الأفارقة في العيش الكريم والأمن والسلام والإستقرار".
وخلص البراق حديثه قائلا: "الديبلوماسية الموازية المغربية مطالبة بوضع مقاربة جديدة وصياغة مفهوم جديد للترافع عن القضايا الوطنية بشكل مسؤول وإستباقي بتحصين الموقف السياسي المغربي في القارة الإفريقية والعمل على بناء مسارات جديدة للتنسيق مع الأوساط الاكاديمية والسياسية في الدول الإفريقية بناءا على التراكمات الإيجابية التي وضعت أسسها الديبلوماسية الملكية وهنا نتكلم بشكل خاص عن لجان الصداقة البرلمانية ومراكز التفكير الإستراتيجي والأوساط الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني المشتغلة في المجال الديبلوماسي والإعلام".
من جهته، يرى الحسين كنون، محام ومحلل سياسي، أن "جنوب إفريقيا وما أثارته من زوبعة في محاولة التأثير على غانا بخصوص قضية الصحراء هي محاولات يائسة، لأن القضاء على المغرب بشموخه وبقضيته العادلة للصحراء المغربية المبنية على الشرعية والمشروعية وبمؤسساتها الملكية يصعب ذلك".
وأورد كنون، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "المغرب ذاهب في تحصين وحدته الترابية المغربية، ولا يمكن لجنوب افريقيا أن تنال من المملكة أي حاجة متعلقة بهذا الشأن، رغم مواقفها وسياساتها العدائية ضد مصالح البلاد يبقى المغرب بصحرائه".
وسجل المتحدث عينه أن "المغرب استطاع الحصول على 27 قرارا أمميا منذ 2007 إلى الآن كلها تدعم المملكة في إطار الحكم الذاتي باعتباره الحل الناجع لإنهاء النزاع المفتعل والقائم بالصحراء، وأن محاولة جنوب افريقيا المعادية لا تزيد المغرب إلى صمودا".
وأكد المحلل السياسي أن "المغرب سيرد بحكمة وبرازنة وخاصة مطالبة الأممالمتحدة من داخل مجلس الأمن بتفعيل القرارات الثلاث الأخيرة، وإذا عرقلت الجزائر القرارات الأممية عن طريق دي مستورا، يمكن المطالبة بتحويل هذا النزاع بواسطة المادة 6 من ميثاق الأممالمتحدة إلى أحكام المادة 7 التي تقضي باجبار حل هذا النزاع تحت إشرافها عن طريق الحكم الذاتي".