بقلم : عبد القادر العفسي فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ، أخذتني هذه الآية إلى نطاق بعيد ليستقر مكاني و حالي في مقام بين عالمين مختلفين في الصورة ، وأنا أنظر إلى الموجودات و أراقبها تتحرك فأمسيت سالكا طريق أخرى تأخذني قدماي إلى فتوحات سلطان المقدرة و الخلود، كأني محكوم بالسير ، كأني اجتزت الصورة و المعنى ، كأني اندرجت ضمن الفناء في التجلي الذاتي و استبدلت ما يحمله الروح من رداء غير مبالي لمن يرمقني باستغراب، فذاتي أبصرت حينها إلى مدارك أخرى..و خلعت نعلي و ما علي من رداء . كانت سكرة بها ساعات لكنها مثل الدهر أعرج مكشوفا بعيدا عن إدراك العقل لتُحجب الظلمة و تنطفئ الحواس و خرجت عن المعقول و المحسوس و انمحت كل الصور و ذابت و أعرضت عن كل الشيء و عن ما كل هو آفيل، أحسست حينها انه لا يمكن الحصول على التجلي و المعنى و النور إلا بإلغاء كل ما هو محسوس ..فسرحت طويلا محاذي قبور الأشهاد . و لما سرحت بجوار المدينة القديمة على شط باب البحر و أمام نهر ليكسوس و ليس بيني وبين الماء إلا الرؤى أحسست بيد تتمدد على كتفي باردة جدا وثقيلة ، و لما نظرت و جدت رجلا عجوزا بشعر كث ابيض و لحية تجعلك ترتجف و بصوته الهامس يسمعني جملة غريبة : اللهم ارحمه ، قال لي تفاجأت عما يقصد ثم أردف قائلا : اللهم ارحم مولاي علي الفلالي ! استجمعت قواي و سألت من أنت؟ _أجابني بعدما تجاوز سؤالي : كان صديقي ، كان رفيقي ! أعدت السؤال من أنت ؟ و منذ متى وأنت هنا ؟ و أين تقطن ؟ أجابني : أنا من قبيلة ما من الجن اسكن هنا مثلما كان صديقي يسكن ! _ فارتجفت و استجمعت قواي مرة أخرى و سألته : لما كثرة الشيب قد غطت وجهك و رأسك ؟ _ أجابني: أتعبني السؤال و أرهقتني هذه العرائش، فشياطين أنسكم لم يتركوا لنا نحن معشر الجن هنا الملاذ و لا مكان إلا غزوه ، فقد طغوا في الأرض و علو و مُدد لهم في هذه الدنيا ، و تراكمت ملفاتهم عندنا …! فقلت : أي ملف تتداولون فيه الآن ؟ _ أجابني : ملفات موظفين دخلوا العرائش فقراء و تحولوا من أصحاب الثراء و الجاه يشترون كل شيء ! فسألته : فما حال الساسة ؟ _ أجابني : يأخذون نصيبهم من الكعكة إلا من رحم ربك ! و سألته عن الدليل ؟ _فقال لي : احصر ما يملكون من بقع و كيف استفادوا منها ، و احصر على من حصل على هديا عبارة عن سيارات مرسيدس و بي أي ام … ستجدونهم بالأسماء معلقين ابحث عمن يصطفون في الصفوف الأولى و آثار فسادهم بادية على وجوههم .آه آه آه .. ثم أردف: الله يرحم مولاي علي كان يعرفهم فردا فردا و منبع ثرائهم و فسادهم كان يعرفهم و رفض الانخراط معهم لهذا اعتزلهم و رافقيني ! _تنهد الجيني تنهيدة وداع ووعدني أن يأتيني في موعد لاحق بعد اللقاء لتتحول إلى جلسات ثم محاكمة بصور و وثائق السيارات و البقع و من استولى و من أعطى و الحسابات السرية و الوهمية و من يطفئ الكهرباء و من لم يسقط فساده بالتقادم و من عيُن مهندسا و أضحى مليونير بداية من عمارة الأطباء و من انشأ لزوجه شركة وهمية و في النهاية سقط في حضن الغلام الذي ولد من الخاصرة… لمجموعة من عبدة الفساد و المال ! و قبل أن اطلب منه مطلبي الوحيد لعل و عسى أن يمنحني ثروة و جاه ! _عاجلني بقوله : لا مال يصلح لك و لا جاه يصلح لك ..فمالك أنت و جاهك أنت ؛ و اعلم أنهم يحسدونك و يغتاظون منك لأنك لم تقدم قرابين لإثبات صمودك ووقوفك فالقوّة العاقلة بك هي سبب تنوّر ظلمة الجهل في وجودك الإنسانيّ ..ابقي كالجلمود مانعا متمنعا فهذا سر الله فيك ، وأعرض عن الفاسدين فأخر مآلهم تعرية مؤخرتهم لعلهم يصلون إلى المتعة القصوى !