أجرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» هذا الحوار مع المحلل السياسي والخبير في العلاقات المغربية الإفريقية بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء التي تتزامن مع الزيارة الملكية لدول شرق إفريقيا، بالإضافة إلى التحركات الدبلوماسية التي يقوم بها المغرب من أجل عودته إلى منظمة الاتحاد الإفريقي كي يضطلع بدوره الأساسي في القارة الإفريقية، في هذا الحوار يلامس الموساوي عدة قضايا رئيسية أولها العلاقات المغربية الإفريقية والحضور المغربي على الصعيد الإفريقي والعمل على تثبيت هذا الحضور عن طريق سياسة تنموية واقتصادية وسياسية في إطار التعاون والتضامن مع دول إفريقيا، كذلك يعرج الموساوي على التحديات التي يمكن أن تواجه توطيد العلاقات المغربية الإفريقية مستقبلا بارتباط وثيق مع القضية الوطنية والخصوم السياسيين للمغرب والمناوئين لوحدته الترابية، كما يرصد أهم مميزات التحول النوعي الذي عرفته الدبلوماسية المغربية تجاه دول إفريقيا، ويتطرق في نفس الحوار أيضا للاستراتيجية الجديدة التي يمكن أن ينهجها المغرب تجاه دول غرب وشرق وجنوب إفريقيا من أجل تمتين علاقات التعاون السياسي والتنموي والاقتصادي. n بعد المجهودات التي بذلها المغرب من أجل حضور أكبر على صعيد إفريقيا، آخرها رسالة الملك للقمة 20 بكيغالي، والزيارة الملكية لدول شرق إفريقيا، ورسالة الملك إلى الرئيس التشادي بشأن الإسراع بتوزيع طلب انضمام المغرب على أعضاء الاتحاد الإفريقي، كيف يمكن للمغرب أن يسترجع مكانته ودوره داخل الاتحاد الإفريقي؟ pp بعد خروجه من منظمة الوحدة الإفريقية في العام 1984، عزز المغرب منذ ذلك الحين حضوره في القارة الإفريقية على المستوى الاقتصادي والمالي والعسكري والأمني والديني. ومنذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم، تغيرت سرعة الحضور المغربي داخل إفريقيا، لدرجة أصبح فيها فاعلا جهويا وقاريا، إذ بلغت مثلا استثمارات الخواص المغاربة بين 2010 و2014 أكثر من مليار أورو. لكن غيابه داخل الاتحاد الإفريقي حرمه من واجهة سياسية، وظفت بشكل منهجي، منذ ثلاث سنوات، من لدن رئيسة المفوضية الإفريقية زوما للانتصار لأطروحة الانفصال ومعاكسة المغرب، باسم الاتحاد الإفريقي، في جميع المنتديات، خصوصا لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن. وخصصت زوما مبعوثا خاصا حول نزاع الصحراء، علما أن المعترفين ب «جمهورية تندوف» داخل الاتحاد الإفريقي لا يتجاوز عددهم 13، وهي سابقة فريدة في العالم، حيث أن «دولة» توجد في منتظم قاري يضم 53 دولة، لكن لا يعترف بها منهم سوى 13، وهذا العدد مرشح للتناقص بعد زيارة الملك الأخيرة لشرق القارة، دون ذكر أن 28 دولة إفريقية لم تعترف يوما بهذه «الجمهورية». عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي هو إعادة التوازن إلى الحضور المغربي في القارة، فاستعادة الواجهة السياسية مسألة تفيد المغرب في الدفاع عن وحدته الترابية والوطنية، وفي لعبه أدوارا طلائعية داخل القارة، خاصة وأن الثلاثي الذي يشكل النواة الصلبة في معاكسة المغرب يعرف مشاكل داخلية عميقة، ويتعلق الأمر بجنوب إفريقيا ونيجريا والجزائر، دون الحديث عن زيمبابوي التي تشهد مظاهرات يومية ضد نظام حكم موغابي. لقد أصاب المغرب باختياره لحظة العودة إلى الاتحاد الإفريقي، لأن تغييرات تجري الآن على موازين القوى داخل القارة، ستظهر على الخصوص في القمة المقبلة للاتحاد بأديس أبيبا في يناير 2017، وفي انتخاب رئيس جديد للمفوضية الإفريقية، علما أن الأسماء الخمسة المترشحة، ثلاثة منها قريبة من المغرب. أضف إلى هذا وذاك، أن الأمين العام الجديد للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيريس، يعرف جيدا ملف نزاع الصحراء، وعانى الأمرين مع البوليزاريو في مسألة إحصاء سكان المخيمات وتمتعهم بصفة لاجئ، التي ترفضها الجبهة والدولة الحاضنة لها، دون أن ننسى التغيرات القادمة في الإدارة الأمريكية في يناير المقبل، والتي ستعرف نتائجها، في الانتخابات الرئاسية ليوم 8 نوفمبر. n ما هي التحديات التي يمكن أن يواجها المغرب مستقبلا في توطيد علاقاته داخل إفريقيا بارتباط مع قضيته الوطنية وخصومه السياسيين في ذلك؟ pp التحدي الأكبر الذي سيواجه المغرب مستقبلا، هو كيفية تدبير علاقاته مع دول ما زالت تعترف ب»جمهورية تندوف»، لكنه أبرم معها اتفاقيات استراتيجية في قطاعات متعددة، دول تنفصل شيئا فشيئا عن هيمنة جنوب إفريقيا، السؤال الكبير المطروح الآن يتمحور حول ماهية المقاربة المغربية تجاه هذه الدول، ويبدو أن الحضور المغربي في شرق القارة وجنوبها هو ثمرة لعمل طويل ودقيق ساهمت فيه مؤسسات رسمية وقطاع خاص، دون نسيان مبادرات خاصة، كان لها دور في نسج علاقات مع مراكز القرار في هذه الدول. ومن المنتظر أن تلتحق برواندا وتنزانيا وإثيوبيا وهي دول كانت محسوبة إلى زمن قريب على الثلاثي المعاكس للمغرب. n هل سينجح المغرب في إيجاد توازن بين حضوره المفصلي في إفريقيا الغربية والوسطى مع المجهود المبذول في شرق القارة وجنوبها؟ pp السؤال يطرح أيضا على طبيعة العلاقات المستقبلية للمغرب مع دول شمال إفريقيا، التي تعاني وستعاني في السنوات المقبلة من اهتزازات، سترهن العلاقات البينية، خاصة وأن نزاعا يبدو في الأفق بين الجزائر ومصر، إذ أن فشل إعادة بناء المؤسسات في ليبيا سيؤدي إلى انقسام بين شرق وغرب، وسيؤدي إلى تماس كهربائي بين الدولتين، لاسيما ما تعلق بمنابع البترول الليبية. التحدي الأكبر للمغرب في حضوره الإفريقي هو استقرار علاقاته مع موريتانيا على مستوى الزمن البعيد، لأن ذلك مرتبط بملف الصحراء، ولكون موريتانيا جسر المغرب البري نحو إفريقيا الغربية. ستعرف موريتانيا مستقبلا تطورات مفصلية في رسم مسارها الداخلي وفي علاقاتها مع دول الجوار، و دون استثناء ( المغرب، الجزائر، مالي، السنغال). n نحن في ذكرى المسيرة الخضراء التاريخية، هل يمكن أن نتحدث عن تحول جديد في السياسة الدبلوماسية المغربية من أجل الدفاع عن القضية الوطنية، خاصة مع دول المحيط؟ pp بالتأكيد إننا اليوم أمام ممارسة دبلوماسية مغربية جديدة، تجلت معالمها في رسالة الملك إلى القمة الإفريقية بكيغالي، سياسة براغماتية، تعطي الأولوية لسياسة الواقع والقرب كأحسن وسيلة للدفاع عن مصالح المغرب، والرهان على التغيير التدريجي لموقف الدول الثلاثة عشر المنتصرة ل»جمهورية تندوف»، وشاهدنا بالملموس، والصور والاتفاقات أصدق أنباء من الفقاعات السياسية لخصوم المغرب، كيف استقبلت رواندا وتنزانيا الملك، وفي كيغالي ودار السلام على السواء، يوجد « سفير» لجمهورية تندوف. هذه أمور لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة عمل دقيق في العمق، وطلب المغرب استعادة مقعده، والزيارة الملكية لشرق إفريقيا تركا صدمة في الدولة العميقة بالجزائر، وتبين أن المخابرات الجزائرية لم تستطع رصد المخطط المغربي في اختراق شرق القارة وفي العودة إلى الاتحاد الإفريقي، أي أن الأمر يتعلق بفشل «جماعة الرئيس» في الحفاظ على مستوى أداء الأجهزة الأمنية الجزائرية على عهد الجنرال توفيق الذي أقيل من منصبه في شتنبر 2015. تم حل جهاز المخابرات الجزائرية وتفكيكه إلى ثلاث مصالح، لكنها لم تتجاوز مستوى بيضة الديك، لأن توفيق « ثقف» بالمفهوم الدارج مصالح المخابرات. ورغم إقالة توفيق في شتنبر 2015، واعتقال الجنرال بن حديد في أكتوبر 2015، لم يستطع الجنرال الهامل أو الجنرال طرطاك ملء الفراغ الذي تركه توفيق. وهذا ما يفسر تصريح الأمين العام الجديد لجبهة التحرير ولد عباس من أن الأيام المقبلة ستعرف إعلان قرارات هامة، ويتعلق الأمر بمفاوضات بين «جماعة الرئيس» من جهة والجنرال توفيق وبلخادم من جهة أخرى. n ما هي الاستراتيجية الجديدة التي يمكن أن ينهجها المغرب تجاه دول شرق وغرب وجنوب إفريقيا حتى يربح الرهان التنموي والاقتصادي والسياسي؟ pp يجب القول إن دولا عديدة في شرق القارة وجنوبها ما كان لها أن تنفتح على المغرب لولا نجاح التجربة المغربية في غرب ووسط القارة، وهي التجربة التي حددها خطابا الملك محمد السادس في 2013 بباماكو و2014 بأبيدجان، والمتمثلة في التعاون جنوب جنوب والربح المشترك، والأمن الغذائي والأمن الديني، والاستقرار وحسن العلاقات. ونبه الملك أيضا الشركات المغربية إلى أن استراتيجية المغرب في إفريقيا لا تعتمد الربح السريع، أي على المؤسسات الوطنية والمجتمع النظر إلى الأفق في علاقات المغرب بمحيطه الإفريقي.