استفزتني الكثير من التعاليق التي صاحبت حدث إعلان وقف إطلاق النار تحت لواء الولاياتالمتحدةالأمريكية، بين لبنان الجريح وكيان العدوان الإسرائيلي، وكأنما لبنان كان في حرب، ولم يكن تحت وابل هجوم دولة معتدية. استفزتني التعاليق سواء في تقديم الأحداث أو الأطراف المعنية مباشرة بالموضوع أو في قراءة النتائج والخلاصات. تحدث البعض عن انتصار أو هزيمة حزب الله، وأثار بعضهم تخلي هذا الفصيل عن غزة وأهلها التي يجري تقتيلهم، وادعى نفر آخر ان الطوائف والمذاهب هي التي تتحكم في مصير المنطقة، وانتهى آخرون إلى البصم على نهاية المقاومة وفتح صفحة عهد السلام الصهيوني الأمريكي في الشرق الأوسط، مشيدا على قبر الشعب الفلسطيني.. أستسمح الجميع لأقدم بعض الملاحظات السريعة وسط كل هذا اللغط، بداية من هو الفاعل القوي الوحيد عسكريا في منطقة الشرق الأوسط حاليا؟ وماهي موازين القوى ميدانيا في المنطقة؟ الجواب واضح: المبادرة في التحولات السياسية والميدانية تنبع لحد الساعة من التفاعلات والمخططات والإكراهات الداخلية للطرف القوي أساسا، بمعنى أن أسباب التطورات الحالية لا تكمن في شفقة العالم على اللبنانيينوالفلسطينيين، ولا في قدرة المقاومة على لي اليد الصهيونية، بل توجد حصريا في دهاليز مطبخ إسرائيل والولاياتالمتحدة دون غيرهما. الملاحظة الثانية؛ تكمن في الجواب على السؤال التالي: هل تمثل أمريكا ضمانة حقيقية للسلام بالنسبة للبنان وللمنطقة؟ السلوك الأمريكي عالميا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا يثبت أن هذه الدولة العظمى هي أكبر أسباب الحرب والتوتر في غالبية مناطق الكرة الأرضية برمتها، وتاريخ المنطقة العربية في نفس الفترة يؤكد ذلك، لقد أخلت أمريكا بكل تعهداتها تجاه كل الدول العربية معتبرة إياها جميعا مجرد أدوات لتصريف مصالحها، دون اعتبار لمكوناتها الثقافية أو الدينية أو السياسية او غيرها. هل يمكن تجاهل إخلالها باتفاقيات أوسلو بالنسبة للفلسطينيين وكيف ساعدت مباشرة إسرائيل للتنصل منها؟ لذا، لا يمكن موضوعيا اعتبار التحكيم الأمريكي ضمانة لأمن دول المنطقة باستثناء أمن الدولة المعتدية وحدها، أي أمن إسرائيل، وهو الكيان الذي لا حدود له، والذي يسمي جرائمه دفاعا عن النفس، والذي لا يخضع للقانون الدولي ولا يعترف به اصلا! ومعنى هذا ببساطة قاسية أن العدوان سيستم وستتنوع طرقه. لا يمكن للمنطقة برمتها وللبنان حاليا أن ينعم بالسلام والأمن، لذا من المفيد ان تدرك شعوب المنطقة جميعها مخاطر المرحلة كما هي دون أساطير ولا مساحيق، ودون أوهام واهية عن العقل والحضارة غربا، أو عن مدى جدية التزامات أمريكا. الملاحظة الثالثة والأخيرة؛ هي أن أهم وأثمن شيء تقدمه لنا التجربة الدامية للمنطقة العربية هو أن المقاومة ضرورة تنير السبيل لبناء مستقبل أكثر عدلا و إنسانية، إن أروع ما شهدناه طيلة السهور الأربعة عشرة الماضية هو صمود المقاومين في فلسطينولبنان أمام أعنف أعتى أدوات البطش والسيطرة والتقتيل والدمار، ومن نتائج هذا الصمود تنامي الوعي عالميا بمشروعية نضالات شعوب الشرق الأوسط من أجل عالم يتساوى فيه كل البشر في حقوقهم، دون تمييز في اللون او العقيدة أو العرق أو الجنس، وهذا مكتسب وجد سبيله في شوارع وجامعات كل بلدان العالم بفضل غزة الشهيدة!