احتل المرتبة 50 عالميًا في مؤشر القوة الناعمة العالمية لعام 2025، دون تغيير عن العام السابق، بمعدل تقييم بلغ 40.6 نقطة. وبينما يعكس هذا الأداء استقرار المغرب نسبيًا في المشهد الدولي واستمرار الجهود الدبلوماسية والاقتصادية للمملكة، فإنه في الوقت نفسه يطرح تساؤلات حول العوامل التي تعيق تحقيق قفزة نوعية على هذا الصعيد. التقرير الصادر عن مؤسسة "براند فاينانس" البريطانية، يقيس القوة الناعمة للدول من خلال عدة مؤشرات فرعية، يبرز من خلالها أداء كل دولة في مجالات متعددة، بما في ذلك السمعة، التأثير، الأعمال والتجارة، العلاقات الدولية، التعليم والعلوم، الثقافة والتراث، الحكامة، الإعلام والاتصال، المستقبل المستدام، والقيم والمجتمع.
إقليميًا، احتل المغرب المرتبة السابعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، متقدما على على البحرين (51 عالميًا) والأردن (58) وإيران (62) والجزائر (78)، لكنه لا يزال متأخرًا عن الإمارات (10) والسعودية (20) وقطر (22) ومصر (38) والكويت (40) وعمان التي حلت في المركز 49 عالميًا. عالميًا، تواصل الولاياتالمتحدة تصدر القائمة برصيد 79.5 نقطة، تليها الصين ب 72.8 نقطة، مما يعكس دورهما المحوري في التأثير العالمي. في حين تشهد بعض الدول الأخرى تحولات ملحوظة، مثل كوريا الجنوبية التي تقدمت إلى المرتبة 12 مدفوعة بصناعاتها الإبداعية والتكنولوجية، والسلفادور التي قفزت 35 مركزًا إلى المرتبة 82، مستفيدة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسات الأمنية التي عززت صورتها الدولية. في المقابل، شهدت دول مثل أوكرانيا وإسرائيل تراجعًا في تصنيفهما بسبب الأوضاع السياسية والصراعات الجيوسياسية التي أثرت على سمعتهما العالمية، وبينما فقدت كييف نقطة واحدة وحلت في المركز 46 هذا العام، فإن تل أبيب هبطت إلى المرتبة 33، مسجلة أدنى مستوى لها على الإطلاق في المؤشر، نتيجة التأثير السلبي للصراع المستمر مع الفلسطينيين وتراجع صورتها الدولية، حيث كان هذا التراجع مدفوعا بالأساس بحرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان العبري في غزة. في مؤشر الثقافة والإرث، حصل المغرب على 5.6 نقاط، ما يعكس ثراءه الثقافي وتنوعه التراثي والفني، حيث تساهم المدن العريقة مثل فاس ومراكش، إلى جانب المهرجانات الثقافية المتعددة، في تعزيز مكانته كوجهة ثقافية عالمية. كما أن إدراج العديد من المواقع المغربية ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو يدعم هذه الصورة الإيجابية. ومع ذلك، يظل التحدي قائمًا في إيصال الثقافة المغربية إلى جمهور عالمي أوسع، مما يستدعي توظيف وسائل الإعلام الحديثة والمنصات الرقمية بشكل أكثر فاعلية. في مجال النفوذ الدولي، سجل المغرب 3.7 نقاط، مما يعكس حضوره الدبلوماسي المتنامي، خصوصًا من خلال الشراكات الاقتصادية والتعاون جنوب-جنوب مع الدول الإفريقية. ورغم هذه الجهود، لا يزال تأثيره الدولي محدودًا مقارنة بدول أخرى في المنطقة مثل الإمارات والسعودية، ما يستوجب تبني استراتيجيات أكثر تأثيرًا في الدبلوماسية الثقافية والاقتصادية لتعزيز مكانته عالميًا. أما في الاستدامة المستقبلية، فقد حصل المغرب على 3.6 نقاط، مستفيدًا من استثماراته في مشاريع الطاقة المتجددة، ولا سيما محطة نور للطاقة الشمسية. غير أن التحديات لا تزال قائمة، خاصة فيما يتعلق بتوسيع نطاق المشروعات المستدامة، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتطوير سياسات بيئية أكثر تكاملًا لمواجهة تداعيات التغير المناخي. في الحكامة، حصل المغرب على 3.8 نقاط، مما يعكس استقرارًا سياسيًا نسبيًا، لكنه يواجه تحديات في مجالات الشفافية وكفاءة الإدارة العامة. وحسب الخبراء، يمكن أن تسهم الإصلاحات القانونية وتعزيز أدوار المؤسسات الحكومية في تحسين هذا التصنيف مستقبلاً، ما سيعزز ثقة المواطنين والمستثمرين على حد سواء. على صعيد التجارة والأعمال، حقق المغرب 5.3 نقاط، مستفيدًا من بيئة استثمارية متطورة وبنية تحتية قوية، أبرزها ميناء طنجة المتوسط الذي عزز موقع المغرب كمحور تجاري إقليمي. ومع ذلك، لا تزال العقبات التنظيمية والإدارية تحد من جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما يتطلب إصلاحات هيكلية لتعزيز تنافسية الاقتصاد المغربي. في مجال التعليم والعلوم، حصل المغرب على 3.8 نقاط، وهو تصنيف يعكس مستوى متوسطًا في البحث العلمي والابتكار. ورغم الجهود المبذولة لتطوير الجامعات وتعزيز ريادة الأعمال، إلا أن المغرب بحاجة إلى استثمارات أكبر في التكنولوجيا المتقدمة والتعليم المهني لسد الفجوة مع الدول المتقدمة في هذا المجال. أما في التواصل والإعلام، فقد حصل المغرب على 4.3 نقاط، ما يعكس ضعف الترويج الإعلامي للإنجازات الوطنية على المستوى الدولي. يمكن تحسين هذا التصنيف من خلال تعزيز الإعلام الرقمي، وتطوير استراتيجيات أكثر فعالية للتواصل مع الجمهور العالمي، وإبراز النجاحات الوطنية في مختلف المجالات. وفي القيم والمجتمع، سجل المغرب 4.3 نقاط، مما يعكس مستوى متوسطًا فيما يتعلق بالجوانب الاجتماعية والقيم الإنسانية. ورغم ترسيخ ثقافة التعايش والانفتاح، إلا أن تعزيز حقوق الإنسان، وتقليص الفجوات الاجتماعية، وتحسين أوضاع الفئات الهشة قد يسهم في تحسين هذا التصنيف ودعم صورة المغرب على الساحة الدولية. في سياق آخر، سجل المغرب ارتفاعًا ملحوظًا في قيمة علامته الوطنية، حيث بلغت 99.39 مليار دولار في عام 2025 مقارنة ب 87.29 مليار دولار في العام السابق، أي بزيادة قدرها 13.9 بالمائة، حيث يشير هذا التحسن تطور البيئة الاقتصادية والاستثمارية للمملكة، ويضعها ضمن الدول الإفريقية التي تشهد نمواً متزايدًا في صورتها الاقتصادية. وعلى الرغم من ذلك، فإن تعزيز القوة الناعمة للمغرب يتطلب مزيدًا من التركيز على تحسين تصنيفه في مجالات التعليم والبحث العلمي والتواصل الإعلامي، لمواكبة الدول التي تستثمر بكثافة في هذه المجالات لتعزيز تأثيرها العالمي، وفقا لمؤسسة "براند فاينانس" المتخصصة في تقييم العلامات التجارية وتحليل القوة الناعمة للدول والشركات.