نظمت منظمة النساء الاتحاديات، مساء الخميس، ندوة تناظرية في إطار مواكبتها للنقاش الذي أثير حول مقترحات اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة. اختارت المنظمة موضوع «الخبرة الجينية وإثبات النسب»، الذي أثار الكثير من الجدل نظرا لأهميته الكبيرة لفئة كبيرة من الأطفال المحرومين من إمكانية إثبات نسبهم. الندوة التي سير فقراتها الصحفي أوسي موح لحسن، شارك فيها كل من حفيظة حنان دكتورة القانون العام والعلوم السياسية وزينب الخياطي،عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، وتم فتح المجال لتدخلات قيمة في الموضوع لكل من عتيقة الوزيري والسعدية بنسهلي وسعاد بنور وغيرهن من الناشطات الحقوقيات كما أغنت النقاش رئيسة منظمة النساء الاتحاديات حنان رحاب. في افتتاح الندوة أكد أوسي موح لحسن أن النقاش حول إثبات النسب بواسطة الخبرة الجينية والتعصيب والإرث بين المسلم وغير المسلم، وهي المقترحات التي رفضت اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة تغييرها، يحتاج إلى تفاعل من المنظمات النسائية والحقوقية والأحزاب السياسية، من أجل الترافع لصالح هذه القضايا. وركز في حديثه على أن إثبات النسب هو قضية تمس مصلحة الطفل بشكل مباشر، وتؤثر عليه من جميع النواحي الحياتية وتفرز مشاكل ومعاناة كبيرة له ولمحيطه . وتحدثت زينب الخياطي، المحامية والناشطة الحقوقية من تارودانت، وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي عن أن النقاش العمومي حول الخبرة الجينية طغى عليه الطابع الديني، دون الالتفات إلى الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب. وتساءلت حول عدم وجود إجماع فقهي في قضية إثبات النسب، مشيرة إلى ممارسات فضلى من التاريخ الإسلامي حول إثبات نسب الأطفال وإلحاقهم بآبائهم بالاعتماد حتى على الشبه، وهي الممارسات التي يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار في هذا السياق. كما أكدت على ضرورة مراعاة الالتزامات الدولية للمغرب، داعية إلى تعزيز مصلحة الطفل بعيدا عن التحفظات الدينية التي قد تعرقل التقدم في هذا المجال. من جانبها، تناولت حفيظة حنان واقع الأطفال المحرومين من النسب، معتبرة أن المغرب ملزم بتطبيق الاتفاقيات الدولية التي يوقع عليها لضمان حقوق هؤلاء الأطفال. كما اعتبرت أن المغرب في حاجة إلى تطوير التشريعات لمواكبة التقدم العلمي، بما في ذلك استخدام الخبرة الجينية لإثبات النسب، مشددة على ضرورة عدم تحميل الأطفال أخطاء الكبار. أما عتيقة الوزيري، فقد أكدت أن مدونة الأسرة هي خطوة كبيرة نحو معالجة قضايا الأسرة المغربية، لكنها أضافت أن إثبات النسب عن طريق الخبرة الجينية كان ينبغي أن يكون جزءا من التعديلات الجديدة. وأشارت إلى أن المغرب لا يلتزم بما وقع عليه من اتفاقيات دولية، مما يطرح تساؤلات حول كيفية موازنة المشرع المغربي بين المرجعية الدينية والالتزامات الدولية، من جانبها سعاد بنور اعتبرت أن الموضوع ذو شجون وأن رفض الخبرة الجينية لإثبات النسب يقسم أطفال المغرب إلى درجات وأنواع، وأن الأطفال الذين يرفض طلب إثبات نسبهم عن طريف الخبرة الجينية هم أطفال، حسب المشرع المغربي، من الدرجة الثالثة، وهذا يصب في تكريس التمييز بين المغاربة، متحدثة عن التناقض الموجود في مدونة الأسرة الحالية خصوصا في الفصل 146: «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو ببينة السماع، أو بكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية»، والفصل 148:»لا ينتفي النسب بشرط أو صداق أو بشبهة أو إكراه، بل يثبت بكل الوسائل المقررة شرعا» . من جهتها أكدت حنان رحاب، رئيسة منظمة النساء الاتحاديات، أن قضية عدم إثبات النسب واعتماد الخبرة الجينية تمس جزءا كبيرا من مكونات المجتمع. وأضافت أن عدم إثبات النسب له تأثيرات كبيرة على المحيط الأسري والاجتماعي، ويصاحب الطفل طوال حياته. وأشارت إلى أن من حق الأطفال الذين لا يُعترف بنسبهم أن تمكنهم الدولة المغربية من إثبات نسبهم حتى يعيشوا حياتهم بعيدا عن التمييز والوصم الاجتماعي. واعتبرت أن المغاربة معروفون بتسامحهم، وأن القوى الضاغطة التي ترفض الخبرة الجينية هي التي تُجبر المجتمع على التقيد بمفاهيم قديمة وتفرض وصايتها على المجتمع، وختمت بضرورة إيجاد حلول عاجلة لهذه القضية، مؤكدة أن استمرار رفض الخبرة الجينية هو تكريس للظلم بحق أطفال لا ذنب لهم. من جهتها، اعتبرت السعدية بنسهلي أن إشكالية إثبات النسب هي قضية معقدة تنعكس على المجتمع بأسره، مشيرة إلى أن السلطة الذكورية تتحكم في هذا الموضوع. ودعت إلى ضرورة إزالة النقاب عن الواقع، والتساؤل عن السبب في تحميل المرأة وحدها مسؤولية الخطأ الذي يرتكبه اثنان. هذا وأجمع المتدخلون على أن عدم إثبات النسب بواسطة الخبرة الجينية له تبعات اجتماعية خطيرة، قد تتسبب في تفشي الجريمة، والإدمان، والتشرذم الاجتماعي، فضلا عن تكلفته المرتفعة على الدولة والمؤسسات المعنية بحماية الأطفال. وتناولت المتدخلات قضية الأطفال غير المعترف بنسبهم، بحرقة كبيرة نابعة مما يصادفنه في حياتهن اليومية من مآس اجتماعية ومن معاناة شديدة لهؤلاء الأطفال سواء وسط أسرهم أو في مدارسهم أو حتى في كبرهم، وأعطين أمثلة كثيرة لأطفال تكسرت حياتهم على صخرة واقع مرير يحرمهم من التمتع بحقوقهم كاملة كغيرهم من الأطفال، معتبرين أنهم يعيشون في ظل تمييز اجتماعي يضعهم في درجة ثالثة من حقوق المواطنة، وبالتالي يصبح من الضروري إعادة الاعتبار لهم والترافع عنهم بكل قوة، كما دعوا إلى ضرورة تحديث القوانين المغربية وتشبيب قضاة محكمة النقض وتأطيرهم في مجال حقوق الإنسان حتى تكون هناك جرأة في الأحكام التي تصدر عنهم، معتبرين أن المغرب بحاجة إلى قوانين تواكب التطور العلمي، وذلك حماية لمصلحة الطفل بعيدا عن الأسس التقليدية التي يتعرض فيها للحيف والظلم والوصم.