ارتقت العلاقات المغربية مع أغلبية موسعة من الدول الإفريقية إلى المثالية بتعزيزها اقتصاديا ودبلوماسيا في إطار ما يرسم أساس العلاقات الدولية، وهي المصلحة المشتركة، ما يفسر سلالة القبول بالمغرب شريكا ونيله تعامل على قدر كاف من الشرعية بسبب انتمائه وسلكه الأسلوب النفعي الاقتصادي، ما خلق مساحة كبيرة وهامشا للمناورة بالنسبة للرباط مع شركائها والتحرك لتعديل بوصلة مواقف رسمية لعواصم كانت تعاكس المغرب في قضيته. المغرب يقفز على متاريس الجزائروجنوب إفريقيا
ويبحث المغرب من وراء تحركاته الواسعة في عمقه الإفريقي، يقول محمد طلحة أستاذ القانون العام إلى تجاوز مخطط المحور الثلاثي، المكون من الجزائروجنوب إفريقيا ونيجيريا، الذي كان يهدف إلى عزله قاريًّا، وممارسة الضغط السياسي عليه من داخل الاتحاد الإفريقي، استنادا إلى تراكم رصيد معتبر من قرارات معادية للمغرب في ملف الصحراء، كلها تهدف إلى شرعنة تواجد الكيان الوهمي داخل المؤسسة الإفريقية.
ومنذ سنة 2015 كثف المغرب بحسب المحلل السياسي الذي تحدث ل"الأيام 24″ مناوراته وتحركاته الاقتصادية على اعتبار أن أول مدخل دبلوماسي هو الجانب الاستثماري الاقتصادي الذي ينعكس بطريقة مباشرة وسلسلة على القرار السياسي، هذا التحرك المغربي المهم، ما شكل صدمة دبلوماسية للجزائر ومن يدور في فلكها على غرار جنوب إفريقيا، بسبب الحجم المغربي المتنامي بشكل مؤثِّر في القارة الإفريقية، ولجاذبية ما يعرضه على الأفارقة من عقود تجارية واقتصادية تغطي كافة المجالات؛ من فلاحة، وصناعة، وتعدين، وتأمين، ومصارف، وفي ميدان التكوين والتنمية البشرية.
وبعيدًا عن السياسة، بانفتاحه، دون عقدة، ولا حرج على دول تُحسب معادية له، في نزاع الصحراء وأغلبها دول تقع في شرق ووسط، وجنوب القارة، ومن الدول الأنجلو سكسونية، دون أن يهمل تعزيز توطيد علاقاته مع الدول الحليفة والصديقة له، في الغرب الإفريقي. ساهم في رسم صورة إيجابية عن المغرب وقلب المعادلات والتوازنات التي كانت تستفيد منها الجزائر لسنوات، يضيف المتحدث.
سياسة المقص
المسلسل التراكمي للمغرب في الدفاع عن قضية الصحراء انطلاقا من إفريقيا، بالنسبة للمحلل السياسي شكل نجاحا دبلوماسيا مهما وملحوظا، إذ أكد محمد طلحة أن دليلة دبلوماسية القنصليات والتمثيليات الدبلوماسية في الصحراء المغربية الذي يعتبر خيارا استراتيجيا نهجته المملكة في سياساتها الخارجية، وهو الآن يجني ثمار هذه السياسة على مستوى اتساع دائرة الدول الإفريقية والعربية والأمريكية التي تدعم سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وتوجت بفتح قنصليات لها في مدينتَي الداخلة والعيون".
وما يُميز الدبلوماسية المغربية، بحسب محمد طلحة هو استعابها السريع والفعال للدروس وترتيب الأوراق التي أسهمت في إقناع المنتظم الدولي بأهمية مقترح الحكم الذاتي كخيار وحيد لحل هذا النزاع، مشيرا إلى معطى مهم ربطه بقدر ما تزيد دبلوماسية القنصليات في مصداقية وجاذبية الموقف المغربي، فإنها تشدد الخناق على الطرح الانفصالي وتحشُره في الزاوية، مما يؤشر على قرب نهاية مشروع التجزئة والانقسام الذي ترعاه وتدعمه الجزائر.
الواقعية السياسية
وأكد الباحث في الشأن السياسي أن المغرب أرفق اهتمامه بإفريقيا بالواقعية، مستعملا في ذلك انتماءه كحقيقة جغرافية ثابتة غير قابلة للنقاش، وتعبير المملكة عن رغبتها في أداء واجب خدمة قارته الإفريقية، عبر الشراكة والتعاون مع الدول الإفريقية من أجل التنمية، الهم الذي انخرط فيه المغرب بالأفعال، عبر مشاريع مادية، يؤطِّرها قانونيًّا في شكل اتفاقيات تعاقدية ثنائية مع الدول الإفريقية، وهي اتفاقيات متنوعة تشمل كل القطاعات والمجالات، وعمادها الأساسي التعاون المشترك لبلوغ التنمية الاقتصادية والبشرية المنشودتين من قبل جميع الدول الإفريقية، وهو هاجس تتقاطع فيه هذه الدول مع المغرب.