مسؤول أمني: التدخلات الأمنية في مجال محاربة التطرف والإرهاب تخضع لبروتوكول صارم للأمن والسلامة    وزيرة خارجية ساو تومي وبرينسيب تجدد دعمها لمغربية الصحراء    حماس تؤكد مقتل محمد الضيف بعد أشهر من إعلان إسرائيل استهدافه    الرجاء الرياضي يكتفي بالتعادل أمام أولمبيك آسفي    المغرب: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تكشف عن أول أيام شهر شعبان 1446 ه    الشرقاوي: خلية "الأشقاء الثلاثة" خططت لاستهداف مقرات أمنية ومحلات عمومية    النقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام بإقليم العرائش تكرم منجزات شخصيات السنة    اغلاق المجال الجوي البلجيكي بسبب عطل تقني    42 ألف شكاية وضعت على طاولة النيابة العامة بطنجة خلال سنة 2024    توقعات احول الطقس ليوم غد الجمعة.. امطار وثلوج بعدد من المناطق    مشروع الربط المائي بين وادي المخازن ودار خروفة يقترب من الإنجاز لتزويد طنجة ب100 مليون متر مكعب سنويًا    رحيمي ينقذ نادي العين من الخسارة    من المدن إلى المطبخ .. "أكاديمية المملكة" تستعرض مداخل تاريخ المغرب    رئاسة الأغلبية تؤكد التزامها بتنفيذ الإصلاحات وتعزيز التعاون الحكومي    الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء-سطات تواصل تنفيذ برنامجها السنوي لتنقية شبكة التطهير السائل    الوداد يضم لاعبا فرنسيا ويستعير آخر من جنوب إفريقيا    زياش إلى الدحيل القطري    بايتاس: "التراشق والشيطنة" لا يخدم مكافحة الفساد والاستراتيجية الوطنية حققت 80% من أهدافها    أداء إيجابي ببورصة الدار البيضاء    برقية تعزية ومواساة من الملك إلى خادم الحرمين الشريفين إثر وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود    ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين: المغرب يعتمد خيارا واضحا لتدبير إنساني للحدود    الوداد يعزز صفوفه بالحارس مهدي بنعبيد    أمر تنفيذي من "ترامب" ضد الطلاب الأجانب الذين احتجوا مناصرة لفلسطين    إطلاق النسخة الأولى من مهرجان "ألوان الشرق" في تاوريرت    بلاغ من طرق السيارة يهم السائقين    الملك يهنئ العاهل فيليبي السادس    قتلى في اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية قرب واشنطن    مقتل "حارق القرآتن الكريم" رميا بالرصاص في السويد    عاجل.. الوزير السابق مبديع يُجري عملية جراحية "خطيرة" والمحكمة تؤجل قضيته    عصام الشرعي مدربا مساعدا لغلاسكو رينجرز الإسكتلندي    قرعة دوري أبطال أوروبا غدا الجمعة.. وصراع ناري محتمل بين الريال والسيتي    ارتفاع مفاجئ وتسجل مستويات قياسية في أسعار البيض    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    المغرب يحقّق أرقامًا قياسية في صادرات عصير البرتقال إلى الاتحاد الأوروبي    الشرع يستقبل أمير قطر في دمشق    ""تويوتا" تتربع على عرش صناعة السيارات العالمية للعام الخامس على التوالي    الاحتياطي الفدرالي الأمريكي يبقي سعر الفائدة دون تغيير    حاجيات الأبناك من السيولة تبلغ 123,9 مليار درهم في 2024    استقرار أسعار الذهب    مع الشّاعر "أدونيس" فى ذكرىَ ميلاده الخامسة والتسعين    أمطار رعدية غزيرة تجتاح مدينة طنجة وتغرق شوارعها    الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة آغام بيرغر    أمير قطر يصل لدمشق في أول زيارة لزعيم دولة منذ سقوط بشار الأسد    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    المغرب التطواني يتعاقد مع مدير رياضي تداركا لشبح السقوط    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    الفنان المغربي علي أبو علي في ذمة الله    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع الشّاعر "أدونيس" فى ذكرىَ ميلاده الخامسة والتسعين
نشر في لكم يوم 30 - 01 - 2025

فى الذكرى الخامسة والتسعين لميلاد الشاعر السوري الذائع الصّيت أحمد سعيد إسبر المعروف باسمه المستعار " "أدونيس" الذي رأى نور الحياة فى فاتح يناير 1930 في قرية قصابين التابعة لمدينة جبلة في سوريا، أعود الزمان القهقرىَ لأشحذ هذه الذاكرة الوهنة عن إسترجاع لقاءات، ومعايشات، وذكريات قيّض الله لي أن أعيشها مع هذا الشّاعرالكبير، والناقد البارز في رُبُوع الأندلس، وعلى وجه التحديد تحت الظلال الوارفة ، والأسوار التاريخية المتآكلة لقصر الحمراء الذي يعتبر من أجمل وأجلّ المآثر والمعالم الأسلامية فى الاندلس ، وذلك على هامش إحدى الدّورات للمهرجان العالمي للشّعر الذي يُنظّم كلّ عام بمدينة غرناطة الفيحاء، فأقول :
شمسَ العشيّ فى قصر الحمراء..!
ونحن جُلوسٌ، والشّفقُ الغرناطيُّ البهيج الذي ليس له نظير يُعلنُ انصرام يوم، وانسدال ستائر الليل الجميل في تؤدةٍ، وتأنٍّ، ورفقٍ، وهدوء على جدران ومرتفعات، وآكام، وأسوار قصر الحمراء، فإذا بصوتٍ شاعريٍّ رخيم يُسمعُ من بعيد، من وراء الأفق الأحمر القاني يترجّى الشمسَ المائلة نحو المَغيب بالتأنّي في اختفائها مُغنّياً صادحاً لها : "يا شمسَ العشيّة .. أمهلْ لا تغبْ بالله رِفْقَا / هيّجْتِ ما بِيَّا.. حتىّ زدتني في القلب شوقَا / ترفّق عليّا.. إني بالمليح قد زِدتُ عِشقَا". وفي تلك اللحظة أيضاً، في مدينة السّحر، والعطر، والصَّبا، والصّبابة والصّبايا، والجمال، رمقنا طيفَ هيدب الشاعر ابن سهل الإشبيلي الأندلسي وهو يشرئبّ بعنقه، ويطلّ علينا بهامته في رفق من على أكمة الحمراء ويقرأ علينا تحيّة الأصيل.
مدينة غرناطة قصيدة كبرىَ
لا شكّ أن غرناطة مدينة تُسحر أدونيس، فهو المتيّم العاشق الهائم الأبديّ الولهان بإسبانيا حبّاً وصبابةً، وهوىً وجوىً. قال ذات مساء بمحضرنا الشاعر الكوري كيم كيدونغ: "إن مدينة غرناطة قصيدة كبرى"، ويعود أدونيس ليؤكّد من جهته وسواه من الشّعراء في الماضي والحاضر والآتي أن غرناطة هي حاضرة الشّعر، والأدب، والإبداع بدون منازع في إسبانيا، كلّ ركن من أركان هذه الحاضرة يبدو وكأنّه عالم سحري رومانسي حالم، حافل بالأساطير والخيال، يفوح بعطر الشّعر،ونفحات الشرق، وعبق التاريخ، فقد كانت هناك دائماً صلة وثقى، وآصرة لا انفصام لها بين هذه المدينة وبين الشعر، وقصر الحمراء، وجنّة العريف، وحيّ البيّازين، وفيدريكو غارسيا لوركا، وابن زمرك، وابن الجيّاب، ولسان الدين ابن الخطيب، وابن سهل الإشبيلي..كلّ أولئك وسواهم يشهدون ويؤكّدون هذه الحقيقة، ناهيك عن ماضي المدينة الزّاهر إبّان الوجود العربي والأمازيغي بها، حيث ازدهرت مختلف أنواع العلوم والمعارف، وفنون القول والإبداع وفي مقدّمتها الشّعر والموسيقى، وها هي ذي جدران الحمراء تقف شامخةً شاهدةً على ذلك، إنّها تحفل بالعديد من القصائد الشّعرية الرقيقة لشعراء أندلسيّين مُجيدين، الذين نُقشت أشعارُهم على جدران هذه المعلمة الحضارية والعمرانية الرائعة، أو علّقت كما كانت تعلّق قديماً قصائد أصحاب المعلّقات أو المذهّبات على جدران الكعبة، قصائد شعرائنا الأندلسيّين ما زالت موجودة إلى يومنا هذا ماثلة أمامنا وأمام الفيض الهائل والكبير من الزوّار الذين يتقاطرون على قصر "الحمراء" كلّ يوم من كلّ صوب وحدب، من مختلف أرجاء المعمور .
وغيرُ بعيدٍ عن الحمراء بالقرب من المكان الذي اغتيل فيه زنبقة الشعر الإسباني فيدريكو غارسيا لوركا، وكذا في منزله، ما فتئت تُنظّم قراءات شعرية،ولقاءات حميميّة، وعروض موسيقية على امتداد الحوْل تقديراً للشّعر ولعبقرية هذا الشاعر، ألم يكن هاجس الموت في شعره قويّاً زخماً؟ أليس هو القائل: أصوات الموت دقّت / بالقرب من الوادي الكبير / أصواتٌ قديمة طوّقت / صوتَ القرنفل الرجولي / ومات على جنب.
لغة الضّاد ولغة سيرفانطيس كائنان متعانقان
عندما ألقتْ الشاعرة الإسبانية راكيل لانسيرُوس–ضمن فعاليات المهرجان التاسع العالمي للشّعر الآنف الذّكر– على أدونيس جملةً من الأسئلة حول مختلف المجالات التي لها صلة بالشعر، والإبداع على وجه العموم، وبعض مشاغل واهتمامات حياتنا المعاصرة في العالم العربي بوجه خاص، قال الشاعر أدونيس متحدّثاً بلغة مُوليير مخاطباً الحضور: "كان بودّى أن أتحدّث إليكم باللغة العربيّة، وليس باللغة الفرنسيّة، لأنّ العربيّة أعطت الكثير للّغة الإسبانية وهما اليوم كائنان متعانقان ، كما أن الشعراء العرب تعلّموا الكثير من الأندلس التي نحبّها كثيراً".
وجّه أدونيس في مستهلّ كلامه تحيّة حرّى إلى جميع الشعراء في إسبانيا والعالم، ثمّ قال بالحرف : "لا السياسة، ولا التجارة تعبّران عن هويّة شعب، فالذي يعبّر تعبيراً حقيقياً عن هويّة شعب هو الخلق والإبداع، والقصيدة هي أسمى وسائل التعبير في مختلف الميادين، وهي أعلى مراتب الإبداع، هناك أناس يكتفون بالنظر إلى العالم، وهناك أناس آخرون وهم الشعراء يذهبون إلى أبعد من ذلك، إنّهم يحاولون الدخول في عقول القرّاء، ويعملون على تحويل العالم إلى مكان أكثرَ أمناً وجمالاً وشاعرية. وينبغي على الشاعر أن يكون شاهداً على ما هو حقيقي أو مخادع، ومن ثمّ يأتي اهتمامه بالكائن البشرى".
ويرى أدونيس أن "الشعر يتخطّى الكلمات، وهو ضربٌ من ضروب الوجود، ذلك أن دَور الشاعر هو الكفاح الدائم، ودعم الثورات الحقيقية". وقال إنّه لم يُسهم بمفرده في تطوير الشّعر العربي-كما ذهبت الشّاعرة الإسبانية راكيل لانسيرُوس عند تقديمه له -بل كان هناك شعراء كبار كثيرون تعلّم منهم، فقد رافقه شعراء آخرون قبله وبعده أسهموا جميعاً في تطوير الشّعر العربي الحديث.
وأضاف أدونيس أن الشّعر بالنسبة إليه "هو الحبّ، وهو أبعد من الكلمات والتعبير"، مذكّراً أنّه يكتب ليعيشَ أحسن، وليتفاهمَ أكثر ولكي يفهمَ الآخرين والعالمَ الذي نعيش فيه، وهو لا يستطيع العيش بدون شعر، والخلق أو الإبداع عنده "هو التعبير عن مختلف ميادين الأدب، والشّعر، والتشكيل، والموسيقى، الإبداع هو التغيير وإعطاء صورة جديدة للعالم، هو إعطاء صورة جديدة للكلمات"، معتبراً أنه "ينبغي لنا تغيير العلاقات بين العالم وبين النصّ والشّعراء والإبداع في جميع الميادين، والقصيدة ليست إنتاجاً، التصنيع هو إنتاج، والإبداع هو الشّعر، والشّعر رحلة جوّانية للبحث عن صورةٍ أكثرَ إنسانية وشمولية للعالم الذي يحيط بنا".
الصّداقة والصّديق
وذكّر أدونيس الحاضرين إنه هاجر عام 1956 من بلده سوريا، وهو يقيم في فرنسا منذ أوائل الثمانينات، وهو ضدّ الأيديولوجيّات التي تستأثر بالسلطة، ولا تهتمّ بتغيير المجتمع، و"السّلطة الحقيقية هي التي تغيّر المجتمع ومؤسّساته لتصبحَ أكثرَ عدالة وأكثر حريّة".
وتحدّث أدونيس عن فصل الدّين والدولة، وأشار إلى أن "الإسلام عقيدة وثقافة، ولا ينبغي أن يُستعمل لأهداف سياسية"، وأنه يتفهّم الحركات التي عرفها العالم العربي، وأن "الشباب العربي قام بحركة رائعة، وعلى الرّغم من العراقيل فإنّ هذا الشباب سيستمرّ في هذه الثورة".
وقال: "ينبغي على الشّعراء والكتّاب أن يقفوا إلى جانب المقهورين"، وإنه "ضدّ التدخل الأجنبي والأمريكي على وجه الخصوص، وهذا التدخل لا يمكن أن يفضي سوى إلى العنف"، وضرب أدونيس مثالاً بالأوضاع المعاشة حالياً فى العالم العربي، وقال: " أن الغرب يتظاهر بأنه يدافع عن حقوق الإنسان، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن يبدأ بسوريا"، مضيفا أن "الشعب الفلسطيني الذي طرد من أرضه منذ ما ينيف عن نصف قرن لا يقول عنه الغربُ شيئاً، ولا يفعل شيئاً للدّفاع عن الحقوق المهضومة لهذا الشّعب". وتابع أدونيس في هذا السياق بأن "الغربَ لا يدافع عن حقوق الإنسان بقدر ما يدافع عن مصالحه الاستراتيجية، وعن البترول، والغاز، والطاقة"، ودافع عن حرية المرأة، وقال: "لا يمكن أن يكون هناك مجتمع حرّ بدون حريّة المرأة".
وعاد أدونيس بعد ذلك إلى الشّعر، فقال: "الشّعر تقليد مشترك بيننا وبين الإسبان"، وهو يشعر بأن فيديريكو غارسيا لوركا وسائر الشّعراء الإسبان هم عرب، مثلما يشعر هو بأنّه شاعر إسباني، موردا أن "الشعر يمحي ويُزيل الحدود بيننا"، واستشهد بأبي حيّان التوحيدي صاحب ( الصداقة والصديق) "الذي كان يقول : إنّ الصّديق هو الآخر، وهذا الآخر هو أنت نفسك، وهكذا يغدو الآخر عنصراً مُكوِّناً أو مُؤسِّساً للأنا، والشّعر هو الذي يلقّننا ذلك ويقودنا إليه".
الشّعر أرقى الفنون
وحسب أدونيس فأن "الرّوائييّن ليس لهم أيّ تأثير كبير في المجتمع المعاصر، حتى وإن كان لهم قرّاء أكثر ممّا لدى الشعراء، فالروائيّون يمرّون في عقل القارئ بطريقة أفقيّة وسطحيّة، وهم يؤثّرون في القرّاء المستهلكين، أمّا الشعراء فإنهم يؤثّرون في القرّاء المبدعين، فسرد العالم يعني نسخه، وإذا كنّا ما نقوم به هو استنساخ الحياة، فإننا لا نقوم بأيِّ شيء حقيقيّ، فالفنّ والإبداع ينبغي لهما خلق طاقة منتجة، والشّعر يتميّز برؤيا خاصّة وشاعرية نحو العالم، وهو أرقى أنواع الفنون التعبيرية ".
وعندما سئل أدونيس عن دور الشعر في المجتمع المعاصر، قال: "الآن يبدو أنه لم يعد للفلاسفة والعلماء ما يقولونه، ولكنّ الشّعراء نعم". ويرى كذلك أن "الشعر لا ينطوي على جانب علمي، ولهذا فقد لا يكون في مقدوره تغيير العالم، إلاّ أنه يمكنه تغيير رؤية الإنسان حيالَ هذا العالم، ونوعية علاقاته مع الآخرين".
وأبرز أدونيس أن علاقته بالشّعر هي أكثر غنىً وثراءً الآن ممّا كانت عليه عندما بدأ ينظم الشعر منذ سنوات بعيدة خلت، وطالب بمزيد من الحوار البنّاء، والتفاهم المتبادل، وقال إن لديه الثقة الكاملة في الطاقات البشرية المتوفّرة في حوض المتوسّط شريطة ألّا نظل حبيسي التجارة والعسكرة، مضيفا أنه "يبدو للناس أن هناك ثقافة متوسطية واحدة، ولكن هذا ليس صحيحاً، فالمتوسط يقدّم لنا ثراءً، وتنوّعاً رائعين، ولهذا ينبغي لنا أن نهتدى لإيجاد طريقٍ للتفاهم والحوار".
مأساة المهاجرين
من جهة أخرى، كان الشاعر أدونيس قد قال عمّا أطلق عليه ب"الربيع العربي" لإحدى الجرائد الإسبانية الكبرى (الباييس) التي تعتبر من أوسع الجرائد الإسبانية إنتشاراً : "لقد كتبتُ الكثير حول هذا الموضوع، لقد انتهى كلّ شيء، وتحوّل إلى نزاع دولي بعد أن تجاوز العنف سوريا بشكل كبير".
وقال "إنّه عندما يرى آلاف الأشخاص من المهاجرين واللاّجئين في الطرقات الأوروبيّة بحثاً عن ملجأ وهم يُسامون سوء المعاملة من طرف الأوربييّن الذين يتردّدون في قبولهم، بل هناك من يرفضهم رفضاً تامّاً وهو يشعرحيال ذلك بأننا أمام مأساة حقيقية. "وكان أدونيس قد وجّه تحيّة إلى ألمانيا التي قال عنها: "إنها كانت من أكثر الأقطار الأوروبية كرماً، حتى وإن لم تكن قد استعمرت البلدان العربية، وأمّا الدّول التي استعمرت البدان العربية مثل المملكة المتحدة، وفرنسا، وبلجيكا، وإيطاليا، فقد كانت أقلّ كرماً من ألمانيا".
وهو يرى أن "الثقافة شيء ينقص العرب، كما ينقصهم العمل كذلك، فالبطالة تعتبر مشكلة كبرى، فضلاً عن المشاكل الاجتماعية، والقبلية، والاعتقاد، والروابط الأسرية والعِرقية، كلّ هذه العناصر ما زالت هناك"، مضيفا: "إننا لم نتمكّن من إيجاد الحلول بعد لأيِّ شيء، لأننا لم نتمكّن من فصل الدّين عن الدّولة، وثقافتنا ما زالت قبلية وقديمة".
أدونيس يخاطب السّويديّين!
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن كتابٍ لأدونيس المثير للجدل (العنف في الإسلام) عندما صدرت طبعتُه السّويدية في ستوكهولم استُقبِل في البلد المُنظّم والمَانح لجائزة نوبل العالمية-التي رُشِّح لها أدونيس مرّاتٍ ومرّات عديدة -بغيرِ قليلٍ من عدم الحفاوة والترحاب، فقد كتب الأستاذ"ريكارد لاغرفال" المتخصّص في علم الإسلاميات بجامعة لوند عن كتاب أدونيس مقالاً نقدياً لاذعاً بعيداً عن أيّ إطراء، يقول فيه :" إن أدونيس يقرّر في كتابه أنه "لا ابن رشد، ولا ابن سينا، ولا الرّاوندي كانوا مسلمين بالمعنى الحقيقي".
ويضيف أنه "لم يوجد في أيّ وقتٍ شاعر عربي كبير، ولا متصوّف، ولا فيلسوف مسلم صادق الإيمان، حيث أنهم اتّسموا-في نظره-برفض الشّريعة".
ويشيرالبروفيسور ريكارد لاغرفال إلى أن ذلك يمكن أن ينطبق على الفيلسوف الراوندي الذي رُمي بالإلحاد، علماً أن معظم أفكاره كانت قد روّجتها كتبُ خصومه والمناوئين له. كما اتّسمت آراء أدونيس في نفس السّياق بنوعٍ من المبالغة، والمغالاة حيال هؤلاء المفكرين المسلمين آنفي الذّكر، مُضافاً إليهم صاحب "الفتوحات المكية" الصّوفي الشّهير ابن عربي المُرسي (نسبة إلى مدينة مُرسية الإسبانية) وسواهم.
ويعيب الأستاذ ريكارد لاغرفال على أدونيس كونه لم يتعرّض في كتابه لموضوع حرية المرأة، ولا إلى نضالها في مختلف بلدان المشرق العربي ومغربه . كما أنه لا يتعرّض بتاتاً للنقاشات حامية الوطيس التي دارت رحاها حول هذا الشأن خلال القرون أو بالأحرى العقود الأخيرة التي خلت.
ويشير عالم الإسلاميات لاغرفال في ذيل مقالته إلى أن أدونيس عندما يتحدث عن التاريخ كشاعر يكون في وضعٍ مريح، إلاّ أنه عندما ينأى عن المجال الشعري يغدو عكس ذلك.
ألف تحيّة لك أيّها الشاعر المُعنّى ، من نفس المكان، من جانب جدع الدّوحة العظيمة التي حَنَتْ علينا ذات أمسية قائظة، واستمتعنا بظلالها الوارفة، وصدّت عنّا الشمسَ أنّىَ واجهتنا، وحَجبتها وأذنت لنا بالنّسيم، من على عتبات طلائع الأدراج والسّلالم المُؤدية والمُفضية إلى قصر الحمراء الأسطوريّ، وصوت ابن سهل الإشبيلي العذب الرّخيم ما انفكّ يدغدغ آذاننا، ويُشنّف أسماعنا في الأفق البعيد صادحاً، شادياً، جذلاً ومُغنّياً:
كيف خلاص القلب من شاعرٍ / رقتْ مَعانِيه عن النقدِ
يَصغرُ نثرُ الدرّ من نثرِه / ونظمُه جلَّ عن العقدِ
وشِعرُه الطائلُ في حُسْنه / طالَ على النابغة الجعديِ.
كاتب،وباحث، ومترجم من المغرب عضو الأكاديمية الإسبانية–الأمريكية للآداب والعلوم-بوغوطا-كولومبيا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.