نظام تبون يعيش العزلة.. الجزائر تغلق مجالها الجوي أمام مالي    الصحراء المغربية.. حزب "القوة الشعبية" البيروفي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمملكة ولسيادتها على كامل ترابها    CNSS: الاستفادة من معاش الشيخوخة ابتداء من فاتح ماي 2025    بنعلي يؤكد بطلان رقم "13 مليار درهم" المروج حول دعم استيراد الأضاحي    الصحافة الإسبانية تكشف مستجدات نفق المخدرات بسبتة المحتلة    بعد تسريب الممنوعات في عيد الفطر.. المندوبية العامة للسجون تتوعد باتخاذ إجراءات صارمة لحماية المؤسسات السجنية    «نفس الله» عمل روائي لعبد السلام بوطيب .. رحلة عميقة في متاهات الذاكرة والنسيان    السلطات الصحية البريطانية تحقق في إصابة بفيروس (إمبوكس) غير معروفة الأسباب    موكوينا يتشبث بمنصبه كمدرب للوداد    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على انخفاض حاد    النشاط الصناعي.. بنك المغرب: ركود في الإنتاج وارتفاع في المبيعات خلال فبراير 2025    "من أجل غزة".. صوت التلاميذ والطلبة المغاربة يصدح ضد الإبادة والتطبيع    يحتضنه المغرب في سابقة بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط .. ندوة تقديمية للمنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا اليوم بالرباط    موسم أصيلة الثقافي الدولي 46 في دورته الربيعية    دول الساحل تتهم الجزائر برعاية الإرهاب.. والجزائر ترفض "الادعاءات الباطلة"    مضاعفات الحمل والولادة تؤدي إلى وفاة امرأة كل دقيقتين    أصغر من حبة الأرز.. جيل جديد من أجهزة تنظيم ضربات القلب يذوب في الجسم    "الإبادة في غزة" تطارد إسرائيل.. طرد سفيرها من مؤتمر إفريقي    وزارة الصحة المغربية تُخلّد اليوم العالمي للصحة وتطلق حملة للتحسيس بأهمية زيارات تتبع الحمل    أزيد من 700 عارض خلال الدورة ال30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    وزارة العلاقات مع البرلمان تقدم الدليل المرجعي للمستشارين في الشؤون البرلمانية    المنتزه الوطني للحسيمة .. الذئب الذهبي الإفريقي مفترس يضبط التوازن البيئي    الذهب يهبط لأدنى مستوى    ولد الرشيد يؤكد أن الأمم المتحدة "الإطار الشرعي الوحيد" لمعالجة النزاع حول الصحراء المغربية    الفرحة تعود لمنزل سلطان الطرب جورج وسوف (صور)    المعارضة تدعو لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن دعم استيراد المواشي والأبقار بمليارات الدراهم    النيابة العامة بابتدائية الرباط: منع المعطي منجب من السفر يدخل ضمن مسطرة قضائية جارية بشأن شبهة غسل أموال    بعد طردها من مايكروسوفت…ابتهال المغربية تتوصل بعرض عمل من ملياردير كويتي    الدكتورة غزلان توضح ل "رسالة 24": الفرق بين الحساسية الموسمية والحساسية المزمنة    الاستفادة من معاش الشيخوخة ابتداء من فاتح ماي 2025 (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي)    تعزيز الشراكة العسكرية بين المغرب والناتو: زيارة وفد بحري رفيع المستوى إلى المملكة    أوزود تستعد لإطلاق النسخة الأولى من "الترايل الدولي" الأحد المقبل    علوم اجتماعية تحت الطلب    مزراوي يحظى بإشادة جماهير مانشستر يونايتد    مبابي: "أفضل الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا على أن الكرة الذهبية"    أمن إنزكان يوقف شاباً ألحق خسائر بممتلكات الغير    أغنية "تماسيح" جديد الشاب بلال تحتل المرتبة العاشرة في "الطوندونس" المغربي    النيابة العامة تتحدث عن مسطرة قضائية جديدة في مواجهة المعطي منجب أدت إلى منعه من السفر    تراجع طفيف في سعر الغازوال والإبقاء على ثمن البنزين في 13,05 درهما    انهيار في مداولات البورصات الأوروبية بعد تراجع كبير في البورصات الآسيوية والخليجية الأحد    كأس إفريقيا للأمم لأقل من 17 سنة: المنتخب الوطني يتأهل لدور الربع بتغلبه على نظيره التنزاني    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    مهمّة حاسمة للركراكي.. جولة أوروبية لتفقد مواهب المهجر استعداداً لتعزيز صفوف المنتخب    "الاثنين الأسود".. حرب الرسوم الجمركية تُفقد بورصة وول ستريت 5 تريليونات دولار    طقس الإثنين .. أجواء قليلة السحب مع تشكل كتل ضبابية    الرئيس البرازيلي السابق "بولسونارو" يتظاهر في الشارع    القاهرة ترفع ستار مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة    المغرب.. قوة معدنية صاعدة تفتح شهية المستثمرين الأجانب    ابتهال أبو السعد.. مهندسة مغربية تهز العالم بشجاعتها وتنتصر لفلسطين    ماراثون مكناس الدولي "الأبواب العتيقة" ينعقد في ماي المقبل    الولايات المتحدة الأمريكية تحظر منتوج ملاحة في كوريا    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع أدُونيس فى رُبُوع الأندلس
نشر في هسبريس يوم 09 - 10 - 2016

خلال أحد لقاءاتي بالشّاعرالسّوري علي أحمد سعيد إسبر ( أدونيس ) على هامش ملتقى إحدى الدّورات الأخيرة للمهرجان العالمي للشّعر الذي يُنظّم كلّ عام بمدينة غرناطة الجميلة، ونحن جلوسٌ، والشّفقُ الغرناطيُّ البهيج الذي ليس له نظير يُعلنُ إنصرام يوم، وإنسدال ستائر الليل الجميل فى تؤدةٍ، وتأنٍّ، ورفقٍ، وهدوء على جدران ومرتفعات، وآكام قصرالحمراء ، فإذا بصوتٍ شاعريٍّ رخيم يُسمع من بعيد، من وراء الأفق الأحمر القاني البعيد يترجّى الشمسَ المائلة نحو المَغيب صادحاً "يا شمسَ العشية أمهلْ لا تغيبي بالله رِفْقَا / هيّجتِ ما بيَ حتىّ زدتني في القلب شوقَا / ترفّق عليّ إني بالمليح قد زِدتُ عِشقَا ".. و فى تلك اللحظة أيضاً، فى مدينة السّحر، والعطر،والصَّبا، والصّبايا، والجمال، رمقنا طيفَ إبن سهل الإشبيلي الأندلسي وهو يشرئبّ بعنقه ، ويطلّ علينا بهامته من على أكمة الحمراء، ولسانُ حاله يقول :
كيف خلاص القلب من شاعرٍ / رقت معانيه عن النقدِ
يَصغر نثر الدرّ من نثره / ونظمه جلّ عن العقدِ
وشعرُه الطائلُ فى حُسنه / طالَ على النابغة الجعدي
لا جَرَمَ أنّ غرناطة مدينة سحرتْ أدونيس ، وهام بإسبانيا حبّاً وصبابةً، و هوىً وجوىً. قال الشاعر الكوري " كيم كيدونغ" على لسانه : " إن مدينة غرناطة قصيدة كبرى"، ويؤكّد " أدونيس" من جهته وسواه من الشّعراء فى الماضي والحاضر والآتي أنّ غرناطة هي حاضرة الشّعر والأدب والإبداع بدون منازع فى إسبانيا، كلّ ركن من أركان هذه المدينة يبدو وكأنّه عالم سحري رومانتيكي حالم، حافل بالأساطير والخيال ، يفوح بعطر الشّعر، وعبق التاريخ ،فقد كانت هناك دائماً صلة وثقى، وآصرة لا إنفصام لها بين هذه المدينة وبين الشعر،وقصر الحمراء ،وجنّة العريف، وحيّ البيّازين، وفيدريكوغارسيا لوركا من العلامات البارزة التي تؤكّد هذه الحقيقة، ناهيك عن ماضي المدينة الزّاهر إبّان الوجود العربي والأمازيغي بها، حيث إزدهرت مختلف أنواع العلوم والمعارف ، وفنون القول والإبداع وفي مقدّمتها الشّعر والموسيقى ، وها هي ذي جدران الحمراء تقف شامخة شاهدة على ذلك، إنّها تحفل بالعديد من القصائد الشّعرية الرقيقة ، لإبن زمرك، وإبن الجيّاب، ولسان الدين ابن الخطيب، وابن سهل الإشبيلي وسواهم من الشّعراء الأندلسيّين المُجيدين، الذين نُقشت أشعارُهم على جدران هذه المعلمة الحضارية والعمرانية الرائعة، أو علّقت كما كانت تعلّق قديماً قصائد أصحاب المعلّقات أوالمذهّبات على الكعبة، وقصائد شعرائنا الأندلسيّين ما زالت موجودة إلى يومنا هذا ماثلة أمامنا وأمام الفيض الهائل والكبيرمن الزوّار الذين يتقاطرون على "الحمراء" كلّ يوم من كلّ صوب وحدب، من مختلف أصقاع العالم. وفى نفس المكان الذى اغتيل فيه زنبقة الشعر الإسباني فيدريكوغارسيا لوركا ، وكذا فى منزله ما فتئت تُنظّم قراءات شعرية، وعروض موسيقية على إمتداد الحول تقديراً للشّعر ولعبقرية هذا الشاعر ، ألم يكن هاجس الموت فى شعره قويّاً زخماً؟ أليس هو القائل: أصوات الموت دقّت / بالقرب من الوادي الكبير / أصوات قديمة طوّقت / صوتَ القرنفل الرجولي / ومات على جنب.
العربيّة ولّغة سيرفانطيس
عندما ألقتْ عليه الشاعرة الإسبانية " راكيل لانسيروس " - ضمن فعاليات المهرجان التاسع العالمي للشّعر بنفس المدينة الآنفة الذّكر – جملةً من الأسئلة حول مختلف المجالات التى لها صلة بالشعر، والإبداع على وجه العموم، وبعض مشاغل وإهتمامات حياتنا المعاصرة فى العالم العربي بوجه خاص، قال الشاعرأدونيس متحدّثاً بلغة "مُوليير" مخاطباً الحضور :" كان بودّى أن أتحدّث إليكم باللغة العربيّة ،وليس باللغة الفرنسيّة، لأنّ العربيّة أعطت الكثير للّغة الإسبانية، كما أنّ الشعراء العرب تعلّموا الكثير من الأندلس التي نحبّها كثيراً ".
وجّه أدونيس فى مستهلّ كلامه تحيّة حرّى إلى جميع الشعراء فى إسبانيا والعالم . ثمّ قال : لا السياسة ، ولا التجارة تعبّران عن هويّة شعب، فالذي يعبّر تعبيراً حقيقياً عن هويّة شعب هو الخلق والإبداع،والقصيدة هي أسمى وسائل التعبير في مختلف الميادين ، وهي أعلى مراتب الإبداع، هناك أناس يكتفون بالنظر الى العالم،وهناك أناس آخرون وهم الشعراء يذهبون الى أبعد من ذلك ،إنّهم يحاولون الدخول في عقول القرّاء، ويعملون على تحويل العالم الى مكان أكثرَ أمناً وشاعرية . وينبغي على الشاعر أن يكون شاهداً على ما هو حقيقي أومخادع، ومن ثمّ يأتي إهتمامه بالكائن البشرى"،ويرى أدونيس : " أنّ الشعر يتخطّى الكلمات ،وهو ضربٌ من ضروب الوجود ،ذلك أنّ دَور الشاعر هو الكفاح الدائم، ودعم الثورات الحقيقية". وقال:" إنّه لم يُسهم بمفرده فى تطوير الشّعرالعربي- كما ذهبت الشّاعرة الإسبانية راكيل لانسيروس- بل كان هناك شعراء كبار كثيرون تعلّم منهم ،فقد رافقه شعراء آخرون قبله وبعده الذين أسهموا جميعاً في تطوير الشّعر العربي الحديث" . وقال:" إنّ الشّعر بالنسبة له هو الحبّ، وهو أبعد من الكلمات والتعبير" ،وقال أدونيس :" إنّه يكتب ليعيشَ أحسن، وليتفاهمَ أكثر ولكي يفهمَ الآخرين والعالمَ الذي نعيش فيه، وهو لا يستطيع العيش بدون شعر، والخلق أو الإبداع عنده هوالتعبيرعن مختلف ميادين الأدب، والشّعر، والتشكيل، والموسيقى، الإبداع هو التغيير وإعطاء صورة جديدة للعالم ، هو إعطاء صورة جديدة للكلمات" ، وقال :" ينبغي لنا تغيير العلاقات بين العالم وبين النصّ والشّعراء والإبداع في جميع الميادين ، والقصيدة ليست إنتاجاً ، التصنيع هو إنتاج، والإبداع هو الشّعر، والشّعر رحلة جوّانية للبحث عن صورةٍ أكثرَ إنسانية للعالم الذي يحيط بنا ".
أدونيس والصّداقة والصّديق
وقال أدونيس:" إنه هاجر عام 1956 من بلده سورية، وهو يقيم في فرنسا منذ أوائل الثمانينات، وهو ضدّ الأيديوجيّات التي تستأثر بالسلطة،ولا تهتمّ بتغيير المجتمع ، والسّلطة الحقيقية هي التي تغيّر المجتمع ومؤسّساته لتصبحَ أكثرَ عدالة وأكثر حريّة"،وتحدّث أدونيس عن فصل الدين والدولة ،وأشار:" أنّ الإسلام عقيدة وثقافة، ولا ينبغي أن يُستعمل لأهداف سياسية، وهو يتفهّم الحركات التي عرفها العالم العربي، وأن الشباب العربي قام بحركة رائعة ،وعلى الرّغم من العراقيل فإنّ هذا الشباب سيستمرّ في هذه الثورة" . وقال :" ينبغي على الشّعراء والكتّاب أن يقفوا إلى جانب المقهورين، وهو ضدّ التدخل الأجنبي والأمريكي على وجه الخصوص، وأنّ هذا التدخل لا يمكن أن يفضي سوي إلى العنف"، وضرب أدونيس مثالاً بالأوضاع المعاشة حالياً فى بالعراق،واليمن، وليبيا وتونس ، وقال :"انه ينبغي لنا أن ننتظر حتى نرى ما ستؤول إليه الأوضاع في العالم العربي "، وقال:" إنّ الغرب يتظاهر أنه يدافع عن حقوق الإنسان، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي ان يبدأ بسورية" ، وقال " إنّ الشعب الفلسطيني الذي طرد من أرضه منذ خمسين عاماً لا يقول عنه الغربُ شيئاً، ولا يفعل شيئاً للدّفاع عن الحقوق المهضومة لهذا الشّعب" . وأضاف أدونيس فى هذا السياق : " إنّ الغربَ لا يدافع عن حقوق الإنسان بقدر ما يدافع عن مصالحه الإستراتيجية، وعن البترول، والغاز، والطاقة"، ودافع أدونيس عن حرية المرأة ،وقال لا يمكن أن يكون هناك مجتمع حرّ بدون حريّة المرأة.
وعاد بعد ذلك أدونيس إلى الشّعر ،فقال : " إنّ الشّعر تقليد مشترك بيننا وبين الإسبان، وهو يشعر أنّ فيديريكو غارسيا لوركا، وسائرالشّعراء الاسبان هم عرب ، مثلما يشعر هو بأنّه شاعر إسباني، وقال إنّ الشعر يمحي ويُزيل الحدود بيننا، وإستشهد أدونيس ب "التوحيدي" الذي كان يقول الصّديق هو الآخر، وهذا الآخر هو أنت نفسك، وهكذا يغدو الآخر عنصراً مُكوِّناً أو مُؤسِّساً للأنا، والشّعر هو الذي يلقّننا ذلك ويقودنا إليه".
الشّعر.. الأكثر تأثيراً فى وجدان العالم !
ويرى أدونيس : أنّ الرّوائييّن ليس لهم أيّ تأثير كبير في المجتمع المعاصر، حتى وإن كان لهم قرّاء أكثر ممّا لدى الشعراء ، فالروائيّون يمرّون فى عقل أيّ إنسان بطريقة أفقيّة وسطحيّة، وهم يؤثّرون في القرّاء المستهلكين ، أمّا الشعراء فإنهم يؤثّرون في القرّاءالمبدعين ، فسرد العالم يعني نسخه ، وإذا كنّا ما نقوم به هو إستنساخ الحياة ، فإننا لا نقوم بأيِّ شئٍ حقيقيّ، فالفنّ والإبداع ينبغي لهما خلق طاقة منتجة ، والشّعر يتميّز برؤيا خاصّة وشاعرية نحو لعالم.
وعندما سئل أدونيس عن دور الشعر في المجتمع المعاصر، قال :" الآن يبدو أنه لم يعد للفلاسفة والعلماء ما يقولونه ،ولكنّ الشّعراء نعم "، ويرى كذلك أنّ الشعر لا ينطوي على جانب علمي، ولهذا فقد لا يكون فى مقدوره تغيير العالم، إلاّ أنه يمكنه تغيير رؤية الإنسان حيالَ هذا العالم ، ونوعية علاقاته مع الآخرين".
وقال :" إنّ علاقته بالشّعر هي أكثر غنىً وثراءً الآن ممّا كانت عليه عندما بدأ ينظم الشعر منذ سنوات بعيدة خلت، وطالب أدونيس بمزيد من الحوار البنّاء، والتفاهم المتبادل، وقال إنّ لديه الثقة الكاملة فى الطاقات البشرية المتوفّرة في حوض المتوسّط شريطة ألّا نظل حبيسي التجارة والعسكرة ، وقال يبدو للناس أنّ هناك ثقافة متوسطية واحدة، ولكن هذا ليس صحيحاً ، فالمتوسط يقدّم لنا ثراءً، وتنوّعاً رائعين، ولهذا ينبغي لنا أن نهتدى لإيجاد طريقٍ للتفاهم والحوار".
المهاجرون واللاّجئون مأساة حقيقية
وكان الشاعر أدونيس من جهة أخرى قد قال مؤخراً عمّا أطلق عليه ب "الربيع العربي" لإحدى الجرائد الإسبانية الكبرى (الباييس) :" لقد كتبتُ الكثير حول هذا الموضوع، لقد إنتهى كلّ شئ، وتحوّل إلى نزاع دولي بعد أن تجاوز العنف سوريا بشكل كبير" . وعن شعوره بعد الأحداث الأخيرة التي عرفها الغرب وبالتحديد فى باريس؟، أشار:" أنّ ذلك كان فظيعاً،وأن الذين قاموا بهذه العمليات كانوا مرتزقة ، فداعش تحارب ومعها أناس من 80 بلداً ،لقد ذبحوا الناس،ووضعوا النساءَ داخل قفص ،وباعوهنّ كما لو كنّ سلعة،هذا شئ رهيب،لقد حطموا أعمالاً كبرى للمعمار والفنون،،ودمّروا ونهبوا المتاحفَ،هذا ليس بثورة، فالثورة ينبغي لها الحفاظ على التاريخ،وعلى الفنون،أيّة ثورة هذه التي دمّرت سوق حلب الذي كان عملاً رائعاً وفريداً..؟ هل فى مقدور ثورة سورية حقيقية تدمير حلب أو تدمر..؟
وقال إنّه عندما يرى آلاف الأشخاص من المهاجرين واللاّجئين فى الطرقات الأوربيّة بحثاً عن ملجأ وهم يُسامون سوء المعاملة من طرف الأوربييّن الذين يتردّدون فى قبولهم- يشعر أننا أمام مأساة حقيقية "،وكان أدونيس قد وجّه تحيّة إلى ألمانيا التي قال عنها :" إنها كانت من أكثر الأقطارالأوربية كرماً ،حتى وإن لم تكن قد إستعمرت البلدان العربية، وأمّا الدّول التي إستعمرت البدان العربية مثل المملكة المتحدة،وفرنسا، وبلجيكا،وإيطاليا، فقد كانت أقلّ كرماً من ألمانيا"، وهو يرى أنّ الثقافة شئ ينقص العرب، كما ينقصهم العمل كذلك، فالبطالة تعتبر مشكلة كبرى،فضلاً عن المشاكل الإجتماعية ، والقبلية، والإعتقاد، والروابط الأسرية، والعِرقية، كلّ هذه العناصر ما زالت هناك،" وقال :" إننا لم نتمكّن من إيجاد الحلول بعد لأيِّ شئ، لأننا - حسب إعتقاده- لم نتمكّن من فصل الدّين عن الدّولة، وثقافتنا ما زالت قبلية وقديمة ودينية".
أدونيس يُخاطبُ السّويديّين..!
وتجدر الإشارة فى هذا الصدد أنّ أحدثَ كتابٍ لأدونيس المثير للجدل (العنف فى الإسلام) قد صدرت مؤخراٌ طبعتُه السّويدية فى ستوكهولم ، وقد إستُقبِل هذا الكتاب فى البلد المُنظّم والمَانح لجائزة نوبل العالمية - التي رُشِّح لها أدونيس مرّاتٍ ومرّات- إستُقبِل بغيرِ قليلٍ من عدم الحفاوة والترحاب ، فقد كتب الأستاذ المتخصّص فى علم الإسلاميات بجامعة لوند "ريكارد لاغرفال" عن كتابه مقالاً نقدياً لاذعاً بعيداً عن أيّ إطراء .
ويشير هذا العالم أنّ أدونيس يقرّر فى كتابه أنه "لا إبن رشد، ولا إبن سينا، ولا الرّاوندي كانوا مسلمين بالمعنى الحقيقي"، كما يشير أنه لم يوجد في أيّ وقتٍ شاعر عربي كبير، ولا متصوّف، ولا فيلسوف مسلم صادق الإيمان، حيث أنهم إتّسموا - فى نظره- برفض الشريعة. ويشير ريكارد لاغرفال:" أنّ ذلك قد يمكن أن ينطبق على الفيلسوف الراوندي الذي رُمي بالإلحاد ،علماً أنّ معظم أفكاره كانت قد روّجتها كتبُ خصومه ومناوئيه،" كما إتّسمت آراء أدونيس فى نفس السّياق بنوعٍ من المبالغة، والمغالاة حيال هؤلاء المفكرين المسلمين الآنفي الذّكر مُضافاً إليهم صاحب " الفتوحات المكية" الصّوفي الشّهير ابن عربي المُرسي ( نسبة إلى مدينة مرسية الإسبانية) وسواهم. ويعاتب الأستاذ ريكارد لاغرفال على أدونيس كونه لم يتعرّض فى كتابه لموضوع حرية المرأة ،ولا إلى نضالها فى مختلف بلدان المشرق العربي. كما أنه لا يتعرّض بتاتاً للنقاشات الحامية الوطيس التي دارت رحاها حول هذا الشأن خلال القرون أو بالأحرى العقود الأخيرة التي خلت. ويشير عالم الإسلاميات لاغرفال فى ذيل مقالته أنّ أدونيس عندما يتحدث عن التاريخ كشاعر يكون فى وضعٍ مريح، إلاّ أنه عندما ينأى عن المجال الشعري يغدو عكس ذلك .
*عضو الأكاديميّة الإسبانيّة الأمريكيّة للآداب والعلوم - بوغوطا- كولومبيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.