وضع الخطاب الملكي لجلالة الملك محمد السادس الذي ألقاه اليوم السبت بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب، حدا للجدل الذي رافق اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء خلال اللحظات الأخيرة من الفترة الرئاسية للرئيس الجمهوري دونالد ترمب في شهر دجنبر من العام 2020، مباشرة بعد خسارته انتخابات الرئاسة والاستعداد لدخول الديمقراطيين إلى البين الأبيض. الجدل الذي رافق هذا الاعتراف كان يتغيئ أن تغير أمريكا موقفها، لكن بعد مرور أزيد من 18 شهرا عليه، وفي ظل حكم الديمقراطيين، يتناول الملك لأول مرة في إحدى خطبه هذا الأمر بطريقة واضحة عندما قال: عبرت العديد من الدول الوازنة عن دعمها، وتقديرها الإيجابي لمبادرة الحكم الذاتي، في احترام لسيادة المغرب الكاملة على أراضيه، كإطار وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل.
فقد شكل الموقف الثابت للولايات المتحدةالأمريكية حافزا حقيقيا، لا يتغير بتغير الإدارات، ولا يتأثر بالظرفيات.
أهمية الخطاب تكمن أيضا في كون ما قاله جلالة الملك بمثابة رسالة واضحة لكل الأطراف التي كانت تنتظر من أن يقوم الرئيس الأمريكي جو بايدن بتغيير موقف أمريكا والعودة إلى المربع الأول، لكن يبدو أن الحنكة التي يدار بها ملف الصحراء نجح منذ ذلك الوقت في تسجيل مجموعة من النقط في مرمى الخصوم، وهو ما عكسه الخطاب الملكي أيضا الذي ثمن الموقف الواضح والمسؤول للجارة الإسبانية التي قال الملك أنها "تعرف جيدا أصل هذا النزاع وحقيقته"، والذي قال الملك أنه أسس "لمرحلة جديدة من الشراكة المغربية الإسبانية، لا تتأثر بالظروف الإقليمية، ولا بالتطورات السياسية الداخلية".
الصراحة والتوجه مباشرة إلى الأطراف الداعمة لمغربية الصحراء، تعد مسارا جديدا في طريقة تعاطي المغرب مع هذا الملف، خاصة وأنها المرة التي يقوم فيها الملك شخصيا ومن خلال خطاب رسمي بتقديم الحصيلة الشاملة في قضية الوحدة الترابية وأيضا الحديث عن القنصليات التي تم فتحتها في كل من العيون والداخلة خاصة من طرف الدول الإفريقية، فضلا عن المواقف البناء لمجموعة من الدول التي تم ذكرها بالاسم مثل: ألمانيا وهولندا والبرتغال، وصربيا وهنغاريا وقبرص ورومانيا، ودول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وكذا الحديث عن الدعم العربي لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي، ووهي كلها أمور تؤكد أن المغرب أصبح وكما قال الملك، في ذات الخطاب يرى أن ملف الصحراء هو "النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات"، ليطالب ولأول مرة أيضا من بعض الدول التي تعتبر بمثابة شريك تقليدي للمغرب بتوضيح موقفها بخصوص مغربية الصحراء، وهي بمثابة رسالة مشفرة لا يمكن أن تكون موجهة سوى لدول تعرف العلاقات المغربية معها نوعا من البرود والتي وبالرغم من خروج عدد من كبريات الدول بمواقف صريحة وداعمة سواء لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي، لا تزال تلتف حول الموضوع، وبالتالي فإن مطالبة الملك، وإن لم يذكرها بالاسم لها بتوضيح موقفها قد تكون مقدمة لاتخاذ موقف صارم اتجاهها خاصة وأن المغرب لم يعد يقبل أن يتم التعامل معه بمنزلة ما بين المنزلتين.