حاوره: محمد كريم بوخصاص كان بيدنا ملف مليء بالأسئلة وللحصول على الأجوبة كان لابد من الوصول إلى حبوب الشرقاوي الذي تولى قبل ثلاثة أشهر فقط قيادة الذراع القضائي للديستي، والذي تتبع منذ عقد ونصف كل قضايا الإرهاب وكان العقل المشرف على فك شفراتها، حتى بات يوصف ب"العلبة السوداء" للأمن والمخابرات المغربية. لكن المرور إلى الرجل الذي يقود نخبة تابعة لأهم جهاز يحرس مملكة محمد السادس، كان لابد أن يتم عن طريق مديرية مراقبة التراب الوطني، عبر طلب رسمي وجهته "الأيام" إلى الجهة المعنية عبر المديرية العامة للأمن الوطني، فجاء الرد ب"الإيجاب" سريعا وبشكل احترافي. وهي الاحترافية التي رافقت مسار إنجاز هذا الحوار في مقر البسيج الكائن بسلا. كان الملف الذي نحمله آني يتعلق بالوشائج المفترضة بين جبهة البوليساريو والإرهاب والجريمة المنظمة في الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل، فكان هذا الحوار المطول الذي ننشره على أجزاء، قدم فيه حبوب الشرقاوي مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، تفاصيل لأول مرة عن خيوط رفيعة تقود إلى ربط البوليساريو في الإرهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل والصحراء، إضافة إلى إضاءات بخصوص تساؤلات آنية حول عدد من القضايا البالغة الأهمية، مثل التنسيق الأمني مع الجزائر والخلايا الإرهابية، وملف العائدين والعالقين ببؤر التوتر.
هل يوجد ما يثبت ارتباط «البوليساريو» مع جماعات إرهابية تنشط بكثرة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى؟ لقد شكل انتشار السلاح بشكل عشوائي في منطقة الساحل وعدم خضوع مناطق شاسعة من الصحراء الكبرى للمراقبة أوضاعا استغلتها جبهة «البوليساريو»، وتمكن عدد من عناصرها من الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية المتواجدة في المنطقة، والقيام بأنشطة لفائدتها وخدمة أجندة تخريبية من أجل استهداف المملكة. ومن أهم التنظيمات الإرهابية التي التحقت بها عناصر من البوليساريو تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وتنظيم «المرابطون» الإرهابي الذي تأسس إثر اندماج بين حركة «الموقعون بالدم» و»حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا». هناك أيضا تنظيم خطير بالمنطقة، سأتحدث عنه لاحقا بتفصيل، يتزعمه عنصر من «البوليساريو» من مواليد مدينة العيون، وهو الملقب ب»عدنان أبو الوليد الصحراوي»، أسسه في البداية تحت اسم «ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، قبل أن يتحول لاحقا إلى «تنظيم الدولة الإسلامية بالصحراء الكبرى». باختصار، شكلت مخيمات تندوف القريبة من مناطق نشاط الجماعات الإرهابية باستمرار مجالا خصبا للتجنيد، منذ عهد «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية، التي غيرت اسمها لاحقا لتصبح «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، ثم التنظيمات الموالية ل»داعش». ولقد مكن تتبع ما يجري في منطقة الساحل والصحراء وإنجاز المساطر والتحريات من الوقوف على أوجه تواطؤ الكيان الوهمي مع الجماعات المتطرفة النشيطة بالمنطقة، والذي يؤكده تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية التي كان لديها ارتباط بقيادات وعناصر من البوليساريو: أولا: الخلية الإرهابية «فتح الأندلس» التي تم تفكيكها في شهر غشت 2008، وهي موالية لتنظيم «القاعدة» وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وأفضت الأبحاث المنجزة في إطار هذه القضية إلى توقيف عناصر متطرفة كانت تنشط في مدن العيون وطنجة وتطوان ووجدة، كان بعضهم يتوفر على تجربة مهمة في مجال استعمال الأسلحة النارية، وخططوا لتنفيذ هجمات ضد قوات الأممالمتحدة «المينورسو» العاملة بالمنطقة، وإدخال أسلحة نارية انطلاقا من منطقة الساحل، كما تبين أنهم كانوا على علاقة بقيادي في تنظيم «القاعدة» ونشطاء جهاديين بدول أوروبية، وأثبتت التحريات أيضا أن عناصر هذه الخلية عندهم علاقة بجبهة «البوليساريو»، وكانوا يخططون لاستهداف المغرب بتنسيق مع قياديين بالجبهة الوهمية. ثانيا: الخلية الإرهابية «المرابطون الجدد»، تم تفكيكها في شهر ماي 2009، وهي مكونة من مجموعة أشخاص تم توقيفهم في العيون وأكادير ومدن أخرى، خططوا لبسط ما يسمونه «الخلافة» وإسقاط المؤسسات القائمة، وقد حجزت لديهم تسجيلات فيديو تشيد بالأطروحة الانفصالية وتبين ارتباط أعضائها بالكيان الوهمي. ثالثا: الخلية الإرهابية «جبهة الجهاد الصحراوية»، تم تفكيكها في نونبر 2010 وكانت مرتبطة بجبهة البوليساريو، وخططت لتنفيذ مجموعة من الأعمال الإرهابية، من بينها تخريب الخط السككي الرابط بين منجم بوكراع وميناء العيون، كما كان من بين أهدافها تعزيز صفوفها بعناصر متطرفة انفصالية جديدة. رابعا: الخلية الإرهابية «جنود الخلافة في المغرب لولاية العيون» التي قام المكتب المركزي للأبحاث القضائية في إطار مهامه بتفكيكها في 28 أبريل 2015، وهي موالية للتنظيم الإرهابي المسمى «داعش» وقد كان أفرادها الذين ينحدرون من العيون يخططون لتجهيز معسكر بمنطقة نواحي المدينة لإعلان تأسيس الخلافة، وقد تبين من الأبحاث المنجزة أن أفراد هذه الخلية خطيرون ولهم روابط متينة مع عناصر من «البوليساريو»، وكانوا يعتزمون تأسيس فرع للدولة الإسلامية واستغلال النزعة الانفصالية في تنفيذ عملياتهم الإرهابية. كما كان من بين مخططاتهم استقبال المقاتلين المغاربة العائدين من سوريا، والذين اكتسبوا خبرات قتالية، والعمل على إدماجهم في صفوف الجماعات الإرهابية التي تنشط في منطقة الساحل والصحراء الكبرى بعد إدخالهم بطريقة سرية، وكان الهدف من هذا العمل أيضا خدمة الأجندة التخريبية لجبهة «البوليساريو». وفضلا عن هذه الخلايا، هناك حالة لأحد العناصر المتطرفة ازداد في مدينة العيون وتم إيقافه في سنة 2018، ثبت أنه حضر جلسات تأطيرية وتشبع بالفكر المتطرف من طرف إمام مسجد في مخيمات تندوف، متورط في القيام بعمليات واسعة لاستقطاب الشباب وتزكيتهم للالتحاق بصفوف تنظيم ما يسمى «داعش» وتنظيمات أخرى تنشط في منطقة الساحل. هذا العنصر غادر العيون صغيرا وتلقى تعليمه في الجزائر وانضم للجبهة الانفصالية وعاش في مخيمات تندوف حيث تم شحنه بالفكر المتطرف، وقد عاين هناك أعمال التجنيد والاستقطاب لفائدة التنظيمات الإرهابية. ومما يؤكد أيضا العلاقة الوثيقة بين جبهة البوليساريو والجماعات الإرهابية، المعلومات الدقيقة التي نتوفر عليها والتي تتعلق باختطاف ثلاثة مواطنين أجانب (إسبانيان وإيطالية) سنة 2011، يعملون في إحدى المنظمات الإنسانية في مخيم الرابوني غير البعيد عما يسمونه «الكتابة العامة» للجبهة الانفصالية، والتي نفذها تنظيم «التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا» بتواطؤ مع عناصر من «البوليساريو». وهناك أيضا معلومات عن التحاق مجموعة من العناصر التابعة للجبهة بمعسكرات تنظيمين إرهابيين وهما: «حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا» و«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». ونضيف لكل هذه الحقائق قضية الملقب ب«عدنان أبو الوليد الصحراوي» الذي أشرت إليه سابقا، وهو عنصر تابع لجبهة البوليساريو يتزعم تنظيم «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، وقد كان سابقا الناطق الرسمي للتنظيم الإرهابي «حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا»، التي كانت تابعة في البداية لتنظيم القاعدة، وتبنت عملية إرهابية نفذها أبو الوليد الصحراوي في 23 ماي 2013 استهدف فيها ثكنة عسكرية تابعة للقوات النيجرية وموقعا آخر لاستخراج اليورانيوم بمنطقة «أرليت» تستغله شركة «أريفا» الفرنسية، وقد أودت هذه العملية بحياة نحو 20 شخصا فضلا عن عدد من الجرحى. وفي 13 ماي 2015 أعلن أبو الوليد الصحراوي مبايعته لأبي بكر البغدادي وأسس تنظيم «ولاية الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، الذي ينشط في كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو. ونظرا لخطورة هذا العنصر عرضت الولاياتالمتحدةالأمريكية في أكتوبر 2019 مكافأة مالية قدرها 5 ملايين دولار أمريكي للحصول على معلومات حول مكان تواجده. ويعتبر تنظيم عدنان أبو الوليد الصحراوي المسمى «تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» قِبلة لعدد من العناصر الانفصالية، من بينها عبد الحكيم الصحراوي المزداد بمخيمات تندوف والذي يشغل منصب نائب زعيم التنظيم، ويوصف من قبل أتباعه ب «الجزار» لأنه دموي لا يرحم وسفاح مجرم، وهو نفسه قاطع الرؤوس الذي ظهر في شريط فيديو عام 2019 يقوم بعملية ذبح وحشية بواسطة السلاح الأبيض في حق عمدة سابق لمدينة مالية تم اختطافه. تظهر كل هذه المعطيات الدور الذي تلعبه «البوليساريو» في تغذية الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل وجنوب الصحراء، وتؤكد ما سبق تقديمه من معلومات متعلقة بوجود 100 مقاتل من «البوليساريو» في صفوف تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وتنظيمات إرهابية أخرى بالمنطقة. تحدثت عن عدنان أبو الوليد الصحراوي أكثر من مرة، إلى أي مدى تصل خطورة هذا العنصر الذي قلتم إنه محسوب على البوليساريو؟ يكفي الوقوف عند العمليات الإرهابية التي ارتكبها تنظيم «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» لمعرفة خطورة عدنان أبو الوليد الصحراوي زعيم التنظيم أو عبد الحكيم الصحراوي نائبه من جهة، والتأكد من الصلة الوثيقة بين «البوليساريو» والإرهاب من جهة أخرى. فخلال الفترة بين 2016 وبداية 2020 تورط هذا التنظيم الذي يقوده عنصرا البوليساريو في استهداف مواقع ودوريات عسكرية مشتركة تضم عسكريين محليين ودوليين في النجير وبوركينافاسو ومالي، وتدمير العديد من المواقع وتنفيذ عدد من الاغتيالات، مما يبين أنه يشكل تهديدا حقيقيا يرمي لزعزعة الاستقرار في منطقة الساحل وجنوب الصحراء.