بعد أفول حركة 20 فبراير، وبعد مرحلة الحداد أو الصمت وبعد مخاض عرفته مجموعة من المبادرات التي جمعت نشطاء وحقوقيين في حلقات نقاش وتفكير كمبادرة "راجعين" التي حاولت أن تبقي روح الحركة متقدة دون أن تعلم أنها لم تكن سوى تعبيرا مباشرا لسكرات موت أخيرة. بعد كل هذا أو إبانه، بدأت ديناميات أخرى تنبثق من العدم أو من الحاجة في تغيير آليات الاشتغال نحو التغيير المنشود، هكذا ولد مسرح المحكور وسينما كيريا ومعهد بروميتيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان ومجموعة شابات من أجل الديمقراطية واتحاد الطلاب من أجل تغيير النظام التعليمي ومبادرات مثل الفلسفة في الزنقة أو ساعة للقراءة. وكأن لسان حال كل هذه المبادرات يقول مادام التغيير الآني غير ممكن أو حُقق منه الممكن، فلنعمل على المدى الطويل ومع القاعدة ومن أجل قيم جديدة، أوبالعربية التاعرابت إذا كان النظام بدستوره الجديد يٓعِد بانفتاح تدريجي ورزين نحو دولة الحق والقانون، فلنتبع الكذاب حتى باب الدار. السؤال الذي يطرح نفسه بعد ما يناهز 5 سنوات من الاشتغال على هذا المنوال، هل وصلنا إلى باب الدار؟ هل حراك الريف وما عرفه من انتكاسات حقوقية والعودة القوية للدولة المركزية والصمت الرهيب للحكومة المنتخبة برئيسها ووزير حقوق الانسان فيها، وتتفيه مؤسسة البرلمان وتحييدها، وإسكات المؤسسات الوطنية كالمجلس الوطني لحقوق الانسان. هل كل ما يحدث الآن هو باب الدار أم عقرها؟ كنا نعتقد من خلال هذه المبادرات أننا نفعل، على قول محمود درويش، كما يفعل السجناء والعاطلون عن العمل، نربي الأمل. لكن كلما صدقنا أن الأمل في تغيير مزاج النظام القائم ممكن تأتي انتكاسة أخرى تذكرنا بأن لا شيء يتغير في العمق، سوى أنكم تهرمون رويدا رويدا، وتتحولون بثبات إلى حقوقيين محترفين ونشطاء متمرسين وفنانين ملتزمين وانتهى الكلام والحلم والأمل..انتهى كل شيء، "زمروا حتا تعياو". وهل يصلح لشيء ما قمنا به أو نحاول القيام به، أم أن كل مبادراتنا أصبحت دكاكين جديدة تؤثث وتضع الماكياج على حقيقة هذه الدولة التي لا تكثرت بتذكيرنا إياها كلما حاولنا تصديق العكس. والان.. الآن، ما عسانا نفعل، هل نحزم حقائبنا ونرحل ونترك الجمل بما حمل "ديرو فيه لي بغيتو"، ما دام هذا النظام يفعل ما يحلو له متى وأين شاء.. هل نركن في زاوية حتى تمر الموجة مستسلمين لخوفنا على أنفسنا وعلى دكاكيننا الجديدة.. هل نرمي بالأمل إلى القمامة ونربي أملا جديدا.. أم على قول الشاعر محمد الماغوط: هل نرسم على علب التبغ الفارغة أشجارا وأنهارا وأطفالا سعداء ونناديها يا وطني؟ ولكن أي وطن هذا الذي يجرفه الكناسون مع القمامات في آخر الليل؟