سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد الوهاب رفيقي الملقب ب أبو حفص ل"التجديد": أطلقنا هذه المبادرة ونتمنى من الطرف المقابل أن يتجاوب معها بجدية وأن يتفاعل معها كما تفاعلت كل الدول مع الملفات المماثلة
قال الشيخ رفيقي عبد الوهاب، أبو حفص المعتقل بالسجن المحلي بوركايز بفاس على خلفية ما يعرف ملف بالسلفية الجهادية : إن المراجعات ضرورة شرعية، وواجب عقلي، وسمو أخلاقي، وبناء إصلاحي، ومشروع نهضوي، مشيرا إلى أنه مشروع علمي فكري إصلاحي، وهو أساس دعوته ومنهجه داخل السجن وخارجه. وعبر أبو حفص عن موقفه من الثوابت الثلاث للأمة، مشيرا إلى نبذه للعنف والعمليات المسلحة في بلد المسلمين وعدم مشروعيتها في بلاد الكفار أيضا لكونها تستهدف غير المحاربين. وأكد أبو حفص في حوار أجرته معه التجديد إنه لا سبيل لمن أراد تصحيح مساره، وإصلاح مسيرته، إلا بالمراجعة، ومن حرم لذتها فقد حرم خيرا كثيرا، بل هو محجوب بظلمات الغرور والإعجاب بالنفس والاعتداد بحظوظها، وأشار رفيقي إن سنوات السجن الطويلة، هيأت لهم ، على شدتها، فرصة الاطلاع الواسع، وقراءة المطولات والأصول، وما صاحب ذلك من مناقشات علمية مع المشايخ وطلبة العلم، وسمح له ذلك بإعادة النظر والمراجعة في كل مسائل العلم وفروعه، من مسائل العقائد التي اختلفت فيها الأمة. وحدد أبو حفص معالم مبادرة الحوار والمصالحة التي يعتزم هو ومن معه إطلاقها لإعادة النظر في ملف المعتقلين على خلفية العمليات الإرهابية التي تعرض لها المغرب. وتساءل أبو حفص، عن الجمود الذي يسيطرعلى هذا الملف، مشيرا إلى بعض الجهات التي تحاول إقباره، بسبب تقصيركثير من الفعاليات العلمية والسياسية والفكرية والثقافية في طرح هذا الملف وتحريكه، مع معرفتهم التامة بوجود الأبرياء وووجود من يستحق العودة لأهله وأبنائه... ما هي مواقفكم من المبادئ الثلاث التي تحدث عنها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ونقصد (نبذ العنف، تكفير المجتمع، الملكية)؟ سبق لمنتدى الكرامة وبتنسيق مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، أن طرحا المواقف المذكورة في سؤالكم، وتتعلق بنقاط ثلاثة، نوافق عليها جملة وتفصيلا، بل هي مما كنت أنادي به قبل السجن، وزدته تأكيدا بعد السجن أمام القضاة وفي كل البيانات والخرجات الإعلامية، وهي كالتالي: أولا: نبذ العنف، والعمليات المسلحة في بلاد المسلمين، وهذا دين الله أدين به، بقيت في السجن أو تركته، لما ترسخ عندي من قناعة، بعد استقراء كل تجارب الخروج على الحاكم، منذ الحسين رضي الله عنه ، إلى الجماعات الجهادية المعاصرة، من أن مفاسد هذه الحركات أعظم من مصالحها، ولفقدانها للشرعية، وتعاطف الأمة، وأعظم من ذلك ما فيها من إزهاق الأرواح المعصومة، والأموال المصونة، ولما تقدمه من خدمات لأعداء الأمة، وإن كان أصحابها لا يقصدون ذلك وقد لا يعونه، ولما تعيقه من مشاريع الإصلاح والدعوة والتربية، لهذا كله ولغيره ترسخ عندي أنه لا سبيل لإصلاح الأوضاع في بلاد المسلمين، إلا بطول النفس، والصبر وبعد النظر، وسلوك مسالك التربية والدعوة، والاندماج في المجتمع، والتواجد العلمي والفكري والفعال، والمدافعة بالبيان واللسان، والنأي عن الثورات المسلحة التي لم تجن على الأمة إلا مزيدا من التخلف والتراجع، بل تعدى ضررها إلى المشروع الجهادي نفسه، فكم أفقدته من الأنصار والمحبين، وكم قزمت من تعاطف الأمة معه، وكم أعطت من المبررات لخصومه ومناوئيه، لذا نحن نؤكد ونكرر: لا ثم لا ثم لا للعمليات المسلحة في بلاد المسلمين. بل لا نتوقف عند العمليات في بلاد المسلمين، بل لا نرى حتى مشروعيتها في بلاد الكفار، لكونها تستهدف غير المحاربين، ممن لا يحل التعرض له إلا إذا برز للقتال، ولما فيها من نقض مواثيق العهود والأمان، ولما تجره على الأمة من مفاسد وآثار، فلذلك لا نرى مشروعية هذه العمليات كما لا نرى جواز التعرض للحربي إذا دخل بلاد المسلمين، لأن ذمته محفوظة بعقد الأمان، الذي يسعى به أدنى المسلمين منزلة ومكانة. ثانيا: البراءة من تكفير المجتمع، وهذا أمر لا يحتاج على تأكيد، فمن له أدنى معرفة بنا يعلم أنا تربينا في مدارس المجتمع، وتعلمنا في مؤسساته العمومية، وصلينا في مساجده، وخطبنا في جوامعه، وشاركنا في منتدياته وجمعياته ونواديه، ولنا علاقات وصلات مع كل أطيافه وفئاته، ولنا بحمد الله محبة في قلوب عامة الناس، برهم وفاجرهم، فكيف يقال بعد ذلك أننا نكفر المجتمع؟ بل ليس في طوائف الإسلام طائفة أكن لها من البغض ما أكنه لغلاة التكفير الذين هتكوا أعراض المسلمين، واستباحوا دماءهم وأموالهم، فسحقا لهم ثم سحقا. وهذا ليس بجديد عني ولا من ثمرات السجن وآثاره، بل هو منهجي قبله، وكم حاضرت وكم عقدت من الندوات بمدينة فاس لمحاربة هذا الفكر التكفيري، وكم نجحت بتوفيق من الله تعالى في الحد من ظاهرة الغلو التي ابتليت بها العاصمة العلمية، وكثير من الناس يشهدون على هذا. لكن قبل الانتقال إلى النقطة الثالثة، لا تفوتني الإشارة إلى نقطة مهمة، وهي أن هذا الموقف من التكفير، والذي كان لي قبل السجن لا يعني أن هذه السنوات الطويلة من المراجعة لم يكن لها أي أثر على هذا الموضوع، بل بالعكس، ما زادني الإطلاع إلا بعدا عن كل مآخذ الغلو، وما تعمقت بحثا في الموضوع وخطره إلا زادني ذلك ورعا واحتياطا، خاصة فيما يتعلق بتكفير المعين، فرغم أنني قبل السجن كنت أحذر من التسرع في ذلك والخوض فيه، لكن ليس إلى هذه الدرجة التي أنا عليها اليوم، والتي جعلت لها شعارا كلمة الإمام أبي الحسن الأشعري خرضي الله عنه-، وقد حضرته الموت فاستدعى زاهر بن أحمد البغدادي وقال له: إشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات، فهذا ما انتهى إليه هذا الإمام العلم بعد عشرات السنين من البحث والجدل والمناظرة، وقد نقل الإمام الذهبي عبارة أبي الحسن هذه وعلق عليها بقوله: قلت: وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحداً من الأمة، ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم. فليس الأشعري وحده، بل جبلان آخران من جبال العلم والسنة، ولا يسعني الخروج عن هذه العبارة، لما فيها من السلامة والورع والاحتياط، وكثير من الحركات السلفية وإن كانت أصولها سليمة بالإجمال في هذا الباب، لكن يدخل عليهم الغلو من هذا الباب، إذ يحسبون أن التكفير عملية رياضية، قول أو فعل مكفر ، وشروط وموانع، والنتيجة كفر بالتعيين، وهذا ليس بمنهج سليم، بل كل من ثبت له عقد الإسلام ابتداء، لا يخرج منه إلا إذا ثبت كيده للدين، وظهر من القرائن ما يدل على إضمار قلبه للبغض والعداوة، أما التكفير لمجرد قول الكفر أو فعله فهذا منهج الغلاة، وليس منهج ذوي العلم والفهم. بل حتى من ترجح عندنا بغضه لهذا الدين، وظهرت علامات ذلك عليه، فإنه وإن كان عند الله كافرا لكننا نعامله في ديار المسلمين معاملة أهل القبلة، كما كان صنيع المصطفى صلى الله عليه مع عبد الله بن أبي وعصابته فهذه باختصار أصولي في التكفير، وتفصيل كل ذلك يأتي في حينه ووقته إن شاء الله. ثالثا: الموقف من النظام الملكي، وهو موقف قديم عبرت عنه قبل السجن، ومن أراد التيقن من ذلك فليرجع إلى الاستجواب الذي أدليت به لمجلة الوطن العربي اللندنية عام 2002م، ثم أكدت هذا الموقف بعد السجن عند الرد على الورقة الأمنية المغربية التي قدمت لمؤتمر الإرهاب بالرياض عام 2005 م، والتي اتهمتنا بمعارضة النظام الملكي، وقد أصدرت هذا الرد بمشاركة المشايخ الثلاثة، الفزازي والحدوشي والكتاني، وخلاصة هذا الموقف، أننا وإن كنا نحلم بنظام شوري وخلافة على منهاج النبوة، إلا أن النظام الملكي وإن كان قائما على التوريث، فما دام يحفظ الدين ويوحد الأمة، فلا يسع إلا القبول به وعدم معارضته والخروج عليه، سدا لباب الفتن، وحقنا لدماء المسلمين، وهذا هو المنهج الذي سار عليه غالب علماء الأمة، منذ بداية الملك العضوض، من عهد بني أمية إلى اليوم، بل إنهم قبلوا بإمارة المتغلب المتسلط الذي أخذ الحكم عنوة وقهرا، فكيف بمن دون ذلك، فنحن لا نطالب بتغيير شكل النظام، ولا بالإطاحة به، ولا دعونا إلى ذلك قبل السجن ولا بعده، ولكن نطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وهو مطلب شرعي وواقعي، يطالب به كل علماء الأمة وكل الحركات الإسلامية. نعم نعيب على النظام العربي جملة موقفه من قضايا الأمة، وخاصة قضية فلسطين، ونستنكر كثيرا من الاستبداد والظلم الواقع في كثير من البلاد الإسلامية، لكن التكفير والتفجير، ليس هو الحل للإصلاح والتغيير. تتعدد مقاربة حل ملف السلفية الجهادية بالمغرب بين داع للتسوية والمصالحة ومطالب بالحوار، لاسيما بعد تثمينكم للمقاربة الليبية والخرجة الأخيرة للشيخ الفيزازي التي يطالب فيها بالمراجعة ونبذ العنف، أي الخيارات تفضلون؟ وهل يمكن إسقاط التجربة الليبية والمصرية على المغرب، أم لكل بلد خصوصيته؟ التسوية، المصالحة، الحوار، لا تهمني هذه التسميات بقدر ما يهمني المضمون، وهو صبها في إنهاء هذه المحنة، محنة المئات من المعتقلين وأسرهم وعوائلهم، وبالمناسبة أنا أدعو من خلال هذه المنبر المعتقلين في هذا الملف إلى تبني هذه المبادرة، والاجتماع عليها، لتكون مدخلا للحل أو التسوية أو الحوار، وإن كنت أشترط لذلك شرطا مؤكدا وضروريا، وهو تبني هذه المبادئ الثلاثة تبنيا حقيقيا، أي ألا يكون ذلك تقية وادعاء فقط، من أجل التخلص من الأسر، وهو أمر أؤكد عليه تحسبا لما بعد السجن، وحتى لا تتكرر بعض الحالات التي أثرت على هذا الملف، ولو فسح لنا الباب للتواصل مع المعتقلين، لأمددناهم بما يجعلهم مقتنعين بهذا الطرح وهذه المبادئ، وهي مناسبة أستغلها لدعوة الجهات المسئولة، لتسهل لنا هذا التواصل، ولتمكننا من نشر الفكر المعتدل الصافي بين صفوف المعتقلين. إذن أنا كما قلت لك أدعو المعتقلين إلى تبني هذه المبادرة كأرضية للتسوية أو الحوار، وحينئذ ستكون الكرة قد رميت في الجانب الآخر، ولست ملزما بضرورة تحديد طريقة التفاعل، المهم أن يتم هذا التفاعل، فإن كان عن طريق الحوار، فقد رحبنا ولا زلنا نرحب بأي حوار في هذا الباب، كان عن طريق العلماء أو غيرهم، وإن كنا نرجو أن يكون للعلماء دور بارز في هذه القضية، لما لهم عندنا من المكانة والمنزلة، حقيقة أغبط أهل ليبيا أن فيهم عالما شابا كالدكتور علي الصلابي يقوم بهذا الدور المؤثر في تسوية قضايا المعتقلين الليبيين، وأغبط أهل موريتانيا أن فيهم رجلا عالما بل علما كالشيخ الحسن ولد الددو، كيف يشارك ويؤثر في ملف المعتقلين الموريطانيين، بالرغم من أنه هو نفسه عانى ألم السجن والمحنة، ويحزنني غاية الحزن، أن أرى شيخا مغربيا فاضلا كالدكتور الريسوني، يقدم للمراجعات اللليبية ويباركها ويكتب فيها، ولا يأبه بمعتقلي أهل بلده، بل يعلن عدم استعداده للخوض في هذا الموضوع، فإذا كان هذا موقف عالم نحفظ له منزلته وشجاعته في كثير من المواقف التي أحجم غيره فيها، فماذا ننتظر ممن هو دونه، لقد تلقينا فيما سبق إشارات مطمئنة من المجلس العلمي الأعلى وغيره، وترقبنا حدوث الانفراج، لكن لست أدري ما الذي يقع في الكواليس حتى تذهب كل تلك الإشارات مهب الريح. ولهذا أتوجه مرة أخرى بالنداء إلى علماء الأمة، بل وإلى كل المثقفين الأحرار، وإلى كل ذوي الفكر من شرفاء هذا البلد، لكي يتحركوا بجدية وصدق لحلحلة هذا الملف الشائك، ولرفع المعاناة عن مئات المعتقلين، وخلفهم مئات العوائل والأسر. لا يمكن إسقاط التجربة المغربية على الليبية والمصرية مطلقا ولا يمكن الفصل بينها مطلقا، فهناك نقاط التقاء وهناك نقاط افتراق، نلتقي في أن اعتقالنا يندرج ضمن الحملة الأمريكية على ما تسميه إرهابا، وفي أننا من مخلفات حادث الحادي عشر من سبتمبر، وفي أننا اتهاماتنا تكاد تكون واحدة: الإرهاب والتحريض والتكفير وقلب النظام وغيرها، أما نقاط الاختلاف فهي أكثر، حين نتحدث عن الجماعة الإسلامية أو الجهاد المصريتان أو المقاتلة الليبية فنحن نتحدث عن جماعات منظمة مهيكلة، لا تنكر نفسها ووجودها، لها أدبياتها ومواثيقها، وتعلن عن أمرائها ورؤسائها، أما نحن ومن معنا من المعتقلين فليس منا طائفة واحدة اعترفت بانتمائها إلى تنظيم معين أو جماعة مهيكلة، هذه الجماعات دخلت السجن تحت رايات موحدة، وبقيادة موحدة، لكن نحن من؟، نحن لسنا جماعة بل ولا تيارا، بل خليط من الجماعات والتيارات والاتجاهات، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من غير المتدينين إلى المتدينين بلا انتماء، إلى التبلغيين والإخوانيين والسلفيين والجهاديين، وانتهاء بالخوارج والتكفيريين، الدول الأخرى جرت بها عمليات تبنتها تنظيمات، فألقت الأجهزة الأمنية القبض على المنضوين تحت لواء هذه التنظيمات، لكن ما حصل عندنا غير ذلك، عمليات لم يتبنها أحد، ولا عرف إلى اليوم مدبرها الحقيقي، تلتها حملة تمشيطية خلطت الحابل بالنابل، علماء ومشايخ ودعاة وطلبة علم وعوام، لا يجمعهم قاسم مشترك سوى الإسلام، ثم هذه الجماعات بتلك الدول، فجرت واغتالت ودبرت وخططت، بل بلغ بها الأمر إلى حد اغتيال الرئيس كما وقع في مصر وكاد أن يقع في ليبيا، وهي تعترف بذلك وتتبناه وتعلن عنه، لكن نحن لم نخطط ولم ندبر ولم نفجر، على الأقل أتحدث عن نفسي ومن معي، لكن لا أعلم أن أحدا من المعتقلين على ذمة هذا الملف اعترف أمام المحكمة بشيء من هذا القبيل، سوى بعض الحالات الشاذة، الجماعات المصرية والليبية دخلت السجون وهي تحمل فكرا موحدا، وأدبيات متفق عليها، بقي عليها من بقي وتراجع عنها من تراجع، والحال غير ذلك عندنا، نحن دخلنا السجون ونحن نحمل أفكارا متباينة، وزادها السجن تباينا واختلافا، فلا يمكن المقارنة بين تجربتنا وباقي التجارب، ولا غرابة في ما يصدر من البيانات والبيانات المضادة، ولهذا أنا أفرق بين المشروع العام العلمي الفكري الدعوي، وأركز على المبادئ الثلاثة التي تتضمنها المبادرة، كأرضية يمكن أن يجتمع عليها عدد كبير من المعتقلين، مهما اختلفت أفكارنا أوتباينت اتجاهاتنا، ونحن أصلا نريد أن نربي الناس هذه التربية، احترام المخالف والاجتماع معه فيما تتفق وإياه عليه، وإعذاره في المختلف فيه، مع ثبات أخوة الإسلام، وبقاء رابطة الإيمان، لكن كثيرا من إخواننا هداهم الله، إما أن تكون معهم جملة وتفصيلا، وإما أن ينصبوا لك العداوة جملة وتفصيلا، ويكيلوا لك جملة من التهم والافتراءات والأوصاف الشنيعة والقبيحة. من أي نوع هذه التهم؟ هي تهم كثيرة ،لكن قبل الرد عليها أذكر قصتين معبرتين في هذا الباب: أولاهما للإمام الحسن بن علي عليهما السلام ، وقد نقلها ابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن سعد في الطبقات، فبعد ما وقع وثيقة الصلح المعروفة، أنكر عليه بعض أهل العراق ذلك، وكانوا ينادونه : يا عار المؤمنين، فكان يقول: للعار خير من النار، وفي رواية: إني اخترت العار على النار، ولم يتأثر عليه السلام بضغط القواعد الشعبية، ورد على من انتقده بأدب جم وبيان ظاهر، فلما قال له أبو عامر سفيان بن الليل: السلام عليك يا مذل المؤمنين، أجابه الإمام الحسن: لا تقل هذا يا أبا عامر، لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم على الملك. ثانيهما للثائر الإيرلندي مايكل كولينز، الذي قاد سنوات من الصراع ضد الحكومة الإنجليزية، فلما ذهب إلى لندن ووقع الاتفاق التاريخي عارضه من عارضه من الثوار، واتهموه بالعمالة وبيع القضية وخيانة مبادئ الجمهورية الإيرلندية، ومع ذلك لم يتوان في الدفاع عن طرحه، وقال كلمته المشهورة: إن كان ثمن الحرية هو أن تلطخ سمعتي واسمي فسأدفع هذا الثمن بكل سرور، وقد دفع حياته فداء لذلك الاتفاق، وقتل على يد معارضيه، وعمره لا يتجاوز إحدى وثلاثين سنة، وهاهي نتائج ذلك الاتفاق لا زالت سارية إلى اليوم. ولذلك، أقول اليوم: العار خير من النار،وإذا كان ثمن بيان الحق وإظهاره هو سمعتي واسمي فسأدفع هذا الثمن بكل سرور، لقد اتهموني بالعمالة،ولو كنت كذلك لست أدري ما سبب وجودي في مثل هذا المكان الرديء لمدة تقارب السبع سنوات، بعيدا عن أسرتي وعائلتي وأبنائي ، خضت فيها إضرابين عن الطعام حتى أشرفت على حافة الموت، ولماذا أحكم بثلاثين سنة ثم بخمس وعشرين، أسأل الله عز وجل ان يجعل ذلك في ميزان حسناتي يوم يقوم الأشهاد، لكن بعض القوم هداهم الله إذا رأوا منك لباقة في التعامل مع الحراس والموظفين والإداريين والمسؤولين، وذلك ما يفرضه ديننا وخلقنا من التأدب مع كل الناس، لقد كنا أيام نضالاتنا الحقوقية ونحن في عز الأزمة نتعامل بكل أدب واحترام وحسن خلق ، حتى مع الذين كانوا سببا في معاناتنا ومحنتنا، ولا يدل ذلك على بيع ولا خيانة ولا وشاية لا قدرالله تعالى،نحن أنزه وأشرف من أن ننحدر إلى هذه المستويات الدنيئة،والتي للأسف يسلكها بعض خصومنا،ولنا على ذلك أدلة كثيرة. اتهمونا بالانتكاس عن هذا الدين والتراجع والخذلان والعياذ بالله، ونحن لا نتوقف عن طلب المولى بالثبات على الدين والصراط المستقيم، ونعلم أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، لكن هل مراجعة النفس والاعتبار وأخذ الدروس مما جرى وسار هو الانتكاس؟.. هل تغيير الاختيار في مسائل خلافية هو الانتكاس؟.. هل الميل للتيسير مع التشبث بالدليل وعدم الخروج عن الأصول هو الانتكاس؟.. هل الاعتراف بالأخطاء في كثير من الأبواب المنهجية والدعوية نصحا لله ورسوله هو الانتكاس؟.. أم أن الانتكاس هو التخلي عن هذا الدين جملة والتخلي عن التدين هو الانتكاس؟ حين أرى بعض من اعتقلوا معنا في هذه المحنة وقد دخلها متدينا بل أحيانا مغاليا في تدينه، فتؤثر عليه أحوال السجن وظروفه ليتحول إلى تاجر مخدرات، أو تارك للصلاة أو مدمن على حبات الهلوسة فهذه هي الانتكاسة والعياذ بالله، وذلك ما يدفعني لمزيد من الجدية في البحث عن المعالجات لهذا الملف ،وليس التصعيد الذي لا مبرر له، والخطابات الحماسية الهوجاء التي أثبتت التجربة أنها لا تجر إلا لمزيد من البلاء، وأنه لا يمكن لهذا الكم الكبير من المعتقلين على اختلاف مستوياتهم وأحكامهم تحمل نتائجها، وهذا ليس بانتكاسة ولا خذلان، لكنه تقدير وموازنة وفقه للواقع، والحمد لله، نحن لم نبع ديننا لأحد، ولا فرطنا في ثابت من ثوابت الشريعة، ولا فرطنا في الإحساس بمسؤوليتنا تجاه هذا الدين ولا تجاه الأمة، ولا فرطنا في قضايا الأمة المصيرية، ولا قضايا المستضعفين من أبنائها، وسنظل ننصرها حسب المستطاع والمقدور، ونسأل الله الثبات على ذلك. اتهمونا بأننا تخلينا عن ديننا ودعوتنا والعياذ بالله، ونحن نطمئن كل من أحبنا يوما من الدهر، أننا لن نتخلى بإذن الله عن الدعوة إلى دينه ما فينا عرق ينبض ونفس تصعد، لقد نذرنا أنفسنا لهذا الأمر ولهذه المهمة، ولن يحبسنا عنها إلا الموت، وإنا ندعو الله تعالى ونلح عليه في الدعاء أن يستخدمنا وأن لا يستبدلنا، وندعوه الإخلاص في عملنا وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وإنا نشهد الله تعالى ثم الملائكة والناس أجمعين أننا ما نريد إلا الحق لا نبغي غيره سواء أصبنا في ذلك أم أخطأنا، ونسأله تعالى أن يوفقنا لذلك وأن لا يخذلنا. اتهمونا أيضا بالإرجاء، وأنا متأكد أن هؤلاء الذين اتهمونا هذه التهمة الشنيعة لا يفهمون معنى الإرجاء، متى كان مرجئا من كان يعتقد أن الإيمان قول وعمل، وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، أضعف المرجئة وهم مرجئة الفقهاء الذين يعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية الخلاف معهم لفظيا لا يدخلون العمل في مسمى الإيمان، ولا يرون زيادته ولا نقصانه،ونحن لا نرى هذا ولا نعتقده، فكيف يقال عنا أنا مرجئة؟ ورحم الله أحمد إذ يقول: (من قال أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأنه إعتقاد و قول وعمل ، فقد برئ من الإرجاء كله أو أوله و آخره،ظاهره وباطنه)، لكن مشكلة بعض القوم أنك إذا أحجمت عن تكفير بعض الأعيان من حكام وغيرهم احتياطا لدينك جعلوا ذلك من الإرجاء،وما فقهوا أن ذلك من تحقيق المناط الذي لا يتعلق به اعتقاد ولا منهج ولا ولاء ولا براء، لكن لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف، على أني رددت على مثل هذه التهمة تنزلا فقط، وإلا فإني لا أحب الخوض في هذا الموضوع كله، كما لم يعلمه جبريل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا هو من الإيمانيات التي جاءت صريحة قطعية في الكتاب والسنة،ولا هو مما يسأل عنه المرء في قبره،ولا مما يحاسب عليه يوم القيامة، فلم الاشتغال بهذه المواضيع بدل التركيز على أهمية العمل الصالح عند الله،والحث عليه والترغيب فيه،هذا ما جاء خطاب الشارع، وهذا ما اعتنى به صحابة رسول الله، ولم يشغلوا أنفسهم بمباحث كلامية محضة لا تزيد القلوب إلا غفلة وقسوة،من قبيل هل العمل شرط كمال أو شرط صحة،إشغال الأمة بمثل هذا تضييع للطاقة والجهد والوقت. من التهم التي اتهمنا بها مؤخرا التشيع،وهذا من المضحك المبكي، وإن كانت لا تضرني كثيرا،فقد اتهم بها كبار الأئمة،كالشافعي عبد الرزاق الصنعاني والحاكم النيسابوري والنسائي صاجب السنن بل قتل من أجلها، وابن جرير الطبري المفسر، ولذلك ثار عليه الحنابلة ، وهجموا على داره، والحافظ ابن عبد البر إمام أهل المغرب،والصنعاني والشوكاني، فإذا كان هؤلاء وهم من هم علما وفضلا ومنزلة في الأمة،قد اتهموا هذه التهمة ،فماذا يضرني بعدهم ،وإن كنت أحب أن أوضح سبب هذه التهمة وأصلها،لأن بعض المغرضين هداهم الله وأصلحهم لسواء السبيل،وشافاهم وعافاهم من أمراض النفوس وأدوائها ، استغلوا بعض المجالس الخاصة مع بعض الطلبة،تدارسنا فيها سيرة الإمام علي بن أبي طالب،وكان طبيعيا أن نتعرض لأحداث الفتنة سواء الجمل أو صفين،وحاولنا أن نكون منصفين دون إغفال تعاطفنا مع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأهل الحق،فكان طبيعيا عند سرد الأحداث أن تظهر نقائص المخالفين ،خاصة معاوية ومن معه من أهل الشام،مما لا يستطيع أن ينكره أحد، ومع ذلك رعاية للصحبة،وللقيام بين يدي رسول الله ولو ساعة، لم نسب ولم نشتم ولم نطعن،مع أن من المتقدمين من كان يفعل ذلك،لكننا لا نفعله رعاية للصحبة،وسدا لباب الطعن في الصحابة، والتزمنا بالألفاظ الشرعية من قبيل الفئة الباغية ،فإذا كان هذا حالنا مع من تأخر إسلامهم،فكيف بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار،الذين فدوا رسول الله بدمائهم وأموالهم،وضحوا وبذلوا لهذا الدين، أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هديا ، وأحسنها حالا اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه ،فحبهم سنة، والدعاء لهم قربة ، والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة،أيقال بعد هذا أننا متشيعون؟ لكن إن قصد بالتشيع موالاة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم وموالاتهم والانتصار لهم، وهو ما ينقص كثيرا من السلفيين وإن ادعوا خلاف ذلك، فهذا تشيع محمود وقربة إلى الله عز وجل. نعم ذكرت في هذه المجالس أن السياسة كان لها دور في إخفاء كثير من فضائل آل البيت،وفي سريان شيء من النصب إلى كثير من أهل السنة،وأتيت بالشواهد على ذلك ،هذا تحليل تاريخي محض،قد أصيب فيه او أخطئ، لكن ما علاقته بالتشيع الذي يقصد به الرفض، وقد علم أني من أشد الناس بغضا لغلاة الشيعة، ممن يسبون الصديق أبا بكر والفاروق عمر والشهيد عثمان والصديقة بنت الصديق عائشة، وغيرهم من الصحب الكرام ،لأن الطعن فيهم طعن في الوحي وفي صاحب الوحي، والنيل منهم، أيقال بعد هذا أننا نسب الصحابة،لأن تتخطفنا السماء أو تبلعنا الأرض خير لنا من أن نسب أحدا صحب المصطفى صلى الله عليه وسلم ونال بركته وشهد نوره. وأشير أخيرا إلى أن هذه المجالس المذكورة كانت مباحثات علمية خاصة،خاضعة للأخذ والرد،ولم نأذن بنشرها ولا إذاعتها، لكن المغرضين ممن في نفوسهم شيء من هذا المشروع العلمي الهادف، حاولوا الاصطياد في الماء العكر، وتسميم الأجواء، وتنفير المعتقلين من مشروعنا بالافتراء والكذب وتشويه السمعة،بل بلغ بهم الأمر لحد إرسال الرسائل وملئها بالأكاذيب والافتراءات حتى في الأخلاق والسلوك، وبعثها خارج السجون لينفر منا الناس ولشوهوا دعوتنا التي نرجو بين يدي الله تعالى أن تكون خالصة لوجهه الكريم، لكني جد متأكد من أن هذه المساعي ستبوء بالفشل،ولن تنطلي هذه الأكاذيب على من يعرفنا حق المعرفة ، ونرجو من الله تعالى لهم الهداية والصلاح، فهم المتضررون حقا، أما نحن فقد علم الله تعالى كثرة ذنوبنا وخطايانا ، فسخر لنا من يخفف عنا هذه الذنوب، فلله الحمد ظاهرا وباطنا. حسب اتصالات بعض عائلات المعتقلين على خلفية الإرهاب بالتجديد يتساءل هؤلاء على الأرضية التي بنيتم عليها مبادرتكم، لمعرفة على أي أساس ستتحاورون، ومع من وكيف ، هلا أوضحتم لنا هذه الفكرة؟ أظن أن الأرضية أصبحت واضحة،حين أتحدث عن المبادرة والحوار فهي أخص من المشروع، وقد اكتفيت في طرحها بالمبادئ الثلاثة التي طرحها المجلس الاستشاري معززة ببعض المبادئ التي هي تصب في نفس الاتجاه، ولهذا فقد حرصت في هذه الورقة المطروحة على طرح ما يمكن أن يتوافق عليه أغلب المعتقلين، أما المشروع العام فلا يعنيني فيه الموافق من المخالف، هو مشروع علمي فكري قد يتفق فيه معي من يتفق، وقد يختلف من يختلف، داخل السجن أو خارجه، لكن المبادرة تضمنت الحدود الدنيا و الخطوط الحمراء التي لا يمكن الاختلاف حولها، أو التي لا يمكن الاجتماع على ما دونها، وهي أرضية مناسبة للطرفين معا، فالمعتقلون يجب ألا يكون عندهم أي حرج شرعي في الإيمان بهذه المبادئ المذكورة، تدينا لا تقية، فتكفير المجتمعات يتبرءون منه أصلا ولا يقر به إلا بعض الغلاة،وتحريم العمليات المسلحة في بلاد المسلمين هو مذهب جماهير العلماء المعاصرين من المسلمين على اختلاف توجهاتهم، والموقف من الملكية هو مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين إلى اليوم، فما يمنع إذا من تبني هذه المواقف الشرعية إذا كانت سبيلا لإنهاء المحنة والابتلاء،ومن جهة الدولة أظن أن هذه المبادئ فيها كفاية وزيادة، بل لو لم يلتزم منها إلا بشرط واحد وهو تحريم العمليات المسلحة لكان كافيا في نظري، إذ ماذا يضير الدولة لو أن تكفيريا يكفر المجتمع وله موقف معين من الملكية، لكنه لا يترجم هذا الفكر إلى أعمال مسلحة، ولهذا كثير من الدول التي عالجت مثل هذه الملفات لم تشترط إلا شرطا واحدا وهو الالتزام بعدم المس بأمن الدولة، وليعتقد بعد ذلك ما شاء، لقد استغربت حين اشترط البعض مثلا الإيمان بالديمقراطية، ماذا يضر الدولة أن يؤمن شخص بالديمقراطية أو يكفر بها، وهل عدم الإيمان بها منتج للعنف، هذا غير صحيح بالمرة،فهناك كثير من الجماعات الإسلامية التي تتبنى المنهج السلمي،ومع ذلك لها موقف شديد من الديمقراطية، باعتبارها منظومة فكرية تتصادم مع مبدأ حاكمية الإسلام، ومع ذلك لا يدفعها هذا الموقف لا لتكفير الديمقراطيين ولا للخروج المسلح، بل كثير من الغربيين أنفسهم ينتقدون النظام الديمقراطي، خصوصا إذا كان المقصود من الديمقراطية هو محاربة الاستبداد، فأنا مثلا أكره الاستبداد وأرفضه، وأعتبر أن الديمقراطية هي أرقى ما وصلت إليه البشرية في هذا الباب، لكنه يبقى جهدا بشريا مليئا بالثغرات والنقائص، وأقترح بدله نظاما ربانيا قائما على الشورى والعدل،لا ثغرة فيه ولا نقيصة،لأنه تقدير العزيز العليم، ومع ذلك ليس عندي أدنى حرج في تطعيم النظام الشوري بآليات الديمقراطية، التي لا تتعارض مع الشريعة وتصب في نفس المصب،وأكثر من هذا،أرى سوغان الاختلاف في المشاركة في المجالس النيابية المنبثقة من هذا النظام دفعا لأكثر ما يمكن من المفاسد، وجلبا لأكثر ما يمكن من المصالح، فهل مثل هذا الرأي يضر الدولة في شيء؟ ماذا يضر الدولة أو يمس أمنها أن لا يعلن المعتقل التزامه بالمذهب الأشعري، فليكن سلفيا أو أشعريا أو ماتريديا هذا أمر يعنيه لوحده، من حق الدولة أن يكون لها مذهب رسمي ضمن مذاهب أهل السنة، لكن لا يمكن إلزام الأفراد بعقيدة معينة بالحديد والنار،سواء داخل المعتقل أو خارجه،فضلا عن أن يكون ذلك شرطا من شروط الإفراج،لأن الرؤى بخصوص هذا الموضوع تختلف، فإذا كنت أنا مثلا لا أبدع الأشاعرة ولا أضللهم، وأرى أنهم من فرق أهل السنة والجماعة،شأنهم شأن الحنابلة أو الماتريدية، فالكل يقصد تنزيه الباري جل وعلا وإن اختلفوا في التناول، وأرى أن فضل الأشاعرة على الأمة عظيم،فجمهور المفسرين والمحدثين والفقهاء والأصوليين واللغويين، وكذا الوعاظ والسلاطين والمجاهدين، كلهم على هذا المذهب السني ، وأرى أن كثيرا من الخلافات التاريخية بين هذه الفرق لم تكن إلا لمآرب سياسية غلفت بغلاف عقدي،وقد حان للأمة ان تتحرر من هذه الأغلال التاريخية،أقول هذا رأيي الشخصي، لكن هناك مدرسة فكرية سلفية قديمة، ولها امتدادت اليوم خاصة غي الحجاز ونجد، تضلل الأشاعرة وتبدعهم،ولا تعتبرهم من أهل السنة بالمعنى الخاص كما يقولون، فهذه مدرسة لها شيوخها و مؤلفاتها وأدبياتها، ويباع ذلك في كل المكتبات بما فيها المكتبات المغربية، وتتبناه جماعات وتيارات ممالئة للسلطة،بل وعلماء منخرطون في المجالس العلمية المغربية،فكيف يجعل مثل هذا شرطا للإفراج والانفراج؟. ومع ذلك وخوفا من أن ينتج الفكر التكفيري مثل هذه الأعمال المرفوضة اشترطنا باقي المبادئ تعزيزا وحماية من الوقوع في براثن الغلو،وأطلقنا هذه المبادرة التي نتمنى من الطرف المقابل أن يتجاوب معها بجدية،وأن يتفاعل معها كما تفاعلت كل الدول مع الملفات المماثلة ،بل ملفات أخطر وأعقد، ملفات سفكت فيها دماء، واغتيل فيها رأس الدولة أو كاد،ومع ذلك تفاعلت معها الأنظمة،بل وأفرج عن الكثير في مصر والجزائر وليبيا وقريبا في موريتانيا،والتي لا يزال هذا الملف حديث عهد بها، ومع ذلك بدأت الجهود لتصفيته، ودخل العلماء والمفكرون والمثقفون على الخط، ملفنا أيسر من ذلك بكثير،فئة من الأبرياء يتبرأون من كل ما نسب إليهم، ولا يطلبون إلا إطلاق السراح، وفئة أخطأت وتعترف بخطئها وأظهرت ما يدل على مراجعتها لنفسها وعزمها على عدم العود، ومع ذلك يتعامل معها بهذه القسوة البالغة، وهذا التشدد الذي لا أرى له أي مبرر، حقيقة لا أفهم ما مصلحة بعض الجهات في إبقاء كثير من الطاقات الشابة من أبناء هذا الوطن خلف القضبان، مع أنهم إما أبدوا من يوم اعتقالهم استنكارا لكل هذه الأعمال وبراءة من الغلو والتطرف،وإما أنهم اعترفوا بأخطائهم، وأبدوا استعدادا للاندماج والتصالح والتعايش، ما المصلحة أيها العقلاء أيها الحقوقيون أيها المثقفون أيها الشرفاء من استمرار معاناة هؤلاء ومعاناة أسرهم وأبنائهم، والمحنة تشرف على سنتها السابعة، لماذا هذا الجمود الذي يسيطرعلى هذا الملف، لماذا بعض الجهات كلما حاول هذا الملف أن يتململ من مكانه قتلوا هذا التململ وأقبروه؟، ما هذا التقصيرمن كثير من الفعاليات العلمية والسياسية والفكرية والثقافية في طرح هذا الملف وتحريكه، مع معرفتهم التامة بوجود الأبرياء وووجود من يستحق العودة لأهله وأبنائه، هل قضايا إصلاح الطرق وبناء نوادي الشباب أعظم أولوية من إخراج بريء أو متراجع من معتقله؟..أين الدفاع عن حقوق الإنسان ومئات من المنتسبين للإنسانية يموتون ببطء كل يوم وسط السجون؟..أين الدفاع عن حقوق المرأة ومئات من النساء يشكين ليل نهار فراق أبنائهم وأزواجهم وإخوانهم، ويعانين من الفقر والحاجة وغياب المعيل، أين الدفاع عن حقوق الطفل ومئات الأطفال يعانون فراق آبائهم ، وقد حرموا من حنانهم وعطفهم و توجيههم، واصطحابهم لهم لمدارسهم،أم أن نسائنا وأ طفالنا لا بواكي لهم، ولهذا أتوجه بالنداء إلى أربعة أطراف، ملك البلاد ليتدخل تدخلا حاسما بما له من سلطات نافذة يرفع بها هذه المحنة وينهي بها هذه الآلام، وأهل الفكر من علماء ومثقفين وحقوقيين ليقوموا بدورهم في المتابعة والتحريك والضغط، والأجهزة الحكومية لتتجاوب مع هذه المبادرة وتزيل كل العوائق والحواجز التي قد تعطلها، وآخر النداءات للمعتقلين في هذا الملف، للتحلي بحسن النظر والتفكر في واقع الحال والإشفاق على العوائل والأسر والأبناء،نعم كلنا نحب أن نبذل لهذا الدين،وأن ننصر هذا الدين، وأن نقدم أنفسنا له راضين غير مبدلين ولا مغيرين، لكن نصرة هذا الدين تكون بالمقدور وبالأصلح والأنفع،وكما أن للبطولة والحماسة مقاماتها، فللرصانة والرزانة والتعقل ودقة النظر في الحال والمآل مقاماتها،والحكمة هي معرفة خير الخيرين وشر الشرين،وأظن فيما مضى من سنوات المحنة عبرة لمن أراد أن يعتبر، ودرس لمن أراد أن يتعظ. يقبع بالسجون أربعة شيوخ على خلفية الإرهاب، محسوبين على ما يعرف بالسلفية الجهادية، وإن كان كل هؤلاء يتبرؤون من هذه التسمية لماذا لا تتوحدون في وضعية أرضية معينة لتوضيح مواقفكم، ولإزالة الغبار على هذا الملف الذي تعدى سنته السادسة بدون أي خطوة إيجابية؟ بل بلغ سنته السابعة للأسف الشديد، وهو مالم يكن يتوقعه أحد ، في ظل تجاوب أغلب المعتقلين واستعدادهم للصفح والتصالح وتجاوز الماضي، رغم أن آثار التعذيب لا زالت على الظهور، أما قضية التوحد مع باقي المشايخ، الذين يتبرءون من الانتماء لتيار السلفية الجهادية ، وهم كذلك، فجميعهم أعرفهم قبل المحنة،وكلهم لا يرون مشروعية العمليات المسلحة في بلاد المسلمين، وهذا أهم ركائز التيار السلفي الجهادي، نعود إلى قضية التوحد، طبعا هناك مانع يمنع من ذلك، وهو أننا لسنا في شيراتون أو هوليداي إن، لقد فرقت بيننا السجون وانقطعت الاتصالات، لكن دعيني أعود مرة للحديث عن الفرق بين المشروع العام والمبادرة، أما المشروع العلمي العام، فليس بالضرورة أن يتفق معي بقية المشايخ في كل الجزئيات والتفاصيل، لكل فكره المستقل واختياراته الخاصة، وإن كان الشيخ حسن الكتاني هو أقربهم إلى تبني هذه الأصول، بل كان الشيخ أصل هذا المشروع وأساسه، ومع ذلك قد نختلف في بعض الجزئيات والتفاصيل، وهذا أمر طبيعي بل لا بد منه ولا محيص، فالأفهام والمدارك والتقديرات تختلف من شخص لآخر، مع الاتفاق على المعالم الكبرى،أما المبادرة فقد بنيتها وصغتها على أساس ما يتفق عليه المشايخ الأربعة، وما أصلوا له في ردهم على التقرير الأمني، وهو الرد الذي باركه أغلب المعتقلين، فالمبادرة في مضامينها محل قبول منهم إلا إن كان أحدهم قد غير أو بدل خلال هذه السنين،ولا أظن ذلك، والبيانات والكتابات الصادرة منهم تدل على ذلك، وإن كانت الدولة إن نوت جديا التفاعل مع المبادرة تيسير سبل التواصل بين المشايخ، حتى يؤسسوا هذه الأرضية ويوحدوا هذه المواقف.