منذ 8 أكتوبر تبلورت لدى بعض الجهات فكرة إمكانية الدعوة المرتجلة لعقد جلسة لمجلس النواب مخصصة لانتخاب أجهزته وهياكله ،بغض النظر عن عدم تبلور ملامح الأغلبية الحكومية . البعض كان قد دافع بطريقة سوريالية عن فرضية (الأغلبيتين )أي قيام "أغلبية برلمانية" بمعزل عن طبيعة "الأغلبية الحكومية " واليوم على ضوء بلاغ المجلس الوزاري ليوم أمس ،والذي يفهم منه إرادة لإستعجال إنطلاق عمل البرلمان و خاصة مجلس النواب ،هناك من اعتبر ان الفرصة مناسبة لإحياء هذه الفكرة، التي يعرف الجميع اليوم سياق ولادتها . لكن الواقع ان هذه الفقرة الأخيرة من بلاغ المجلس الوزاري لا يمكن قراءتها الا كامتداد طبيعي للرسالة الموجهة من طرف مستشاري الملك إلى رئيس الحكومة المكلف قصد التسريع بتشكيل الحكومة. ذلك أنه من الناحية السياسية ،بل والدستورية،لايمكن تصور هيكلة مجلس النواب قبل انبثاق الأغلبية السياسية،للأسباب التالية : أولا: الطبيعة شبه "البرلمانية "للحكومة المغربية في دستور 2011،حيث انها تنبثق من الأغلبية البرلمانية ،وهو ما تكرسه تقنية التنصيب المنصوص عليها في الفصل 88 من الدستور. ثانيا : من الواضح ان المشرع الدستوري قد تصور ان هيكلة مجلس النواب لايمكن ان تكون سابقة عن تبلور الأغلبية والمعارضة ،حيث أنه أسند مثلا في فصله10 رئاسة لجنة العدل والتشريع إلى المعارضة ،فضلا عن لجنة أخرى على الأقل (الفصل 69 ). من جهته فالنظام الداخلي لمجلس النواب ،يقر في مادته 40 بأن الفرق النيابية التي اختارت التواجد في المعارضة مطالبة بإشعار رئيس مجلس النواب بذلك . ثالثا : من الناحية العملية فإن القانون التنظيمي لأشغال الحكومة حرص على تجميد العلاقة بين الحكومة والبرلمان ،في مستويات التشريع والرقابة ،خلال مرحلة حكومة تصريف الأعمال ،وهو ما يجعل من الإسراع بهيكلة البرلمان دون أفق واضح لتشكيل الأغلبية الحكومية ،بدون اي فائدة عملية . رابعا : الانطلاق في فرضية "الاغلبيتين" من مبدأ فصل السلط ، لا يستند على اساس ،ذلك ان الروح البرلمانية التي تربط الحكومة بمجلس النواب ؛تجعلنا أمام فصل مرن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ،وهو ما يوضحه الفصل الأول من الدستور عندما يتحدث عن "فصل السلط و توازنها و تعاونها ." خامسا : ليس هناك ما يجعل المغرب يتراجع عن ممارسة سياسية و مؤسساتية ،تجعل من لحظة انتخاب رئيس مجلس النواب ،تعبيرا عن تبلور أغلبية برلمانية مساندة للوزير لأول أو لرئيس الحكومة المعين ،كما كان الشأن منذ انتخاب عبد الواحد الراضي رئيسا لمجلس النواب سنة 1998، في سياق تشكيل حكومة التناوب التوافقي .