كلما اقتربت أيام الأعياد والعطل، انشغل بال المواطن المغربي، الذي لا يملك سوى الحافلة وسيلة للتنقل، بطريقة الحصول على تذكرة سفر نحو وجهته للظفر بمقعد يعفيه من الوقوف لمدة طويلة، أو انتظار ساعات أمام الشباك وسط جو مشحون بالفوضى وسوء التسيير. يكون شعار الجميع أثناء انتظار الحصول على التذكرة «نفسي نفسي»، حيث يشكل المسافرون طابورا طويلا خاصة أمام الشبابيك التي يكون الطلب مرتفعا على الاتجاهات التي تؤمن النقل إليها. ترتفع أسعار التذاكر لتلهب جيوب المواطنين البسطاء والفقراء الذين لا يجدون مفرا من القبول بالأمر الواقع، لأن هدفهم هو السفر للقاء الأهل والأحباب وقضاء عيد الأضحى الذي تصبح تمضيته رفقة العائلة الكبيرة لدى البعض بمثابة «المقدس الذي لا ينبغي تركه»، ولكل مواطن حكاية مع رحلات العيد, لكن يجمع الذين تحدثت إليهم «المساء» على الفوضى وسوء التدبير وانتشار الجشع والابتزاز والمضاربات، رغم أن البعض أكد أن بعض المحطات عرفت بعض التغييرات الإيجابية. تحصي سميرة الأيام التي تفصلها عن يوم عيد الأضحى، وهي تستعد للقاء أسرتها بمدينة سوق السبت بإقليم بني ملال، استعداد ممزوج بالفرحة والشوق، لا يكدر صفوه سوى التفكير في مسيرة خمس ساعات على متن حافلة لا تخلو من مشاكل متنوعة ومختلفة. تصنف هذه الشابة القائمين على شؤون رحلات الحافلات العادية، ضمن «شر الخلق لأنهم يتحايلون على المسافرين، فأحيانا يخبرون المسافرين أنهم سيقصدون مدينة، ليفاجئونهم بضرورة الانتقال إلى حافلة أخرى بإحدى المحطات». تحكي سميرة أنها ذات يوم كانت مسافرة إلى مدينة الفقيه بنصالح، انطلاقا من مدينة الدارالبيضاء، وأدت ثمن التذكرة، وبعد الوصول إلى محطة خريبكة، طلب منها مساعد السائق الانتقال إلى حافلة أخرى، لتجد نفسها مجبرة على أداء مبلغ إضافي، رغم شرح ملابسات قصتها لمساعد سائق «كريسون» الحافلة الأخرى الذي أمرها بأداء ثمن التذكرة أو النزول في مكان مقفر. تقول سميرة باستياء عميق «لو لم أخش من غضب والدي لما سافرت أيام العيد، لأنني سئمت من تصرفات مساعدي الحافلات، وكثرة الأعطاب والتأخرات، إضافة إلى أن المحطات أصبحت مأوى للمشردين والتائهين، وسبق أن كنت ضحية اعتداء من قبل معتوه صعد إلى الحافلة للتسول». تختزن ذاكرة خديجة ذكريات سيئة مع سائقي الحافلات ومساعديهم، وكلما اقترب العيد كلما بدأ العد العكسي والاستعداد النفسي لرحلة شاقة، كلها معاناة وتعب، قد تستغرق الرحلة عشر ساعات عوض خمس إذا ما وقع عطب في الحافلة ويكون مصير الجميع انتظار حافلة أخرى، أو اللجوء إلى «الأوطوسطوب» للوصول إلى أقرب مدينة في الطريق. خلال سفر عيد الفطر الماضي، توجهت الحافلة من مدينة الرباط صوب مدينة خنيفرة، وفي أول محطة للطريق السيار، تقول خديجة، توقفت الحافلة وتوقفت معها حركة السير، فما كان من طبيب الحافلة، أي السائق، إلا أن طلب من المسافرين مساعدته في دفع الحافلة لكي يتحرك محركها، فقاموا بذلك، بعدما لم ينفع تدخل رجل الأمن ، الذي قال للسائق «لولا أن هذه «العواشر» لما تركتك تخرج بالحافلة»، فاكتفى بالاطلاع على أوراق الحافلة وتركها تمر بسلام. بعد اجتياز الطريق السيار، تدهورت الحالة الصحية للحافلة من جديد، ليتوقف محركها أزيد من عشر مرات أثناء الرحلة، وفي كل مرة يكون المسافرون مجبرين على نهج سياسة «عاون الفريق» لدفع الحافلة وهم صيام، فكانت النتيجة الحتمية هي تأخر الوصول واضطرار الجميع إلى تناول وجبة الفطور في الطريق الذي كان عبارة عن تمر قام بتوزيعه مسافر محسن على الجميع. السرعة المفرطة «الجشع والابتزاز والسب والشتم والكلام النابي»، صفات وأفعال ترتفع قيمة أسهمها في بورصة محطة أولاد زيان بالدارالبيضاء، مع اقتراب كل عيد، حيث يصبح الآمر والناهي هو مساعد السائق «الكريسون»، أما شبابيك التذاكر فتصبح في عطالة، ومهمة القائمين عليها هي إسداء النصح إلى المسافرين بالظفر بتذكرة من داخل المحطة، لايجد المسافر من حيلة سوى الانضمام إلى أمثاله ليصبحوا مثل قطيع غنم تائه بين الرعاة الذين لا يهمهم سوى تسليط عصاهم على جيوب المواطنين دون تمييز بين غني وفقير، ولا بين سليم وسقيم. السفر عبر الحافلة، بالنسبة لرشيد عقوبة فصلية يؤديها كلما اقتربت العطلة أو الأعياد الدينية، لأن محيط وسيلة النقل والقائمين على شؤونها لا يتحمله إلا من أوتي صبر أيوب، يحكي رشيد، أن كل الظواهر الاجتماعية تبرز بشكل كبير، فسيفساء من المعتوهين والمشردين والباعة المتجولين، لا أحد استطاع أن يوقف نزيفها، يتذكر رشيد آخر سفر له انطلاقا من مدينة الدارالبيضاء صوب مدينة خريبكة خلال عيد الفطر الماضي، إذ انطلقت الحافلة وسط احتجاجات أزيد من عشرة أشخاص لم يجدوا مكانا، فلم يجدوا بدا من القبول بالجلوس على كراسي بلاستيكية وضعت على شكل خط مستقيم في الممر الفاصل بين الكراسي الأصلية للحافلة، فعلق أحد الركاب ساخرا «منظركم يشبه أطفالا يدرسون في روض في قرية نائية». بعد مسيرة شعارها «ممنوع التوقف والشكوى لله»، وعنوانها البارز، «السرعة المفرطة»، طلب الركاب من السائق أن يتوقف قرب مقهى أو دكان قصد اقتناء ما يسدون به رمقهم بعد يوم صيام، فرفض ذلك، فقام رجل يخطب في الناس قائلا «ينبغي أن تحتجوا جميعا، فالساكت عن الحق شيطان أخرس»، فجاءه الرد من مسافر آخر «أنت هو الشيطان الأخرس لأنك قبلت الركوب على كرسي من البلاستيك»، هذه صورة عن محطة أولاد زيان خلال الأيام الماضية، اللهم إذا عرفت تغييرات هذه السنة مثل ما عرفته المحطة الطرقية بالرباط. وغالبا ما تكون محطة العاصمة الاقتصادية مسرحا للعديد من الشجارات بين مساعدي الحافلات خاصة في الأيام العادية، حيث يشتد الصراع حول من له الحق في نقل المسافرين وبين تبادل الاتهامات بعدم احترام توقيت مغادرة المحطة. من كل فن طرف في انتظار إقلاع الحافلة ستكون مجبرا على متابعة كشكول من المشاهد المتنوعة والمختلفة التي تؤدي إلى فقدان شهية السفر ولقاء العائلة والأهل، متسول يدعي أنه جاء للعلاج بإحدى مستشفيات العاصمة ولم يجد ثمن عودته إلى بلدته بعدما غادرها، وآخر يدعي أنه أطلق سراحه من السجن المحلي لسلا ولا يملك ما يؤدي به ثمن التذكرة، وامرأة ترتدي ملابس أنيقة يساعدها شاب يحمل أوراقا للتذاكر ويستجدي الناس مكانها، كل هؤلاء يستعملون كل وسائل الاستعطاف لاستمالة المسافرين لمدهم بدراهم معدودة. كما يتحول «الكار» إلى صيدلية متنقلة ومطعم شعبي ومكتبة لبيع الكتب المختلفة والأشرطة، ودكان لبيع كل أنواع «البسكويت والحلوى»، فالباعة المتجولون لهم طرق مهنية خاصة لترويج سلعهم المتعددة والمختلفة. هذا هو حال المحطة الطرقية بالرباط ومحطة أولاد زيان بالدارالبيضاء، إلى وقت وجيز، قبل أن تعرف بعض التغييرات. بلباسه المتسخ الذي تفوح منه رائحة العرق، ووجهه الذي يشبه لوحة فنية استعمل فيها السكين بدل الريشة يطلب من المسافرين الذين لا يتوفرون على تذكرة النزول من الحافلة، وكل من خالف الأوامر فلينتظر حظه من العتاب والسب والشتم. هذا دور من الأدوار التي يقوم بها رشيد مساعد سائق الحافلة أو ما يصطلح عليه ب»الكريسون»، مهمته تنظيم المسافرين وضبط وجهة المسافرين وعدد المقاعد، وإليه القرار في السماح لمواطنين لم يحالفهم الحظ في الحصول على تذكرة. سلوكه العدواني يجعل الجميع يشمئز من تصرفاته، لكن لا أحد يستطيع أن ينبس بكلمة خوفا من فقدان مقعده، لأن شعار جل المسافرين «كم حاجة قضيناها بتركها». يعرف رشيد جيدا أن المسافرين ينظرون إليه نظرة دونية، لكنه غير مكترث بما يقوله الآخرون ما دام لكل «مقام مقال»، كما يقول. يقول رشيد «إن المسافرين لا يتحلون بالصبر الجميع يريد ركوب الحافلة في وقت واحد دون نظام، ما يجعلنا نتعامل معهم بفضاضة، فالمطلوب منهم أولا حسن الخلق ومنا التعامل بالمثل، ولكن إذا كانت الإهانات تصدر من المسافرين، ما الذي تنتظرونه منا»، يقول بانفعال. هذا نموذج من مساعدي سائق الحافلة الذي لا يمكن تعميمه، لأن هنا أشخاصا يتمتعون بحسن السلوك ويعاملون المسافرين بلطف، سعيد نموذج لهؤلاء، فهو يعتبر أن شعاره في الحياة هو «ادفع بالتي هي أحسن»، ويعتبر أن الدخول في مشادات مع الزبناء أو مع زملائه في المهنة لن يجلب له سوى مشاكل ومتاعب هو في غنى عنها. تغييرات بمحطة الرباط على غير عادتها ارتدت المحطة الطرقية بالرباط أول أمس (الاثنين) حلة جديدة مقارنة مع الأسبوع الماضي، سيارات الأمن التي لم يكن لها أثر من قبل اتخذت لها مكانا بالقرب من المحطة، وأمنيون يتجولون ببذلهم الزرقاء الداكنة داخل المحطة لمراقبة كل ما يجري ويدور. استعدادات وإجراءات جديدة لتأمين رحلات المسافرين نحو وجهتهم، لا أثر يذكر للمشردين ولا للمتسولين ولا للباعة المتجولين، كل هذه المستجدات التي عرفتها المحطة كانت بعد اجتماعات قامت بها إدارة المحطة بتنسيق مع السلطات المحلية، وفق ما أكده سعيد العوفير، مدير المحطة، الذي قال إن الجميع تعبأ من أجل تحسين خدمات المحطة ووضع حد لكل المضاربات والتصرفات غير القانونية التي يقوم بها البعض، يقول العوفير «هناك تعليمات صارمة للوالي لوضع حد لكل التجاوزات والاختلالات، إلى جانب إجراءات اتخذتها إدارة المحطة مثل إخبار المسافرين عبر مكبر الصوت بعدم شراء تذاكرهم من خارج الشباك، ووضع وحدة صحية للتدخل في الأمور الطارئة، ومقر لاستقبال شكايات المواطنين». وحول الأثمنة المرتفعة لتذاكر السفر، أوضح العوفير أنه تم السماح لأصحاب الرخص الاستثنائية بإضافة مبلغ ما بين 20 و30 درهما من أجل تشجيعهم على طلبها لأن جلهم لا يرغب في الحصول على رخصة استثنائية، بمبرر أنه لا ربح يجنيه من نقل المسافرين إلى وجهتهم والعودة بدون مقاعد. كما أشار إلى أن أثمنة التذاكر خلال العيد تعود إلى أصلها، ويظن المسافر أن ثمنها ارتفع ويقارنه بثمن التذكرة السابق والذي يكون منخفضا بسبب التنافس بين أرباب الحافلات، كما ألزمت الإدارة أصحاب الشبابيك بإشهار الأثمنة». ويضيف العوفير أن الطلب يزداد خلال فترة العيد على اتجاهات الجنوب، خاصة أكادير وورزازات والرشيدية ومراكش وبني ملال، في وقت لا تجد حافلات مدن الشمال من تقلهم إلى هناك ما يجعل بعضهم يفضل طلب رخصة استثنائية لحمل المسافرين إلى مدن الجنوب عوض السفر إلى الشمال، كحل لتخفيف الضغط. ومن إكراهات إدارة المحطة، حسب مديرها، أن بعض الشبابيك ليست تابعة لها ما يعقد مأمورية اتخاذ بعض الإجراءات في حالة وجود مخالفات. ترتيبات إدارة المحطة والسلطات المحلية يتمنى المسافرون أن تظل مستمرة وألا تكون هذه الإجراءات وهذا التنظيم الذي بدأت تعرفه «القامرة» موسميا سرعان ما يزول، وتعود «حليمة إلى عادتها القديمة». في انتظار أن ينعم المغرب بمحطات طرقية تستجيب لكل مواصفات الجودة وتلبي حاجيات المغاربة الذين يتطلعون إلى ما هو أفضل، ما على المواطنين الذين لا بديل لهم عن السفر عبر الحافلة، سوى التحلي بالصبر ، وأن لا ينسوا ترديد الدعاء القائل «اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل»، وهل هناك منظر كئيب مثل حال محطاتنا الطرقية.?!