ربما هو الحدث الأبرز والنوعي في مسار الأحداث المتوترة والمسترسلة في الشرق الأوسط والذي استطاع أخذ طابع درامي أخذ من نسبة تغطية حادث تفجير حافلة الأمن الرئاسي التونسي وانفجار سيناء واحتجاز رهائن بشمال فرنسا، إنه حادث إسقاط طائرة السوخوي الروسية بنيران سلاح الجو التركي، ... ما هي تداعيات هذا الحادث على العلاقات الدولية وخاصة العلاقات التركية الروسية؟ وهل يمكن أن تؤثر على الأمن والسلم الإقليمي والعالمي؟ هل هي عملية تركية أحاذية الجانب أم تمت بتنسيق مع الحليف الأمريكي؟ هل يراد منها جر روسيا إلى حرب أم أن الأمر لا يعدو أن يكون دفاعا تركيا مشروعا عن السيادة في ظل الانضباط لقواعد الاشتباك؟ ما ردود الفعل الروسية الإجرائية الممكنة في ظل دعوات الأطلسي إلى التهدئة وفي ظل تصاعد التصريحات الساخنة من صناع القرار الروسي وفي ظل اعتبار الأمريكيين والبريطانيين أن الأتراك لهم الحق في حماية مجالاتهم الجوية؟ هل يمكن أن تشكل الواقعة اشتعالا لفتيل الحرب العالمية الثالثة على غرار حادث اغتيال ولي عهد النمسا "فرانز فيرديناند" وزوجته والذي كان سببا مباشرا في اندلاع الحرب العالمية لسنة 1914؟... الإجابة ببساطة عن تساؤلنا الأخير هي : لا، وألف لا، رغم ما قد يعتقده معتقد من اضطرابات في العلاقات الروسية التركية، وعلى غرار ما قد تذهب إليه التحليلات الاستراتيجية والأمنية من كون الحادثة مدبرة بتنسيق مع أمريكا، لكن بملء الفم يمكن القول أن الظروف لم تتهيأ بعد لتلك الحرب، بكل بساطة لطبيعة العلاقات والمصالح بين الأعداء والأصدقاء... ولأن أي اعتداء على تركيا هو اعتداء على حلف "النيتو" الذي تنتمي إليه تركيا بقوة مع الوضع في الاعتبار أنها القوة العسكرية الرابعة في العالم، الحلف الذي تقوده القوة العظمى الأولى في العالم "أمريكا" لن يتوانى في ردع أية محاولة عسكرية روسية تستهدف تركيا، خصوصا وأن الروس كقوة نووية ثانية يعرفون أن مؤهلاتهم العسكرية من الناحية الكيفية والكمية لا تجعلهم في نفس خط القوة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ولا مع حلف "النيتو" المشكل أساسا من قوى عظمى أخرى كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وخصوصا إذا ما وضعنا في الحسبان أن هذا الحلف أنشئ أساسا ضد حلف "وارسو" الذي كانت تقوده روسيا الشيوعية إبان فترة الحرب الباردة تحت مسمى "الاتحاد السوفياتي"... الأكيد كل التأكيد هو أن هذا الإسقاط يثلج الصدر في ظل التدخل الروسي المفرط في سوريا، وفي ظل التوجه الشيوعي الروسي والتمدد الشيعي الإيراني الذي يستهدف العقيدة السنية في سوريا... كما أن المؤكد هو أن الأمور تتسارع وتزداد تعقيدا في منطقة غارقة بأصناف الجيوش والأسلحة والأجندات والمصالح... وتنتظر من يهدئ من روعها ويطفئ نيرانها المشتعلة أصلا، فليست بحاجة إلى مزيد من الاشتعال، لا شك أن هذا الحادث سيفرض معادلات جديدة وسيفرز مواقف أخرى بشأن الإجماع على الحرب العالمية تجاه ما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية" الذي استطاع شن حرب نفسية شلت الحركة الاقتصادية في الدول الغربية، كما أنه قابل لأي سيناريو ديبلوماسي وعسكري غير مسبوق في ظل أن الأزمات تتميز بخاصية الفجائية والعرضية والاطراد ... الوقت يمر والدقائق أمر وأمر، فمن سيعبر من؟