بلال البوجدايني معلوم أن روسيا تدعم بقاء نظام بشار الأسد في سوريا منذ بداية الأزمة سنة 2011، حيث أُعلن عن ذلك بشكل صريح من قبل قادة موسكو من بوتين إلى وزير خارجيته لافروف وكل أركان النظام الروسي، وكان الدعم الذي قُدم للنظام البعثي في دمشق سياسيا وإعلاميا، ليتطور بعد ذلك إلى دعم عسكري، وصولا إلى المرحلة الراهنة، وهي التدخل العسكري المباشر في سوريا. فما هي أبعاد هذا التدخل؟ هل يشكل الورقة الأخيرة لإنقاذ النظام من السقوط باعتبار الأسد حليفا لروسيا في المنطقة؟ أم أنها حسابات بين (المعسكر الشرقي) والغرب تتم تصفيتها على أرض الشام؟ أم أن هذا التحرك استفاقة من أحفاد لينين لاستعراض قوتهم العسكرية وقولهم «نحن هنا»، وأن زمن القطبية الأحادية انتهى؟ سيناريو إنقاذ النظام الراهن من السقوط لا شك في أن النظام السوري بمعية إيران يشكلان حليفين استراتيجيين لروسيا، فلا يمكن لها (روسيا) أن تتخلى بسهولة عن بشار الأسد، وإن سقط فكل المؤشرات لا تضمن لموسكو قيام نظام صديق لها يقدم ما يقدمه النظام الحالي. صار نظام الأسد عاجزا عن مواجهة المعارضة المسلحة وكذا تنظيم الدولة الإسلامية لوحده، ما جعل حزب الله اللبناني يتدخل في جبهات القتال لصالح جيش النظام، كذلك، وحسب تقارير ميدانية، قاتل الحرس الثوري الإيراني إلى جانب جيش النظام، الذي بدا عاجز أمام قوات المعارضة التي سيطرت على مساحات واسعة من سوريا. ويشير محللون إلى أن التدخل العسكري الروسي يهدف بالدرجة الأولى إلى منع التحالف الأمريكي من القيام بأي خطوات من شأنها تحديد «مناطق محررة» وفرض حظر جوي عليها، ومن ثم منع المعارضة السورية المسلحة من التكتل في تلك المناطق وشن هجمات برية تحت غطاء جوي لقوات التحالف. وهذا الأمر يجري التحضير له منذ أشهر طويلة، سواء عن طريق العمل المباشر بواسطة تركيا والسعودية وقطر، أو بشكل غير مباشر من جانب فرنسا التي أعلن رئيسها عن ضرورة تقديم الدعم لما أسماه المناطق المحررة، إضافة إلى الدفع في الوقت نفسه إلى لقاءات أو اتفاقات ولو أولية بين مختلف القوى السورية، بما فيها النظام السياسي لتسوية سياسية، وهو الأمر الذي يسمح لروسيا بالحفاظ على مصالحها، على عكس ما حدث لها في العراق وليبيا.. بعد 6 أيام من بدء القصف الروسي في سوريا، أكد نائب وزير الخارجية الروسي، مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، أن بلاده ترفض إقامة منطقة حظر جوي في سوريا، بناء على اقتراح تركيا، معللا ذلك بضرورة احترام سيادة الدول. وجاء في مقال لجريدة «نيويورك تايمز» أن ادعاء بوتين كون الدافع الرئيس لعمليات القصف هو قتال وتدمير الإرهابيين، بما في ذلك الدولة الإسلامية، أمر مشكوك فيه، لأن الأرجح أن هدف الزعيم الروسي هو إنقاذ الرئيس السوري بشار الأسد، الذي ضعفت قبضته على السلطة مع خسارة الجيش السوري لمساحات كبيرة من الأراضي ليس لصالح الدولة الإسلامية التي تحاول إنشاء دولة خلافة في سورياوالعراق فقط، ولكن لصالح تحالف من الجماعات المتمردة التي تناوئ الأسد والدولة الإسلامية. سوريا هي الحليف الرئيس لروسيا في الشرق الأوسط، وقد دعم بوتين الأسد طيلة فترة الصراع، وكان باستطاعته أن يمنع التحول نحو العنف عام 2011 عبر إقناع حليفه بعدم مهاجمة المحتجين السلميين المناوئين للحكومة. يقول سلامة كيلة، الكاتب والمحلل الفلسطيني للجزيرة.نت: «إن التدخل الروسي في سورية جاء لدعم نظام بات واضحاً أنه يضعف ويخسر، بعد التقدم العسكري في الجنوب والشمال الغربي خصوصا في سهل الغاب. ولهذا تمركزت الغارات الروسية على الجيش الحر الذي تقدم في هذه المناطق، وكما يبدو هي مقدمة لتقدم قوات إيرانية ومن حزب الله لإعادة السيطرة على مناطق خسرها النظام خلال السنة الحالية». ويضيف «وبهذا، فإن هذا التدخل يخدم النظام ولا يخدم سورية، لأنه يؤدي بالضرورة إلى استمرار الصراع تحت حجة تعديل ميزان القوى، وزيادة الدمار والقتل والهجرة. روسيا تأتي بعد أن باتت قوى إيران وحزب الله وكل الميليشيات التي قدمت لحماية النظام، عاجزة عن الحفاظ على بقائه، وبعد تغير ميزان القوى العسكري بما يظهر ضعف كل من النظام وإيران في سورية، رغم أن هذا التعديل كان يهدف إلى إقناع روسياوإيران بضرورة الحل السياسي بدون بشار الأسد». في نفس الاتجاه يرى عبد الباري عطوان، المحلل السياسي أن التدخل العسكري الروسي يسعى بالأساس إلى إبقاء نظام البعث في سوريا قائما على غرار دعم الاتحاد السوفياتي سابقا لحرب جمال عبد الناصر ضد إسرائيل، يقول عطوان: «يهدف هذا التدخل إلى الحيلولة دون سقوط الرئيس بشار الأسد ونظامه مهما كلفه الأمر، وتدخله "المتحدي" في سورية يعيد التذكير بموقفها الداعم للرئيس جمال عبد الناصر بعد هزيمة عام 1967، وتعزيزه لقدراته العسكرية وتحديث أسلحة جيشه، بما أدى إلى عدم سقوطه، وخوضه حرب استنزاف مشرفة ضد إسرائيل، أعادت الاعتبار للمؤسسة العسكرية المصرية، ومهدت لانتصار حرب أكتوبر.. عام 1973 التي تحل ذكراها هذه الأيام». ويبدو جليا أن موسكو تقوم بتعزيز قدرات جيش النظام السوري على خطوط التماس مع المعارضة المسلحة، كخطوة أولى لاستعادة المدن التي سقطت في يد هذه المعارضة في شمال سورية وجنوبها وشرقها، وهناك أنباء عن أخذ قناصة روس مواقعهم في الزبداني ومشاركتهم في القتال. وذكرت صحيفة «دير شبيجل» الألمانية أن زعم بوتين بأن الأسد قادر وحده، بقوته المتداعية المتفككة في ميليشيات في عدة أماكن، على وقف قوات تنظيم الدولة الإسلامية المعروفة بداعش، خاطئ. فجيش بشار قادر بالكاد على وقف المتمردين، بالرغم من مؤازرة عشرات الآلاف من المقاتلين له، وهو يتجنب خوض معارك مع داعش حتى الآن. روسيا تدعي أنها تريد وقف تمدد تنظيم داعش المتزايد، إلا أن هذا يتناقض مع نية بوتين المعلنة وهي إنقاذ الأسد، الأمر الذي سيطيل من أمد الحرب ولن ينهيها. كما سيزيد من تقسيم سوريا وسيحول دون تعاون جميع الجماعات الأخرى في سوريا، من الجيش السوري والثوار والأكراد في الشمال، ضد داعش. بدون روسيا لا يوجد حل، وهو ما يعرفه الجميع من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وحتى وزير الخارجية الألماني فرانك فاتر شتاينماير، إلا أن هذا لا يعني أن يوافق المرء بوتين. وكما يبدو فإن بوتين هو من يصنف الإرهابيين حسب التعريف الروسي، فالضربات الجوية الروسية الأولى كانت على ما يبدو على أهداف في محافظتي حماة وحمص والتي تسيطر عليها المعارضة المسلحة وليس داعش. وتكشف المواقع المستهدفة من قبل الطيران الروسي بعضا من أهداف موسكو التي لا تميز بين أنواع المعارضات وتنظيم الدولة الإسلامية، فالكل إرهابيون حسب بوتين ولافروف، الذي ينفي في آخر تصريحاته أصلا وجود الجيش الحر. ويظهر أن موسكو سارعت إلى دعم النظام إثر تراجعه الكبير منذ بداية العام الحالي أمام المعارضة التي وصلت إلى مشارف بيئته الحاضنة وخزان جيشه، في منطقة الساحل السوري. وتوضح مواقع الضربات أن روسيا تحاول المحافظة على «سوريا المفيدة» لها ولحلفائها، الممتدة من دمشق إلى الساحل، مرورا بالقلمون وحمص، ما يسمح باستمرار التواصل مع حزب الله في لبنان، مع لفت الانتباه إلى تأكيدات بوتين لنتنياهو على أن النظام ليس قادرا على فتح جبهة مع إسرائيل من الجولان. إذن فالهدف من هذا التدخل العسكري الروسي في سورية من خلال هذه المعطيات هو من أجل حماية النظام السوري بقيادة الأسد من السقوط، وهو الذي خسر مناطق واسعة من البلاد أمام قوات المعارضة. هذا مع وجود تحليلات أخرى تشير إلى جمع النظام الروسي لعدة أهداف من هذا التدخل. سيناريو تثبيت مصالح روسيا الاستراتيجية في الشرق الأوسط إذا كانت إسرئيل الحليف الأول للولايات المتحدةالأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، فلابد لروسيا أن تضع دركييها وحلفائها في المنطقة، ولا غبار في تحالف طهرانودمشق الأسد مع موسكو، ولا يمكن لعاقل أن يتخلى عن خادمه في أي حال من الأحوال. هذا ما يقوله محللون مختصون في الشؤون الاستراتيجية، فموسكو من خلال تدخلها هذا تحقق لنفسها موطئ قدم في المنطقة، خصوصا وأن دول البيترودولار تضع يدها في يد واشنطن. وقد أثار الدور الروسي في المنطقة مؤخرا (الملف السوري، والدعم الروسي للمرحلة الانتقالية في مصر وخارطة الطريق وصفقات الأسلحة الروسية لمصر)، جدلاً في الأوساط الدولية والإقليمية حول طبيعة ومدى هذا الدور، وما إذا كان استدعاء لسياسات الاتحاد السوفياتي القديمة في المنطقة واستعادة مجد الإمبراطورية الروسية السابقة. تمتاز العلاقات الروسية السورية بالاستقرار والثبات منذ أيام الاتحاد السوفياتي السابق، الذي كان يعتبر النظام السوري نظاماً حليفاً سياسياً وعسكرياً وفكرياً، وحديثاً سعت روسيا للحفاظ على العلاقات التقليدية ذات الطابع الاستراتيجي مع دول مشرقية مثل سوريا، بالنظر إلى عمق وأهمية المصالح الإستراتيجية المشتركة، والتي يدرك الروس أهمية تعزيزها وتطويرها وحمايتها في هذه الظروف الراهنة التي تشهد فيها سوريا أزمة سياسية بنيوية تهدد الدولة بالانحلال والتلاشي والسقوط، مع ما يعنيه مثل هذا الأمر من تداعيات ونتائج مباشرة على الدور والمكانة وحجم النفوذ الروسي المستقبلي في هذه المنطقة المهمة من العالم. اضطرت الدولة الروسية للتدخل العسكري في سوريا بشكل عاجل وسريع، عندما شعرت بقرب انهيار نظام بشار الأسد، وذلك للأهمية الجيوسياسية لموقع سوريا الجغرافي، فسقوط نظام الأسد يفتح الباب أمام تنفيذ مشروع مد خط أنابيب غاز من قطر إلى أوروبا مروراً بالأراضي السورية، الأمر الذي يعني خروج أوروبا من تحت رحمة الغاز الروسي، مما يؤدي إلي فقدان روسيا لأهم ورقة ضغط سياسية واقتصادية في صراعها مع الغرب وحلف الناتو، خصوصاً في ظل الأزمة والصراع في أوكرانيا. فالغاز الروسي يستخدم كورقة ضغط ضد دول غرب أوربا وحلف الناتو، والذي يستخدم في المصانع والتدفئة في فصل الشتاء. رغبة في العودة للعب في الساحة الدولية من باب سوريا يسعى الرئيس فلاديمير بوتين إلى دحر مساعي الغرب لإضعاف روسيا وعزلها منذ فترة ما بعد نهاية الحرب الباردة. أطاحت الحرب في جورجيا في 2008 وفي القرم وأوكرانيا في 2014، محاولات الغرب لجلب حلف «الناتو» إلى أعتاب روسيا. وتأتي خطة إعادة بناء وجود عسكري روسي قوي في سورية رداً على عقدين من احتكار الولاياتالمتحدة عملية الحرب والسلم في الشرق الأوسط. وتشير روسيا إلى أنه إذا كانت الولاياتالمتحدة، كقوة عظمى، تسمح لنفسها بالتدخل في بلاد أخرى من دون موافقة مجلس الأمن الدولي، فإن روسيا كقوة عالمية يمكن أن تدّعي لنفسها الحق ذاته. إن وجود روسيا في سورية يعلن أنها ليست مجرد قوة إقليمية في أوروبا الشرقية فحسب، لكنها أيضاً لاعب عالمي مؤثر، وعلى استعداد لاستعراض قوتها العسكرية في مناطق أخرى من العالم بعيدا عن الأراضي الروسية الأم. على المستوى الإقليمي، فإن روسيا أيضاً تختبر إمكانية إعادة بناء تحالف واسع في الشرق الأوسط بعد غياب طويل. إن إبرام الصفقة النووية 5+1 مع إيران يزيل الحظر عن التعاون معها، وهذا يمكّن روسيا من المضي قدماً في التنسيق الاستراتيجي والعسكري المفتوح مع إيران، لاسيما في سورية، وفي الوقت الحاضر، لا تزال الولاياتالمتحدة الحليف الخارجي الرئيسي لنظام بغداد بعد إيران، لكن مع تقارب العلاقات الروسية – الإيرانية، فمن غير المستبعد أن ينجرف العراق تدريجياً نحو الحصول على مزيد من المعدات العسكرية الروسية، بخاصة الطائرات والأسلحة المتطوّرة، ويبتعد عن اعتماده على المعدات العسكرية الأمريكية والتدريب الممتد منذ عام 2003. إن الوجود الروسي الجديد في سورية يبعث بإشارة قوية إلى بغداد، بأن روسيا قد عادت مرة أخرى إلى الشرق الأوسط وعلى استعداد لبناء تحالفات جديدة. نقلت جريدة «لوموند» الفرنسية، في عددها 5 أكتوبر الجاري، عن «جوليان نوسيتى»، الباحث الفرنسي في الشؤون الروسية قوله إن روسيا في غمار معركتين في آن واحد، في كل من سورياوأوكرانيا، وأن أوجه التشابه بين المعركتين هو أن بوتين يواجه القوات الأوكرانية وقوات المعارضة المعتدلة السورية، وكلاهما مدعومتان أو على الأقل مدربتان على يد القوات الأمريكية، وأكد نوسيتي أنه على المستوي العسكري، فإن التدخل العسكري الروسي في سوريا يمثل تحديا للغرب، واختبارا لقدرة موسكو على إرسال قواتها والتوسع في العالم. وأشار الباحث إلى أن التدخل الروسي أصبح بمثابة مؤشر على قرب نهاية العلاقات الروسية العربية، التي ظلت لوقت قريب تتسم بقدر من الإيجابية، معتمدة على حقيقة تاريخية، ألا وهي أن روسيا لم تكن يوما تحتل أي دولة من الدول العربية في الماضي. كما حذر نوسيتي في النهاية أنه من غير المؤكد أن يستمر الصمت الغربي تجاه هذا التدخل طويلاً، خاصة وأن موسكو راهنت على وقوف الدول الغربية مكتوفة الأيدي أمام الضربات الجوية الروسية. وأشارت صحيفة «فاينانشيال تايمز» إلى كيف بدأت الحرب العالمية الأولى؛ وأن ما أشعلها هو أعمال فردية من العنف تراكمت وأدت إلى تحرك عمليات عسكرية لا رجعة عنها تفتقر إلى التوجيه الاستراتيجي العام كافتقارها إلى وضوح الهدف منها، أما الباقي فأصبح من التاريخ. واعتبرت أن مذبحة استمرت أربع سنوات ارتكبت لتحقيق مآرب طموحة وضعتها مسبقا القوى المنتصرة بأثر رجعي؛ وفق الصحيفة. وأوضحت أن هناك وقتا لتفادي تكرار تلك المآسي، لكن هذه المرة في الشرق الأوسط وفي سوريا تحديدا. ولفتت إلى أن قرار الرئيس باراك أوباما أيّد منذ البداية عدم استخدام القوة في سوريا، إذ لم يكن هناك معنى لاستخدام الولاياتالمتحدة القوة للإطاحة بالرئيس بشار الأسد من منصبه كما نادى بعض الأصدقاء في الشرق الأوسط، في غياب إجماع محلي حقيقي على ذلك سواء في سوريا أو في أمريكا ؛ بالإضافة إلى أن «الأسد» لم يكن يستوعب إلحاح واشنطن على تنحيه، ولا أن تخيفه جهود الولاياتالمتحدة لدعم مقاومة ديمقراطية فعالة ضده. على جانب آخر، اختارت «موسكو» التدخل العسكري في سوريا دون تعاون سياسي أو تكتيكي مع الولاياتالمتحدة، القوة الأجنبية الرئيسية المشاركة بشكل مباشر في جهود انتزاع الأسد عن كرسيه، حسب الصحيفة نفسها.