الدكتور العربي مياد نواصل في هذا العدد قراءة قانون المحاماة الجديد من خلال نقطة تتعلق بامتداد الحماية الجنائية المخولة للموظفين العموميين الى رجال المحاماة من خلال وجهة نظر الدكتور العربي مياد، وهي الحماية التي نعتقد أن تشمل مختلف مساعدي القضاء من عدول ونساخ وخبراء وتراجمة واعوان وغيرهم ممن يشغلون في حقل القضاء تمشيا مع واضعي هذا القانون ووفقا لما يقتضيه المنطق والمساواة في الحقوق. صدر القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم للمهنة المحاماة ونشر بالجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 6 نوفمبر 2008 بالصحفة 4044، وأكد في مادته الأولى أن المحاماة مهنة حرة مستقلة تساعد القضاء وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء. وهو نفس الاتجاه الذي سار فيه القانون التونسي عدد 87 لسنة 1989، المؤرخ في 7 شتنبر 1989 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة الذي نص بدوره في الفصل الأول على أن المحاماة مهنة حرة ومستقلة غايتها المساعدة على إقامة العدل. ونحن إذ نؤكد على هذا المبدأ بل ونروم تطويره إلى ما ذهب إليه المشرع المصري الذي نص في المادة الأولى من قانون المحاماة لسنة 1983 على أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون، وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم. ويمارس مهنة المحاماة المحامون وحدهم في استقلال ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائر وأحكام القانون وعلى هذا الأساس تكون المحاماة: أولا: مهنة حرة ولكنها مهنة قانونية هدفها إحقاق الحق ومجابهة الظلم كيفما كان نوعه. ثانيا: إنها مهنة تشارك القضاء في تحقيق العدالة، ومن ثم فإن المحامي المصري ليس مساعدا للقضاء وإنما مشاركا له في إحقاق العدل على قدم المساواة مع القاضي. ثالثا: إن المحاماة مهنة مستقلة: ومن ثم فإن المحامي ليس موظفا عموميا وإنما هو رجل قانون مشتغل بالمحاماة، ولا تنتفي هذه الصفة إذا لم يسدد اشتراك النقابة. وقد قضت محكمة النقض المصرية أن مزاولة المحامي لأعمال مهنته رغم استبعاد اسمه من الجدول لعدم سداد اشتراك النقابة، يعرضه للمحاكمة التأديبية دون بطلان العمل، ولذا فإن القضاء ببطلان صحيفة الاستئناف استنادا إلى أن اسم المحامي الذي وقعها مستبعد من الجدول خطأ(2). ولنا أن نتساءل إذا كان المشرع المغربي والمقارن حاسما في أن مهنة المحاماة مهنة مستقلة فماذا عن دواعي إقحام قانون المحاماة المغربي المعدل في المادة 60 مقتضيات تنص على أن كل من سب أو قذف أو هدد محاميا أثناء ممارسته لمهنته أو بسببها يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصل 263 من القانون الجنائي، خاصة وأن هذا الفصل جاء في إطار الحماية الخاصة لرجال القضاء والموظفين العموميين ورجال السلطة العمومية أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسببها، حيث عاقب المشرع كل من أهان هذه الفئات سواء بالقول أو بالفعل أو بالإشارة بهدف المساس بشرفهم أو بشعورهم أو بالاحترام الواجب لسلطتهم بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من 250 إلى 5000 درهم. وفي هذا ولا شك حماية خاصة لهؤلاء حتى يتمكنوا من القيام بواجباتهم العمومية بصفتهم موظفي الدولة. وقد كنا نفهم أو نتفهم هذا التمديد إلى المحامين ولو اقتصر الأمر على مضمون الفقرة الثانية من الفصل 263 السالف الذكر التي نصت على أنه إذا وقعت الإهانة على واحد أو أكثر من رجال القضاء أو الأعضاء المحلفين في محكمة أثناء الجلسة فإن الحبس يكون من سنة إلى سنتين، آنذاك قد نقول تجاوزا بأن الأعضاء المحلفين قد تنسحب كذلك على هيئة الدفاع والخبراء والتراجمة وغيرهم ممن يؤدوا القسم بسبب مهنتهم أو أثناء أداء مهامهم بالجلسة. إن الرغبة في إسداء حماية إلى رجال المحاماة فكرة نبيلة إلا أنها تتطلب قانون ماكان يجب أن يستند على الفصل 263 من القانون الجنائي لأنه لا ينسجم ومهنة المحاماة باعتبارها مهنة حرة، وإلا وجب تحديد هذه الحماية لكل مساعدي القضاء من كتاب الضبط إلى الخبراء والمترجمين والأعوان القضائيين وغيرهم. وقد كان يكفي المشرع التنصيص في المادة 60 المذكورة على أن كل من سب أو قذف أو هدد محاميا أثناء ممارسته لمهنته أو بسببها يعاقب بعقوبة حبسية ومالية دون الإحالة على الفصل 263 من القانون الجنائي، وإلا وجب خضوع مهنة المحاماة إلى مقتضيات رجال القضاء استنادا إلى المادة الأولى المذكورة التي اعتبرت المحامون جزءا من أسرة القضاء مع ما قد يترتب على ذلك من نتائج (يتبع). -------------------------------------------- هوامش: 1) محمد شنا أبو سعد، «قانون المحاماة»، طبعة 1996 المكتبة القانونية لدار المطبوعات إسكندرية ص 19. 2) نقض 4 ماي 1972 س 22 بالصفحة 815.