الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    أخبار الساحة    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025        أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    الزمامرة والوداد للانفراد بالمركز الثاني و"الكوديم" أمام الفتح للابتعاد عن المراكز الأخيرة    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأبعاد الإجتماعية والقانونية لمهنة المحاماة بالمغرب في ضوء القانون الجديد
إشكالات ومشاكل المساعدة القضائية لاتزال مطروحة
نشر في العلم يوم 17 - 12 - 2008

في أجواء انتخابات هيآت المحامين بالمغرب التي تجرى هذه الأيام بالنسبة ل17 هيئة موزعة على الخريطة القضائية لمحاكم المملكة وبمناسبة صدور القانون الجديد للمحاماة الصادر أخيرا بالجريدة الرسمية نقدم قراءة بهذا القانون من خلال وجهة نظر للأستاذ محمد بن الماحي عضو مجلس هيئة المحامين بمكناس، وعضو المكتب التنفيذي للنقابة الجنائية الدولية بلاهاي.
وقد أتى القانون بمستجدات تحتاج إلى أكثر من وقفة رغم أنه لم يستجب للكثير من المطالب والطموحات المهنية سواء في آنيتها أو بشكل مستقبلي منظور، مما يظل معه قابلا للتعديل، خاصنة أن المهتمين يستحضرون الإعتراضات التي رافقت مقترح القانون الأخير، الذي لم يستحضرالرسالتين الموجهتين لمؤتمراتحاد المحامين العرب النعقد بالدارالبيضاء، والمؤتمر الدولي للمحامين الذي استضافته مدينة فاس
المحرر بعد طول ترقب وانتظار صدر بالجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 6 نوفمبر 2008 ظهيران ، أولهما يحمل رقم 101-08_1 لتنفيذ القانون رقم 08_28 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، وثانيهما يحمل رقم 102-08-1 لتنفيذ القانون رقم 08_29 المتعلق بتنظيم الشركات المدنية المهنية للمحاماة. واللذان يشكلان حدثا قانونيا يستوجب وقفة تأمل وتحليل ويتطلب ترقبا لأيام المستقبل وما قد تحمله من حسن أو سوء التنفيذ.
وإذا كان القانون المتعلق بالشركات المدنية المهنية يصدر لأول مرة مما يتطلب دراسته على وجه المقارنة بالقوانين الأجنبية، فإن القانون رقم 08-28 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة وحسب مقتضياته الختامية (المادة 103) فإنه قد نسخ أحكام ظهير 10 سبتمبر 1993 المنظم لمهنة المحاماة. وهو الأمر الذي يستوجب تساؤلا حول المستجدات القانونية، والضمانات الجديدة التي طالما جفت أفواه المحامين للمناشدة بها في كل المناسبات.
وفي هذا المضمار لابد من شد الانتباه إلى خاصية التجديد التي تهيمن على قانون مهنة المحاماة، إذ أنه ظل يتجدد كلما طرأ ما يوجب ذلك إما بإيعاز من المحامين أنفسهم أو بإيعاز من الدولة.
وقد كان أول قانون متكامل لمهنة المحاماة هو الظهير الصادر بتاريخ 10-01-1924 إبان الاستعمار، ليتلوه مباشرة بعد الاستقلال ظهير 1959، وبتاريخ 19- 12-1968 صدر مرسوم بمثابة قانون ينسخ ظهير1959، وفي 05-06-1979 صدر أول قانون ينظم مهنة المحاماة عن مجلس النواب، وعمر هذا القانون إلى حدود سنة 1993 ، حيث صدر ظهير 10-09-1993 والذي كان في الأساس مشروع جمعية هيئات المحامين بالمغرب على إثر مناظرة مكناس سنة 1987 حول موضوع: (أوضاع مهنة المحاماة وآفاقها).
وهكذا تتضح ديناميكية القانون المنظم لمهنة المحاماة وحركيته المستمرة رغبة في التلائم مع المستجدات التي يعيشها المغرب وفي محيطه العالمي، لذا صدر القانون الجديد عام 2008 لمواكبة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي أصبح يعيشها المحامي وكذا تحدي ظاهرة العولمة والتنافس الدولي وثورة المعلوميات....
إن مجرد القراءة الأولية للقانون الجديد المنظم للمهنة، تمكن من رصد مجموعة مهمة من المستحدثات التي لا يكاد يخلو منها أي قسم من أقسام هذا القانون، بدءا بالأحكام العامة إلى غاية المقتضيات الختامية. فالمادة الأولى أعطت مفهوما جديدا لمهنة المحاماة، إذ اعتبرتها مساهمة في تحقيق العدالة بعدما ظلت لسنوات تندرج في مصاف المهن المساعدة.
كما تم توسيع مهام المحامي لاسيما في باب الطرق الودية لتسوية المنازعات وتم فتح إمكانية عرض السيرة الذاتية للمحامي عبر الموقع الإلكتروني، ومن أهم التعديلات موضوع الحصانة الذي يعتبر من المكتسبات القوية في القانون الجديد، وكذا موضوع أتعاب المحامي في إطار المساعدة القضائية ولو أن الأمر مرتبط بنص تنظيمي لا نعلم هل سيكتب له الوجود. ولأن لائحة المستجدات طويلة وتستحق أكثر من الإشارة العابرة فإننا سنتناول محل البحث حماية المحاماة في ظل القانون الجديد.
استقلالية المحاماة
تتجسد استقلالية المحامي من خلال مجموعة من المقتضيات التي حملها القانون الجديد وذلك بدءا بالمادة الأولى التي تنطق بالآتي: " ا المحاماة مهنة حرة، مستقلة، تساعد القضاء، وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء."
ولعل المادة المذكورة قد أعطت مفهوما جديدا لدور المحاماة في تحقيق العدالة، فبعد أن ظلت لعقود من الزمن تندرج في مصاف المهن المساعدة، فهي اليوم وبموجب نص القانون أصبحت مساهمة في تحقيق العدالة إلى جانب القضاء. لكن المأمول الذي كنا نوده هو أن ينص المشرع على أن المحاماة مهنة حرة مستقلة " تشارك القضاء" وتساهم في تحقيق العدالة عوض تساعد القضاء.
وقد أضاف المشرع للمادة الثالثة أأعراف وتقاليد المهنة وبهذا تتضح المعالم الحقيقية لاستقلالية المهنة إذ أن في قيودها تكمن قوتها وحريتها، فالمحامي الملتزم بالأعراف والتقاليد هو الذي يمثل المهنة أحسن تمثيل وهو الذي يستحق ارتداء البذلة والدفاع عن الحقوق.
وقد أرفق المشرع المقتضيات أعلاه بجزاء ردعي يضفي على النص إلزامية لابد منها، إذ يمكن لمجلس الهيئة أن يضع يده تلقائيا، على كل إخلال بالنصوص القانونية أو التنظيمية أو قواعد المهنة أو أعرافها أو أي إخلال بالمروءة والشرف، ويجري المسطرة التأديبية في مواجهة المحامي المعني بالأمر مباشرة.
ومن أهم المستجدات التي توضح استقلال المحاماة هو منطوق المادة الرابعة في فقرتها الأخيرة، حيث نصت على ما يلي : (تتمتع كل هيئة بالشخصية المدنية والاستقلال المالي).
و أضفى المشرع على مزاولة مهنة المحاماة عدة شروط ترفع من شأنها وتبرز أهميتها، ومن بينها ألا يكون المرشح لمهنة المحاماة مدانا قضائيا أو تأديبيا، حتى ولو رد اعتباره.
البعد الإجتماعي لمهنة المحاماة
ترتبط الحماية الاجتماعية للمحامي بكرامته، إذ أن وصول الأخير لدرجة معينة من الاحتياج هو مساس بمكانته الاجتماعية وتقليل من شأنه، لا سيما وأن صحة المحامي هي من بين أهم حصص رأسماله، فمتى علت صعب عليه ممارسة مهنة المتاعب. لذا فإن الضرورة حتمت إيجاد السبل الكفيلة بحماية المحامي لأن في ذلك حماية للمهنة ككل. ولذا أوجد المشرع قواعد تحتم على مجلس الهيئة السهر على تحقيق الحماية الإجتماعية للمحامي.
كما أن القانون الجديد تطرق لموضوع أتعاب المحامي في المساعدة القضائية وهو الأمر الذي قد يفيد في توفير بعض السيولة لتغطية الاحتياجات الإجتماعية للمحامي.
الفقرة الأولى : دورة مجلس الهيئة في توفير الحماية الإجتماعية
تتجسد صورة البعد الاجتماعي لمهنة المحاماة في المادة 91 من القانون الجديد والتي لا تختلف عن المادة 85 من القانون المنسوخ. إذ نصت المادة 91 على أن مجلس الهيئة يتولى زيادة على الاختصاصات المسندة إليه، النظر في كل ما يتعلق بممارسة مهنة المحاماة، والمهام التالية :
1 ) حماية حقوق المحامين والسهر على تقيدهم بواجباتهم في نطاق المبادئ التي ترتكز عليها المهنة,
2) وضع النظام الداخلي للهيئة وتعديله. وفق ما يتطلبه تطبيق قواعد المهنة وتقاليدها وأعرافها، مع تبليغه إلى الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف، والوكيل العام للملك لديها، وإيداع نسخة منه بكتابة الهيئة، وكتابة ضبط محكمة الاستئناف.
3 ) تحديد رتبة المحامين المسجلين في الجدول، والمحامين المتمرنين,
4) إدارة أموال الهيئة وتحديد واجبات الإشتراك، وإبرام عقود التأمين عن المسؤولية المهنية لأعضائها مع مؤسسة مقبولة للتأمين,
5)إنشاء وإدارة مشاريع اجتماعية لفائدة أعضاء الهيئة، وتوفير الموارد الضرورية لضمان الإعانات والمعاشات لهم أو للمتقاعدين منهم أو لأراملهم وأولادهم، سواء في شكل مساعدات مباشرة، أو عن طريق تأسيس صندوق للتقاعد، أو الانخراط في صندوق مقبول للتقاعد، ...ألخ.
وإذا كانت هذه المادة قد أولت موضوع الحماية الإجتماعية للمحامي نصيبها المطلوب، فماذا عن الواقع المعاش؟
إن مواجهة الأعباء الإجتماعية للمحامين من تغطية صحية وتعويض عن الوفاة وتقاعد وغيرها كانت دائما هاجسا يشغل بال واهتمام مختلف الهيئات، لاسيما وقد أعلنت الوسائل التقليدية المبنية على مبادئ الزمالة والتضامن فشلها في مواجهة كل الحوادث والأمراض والوفيات التي قد يعاني منها المحامي. وهو الأمر الذي حث على التفكير الجدي في وسائل ناجعة لحل مثل هذه الموضوعات. وقد وجدت الهيئات الحل الجزئي في إبرام عقود التأمين الجماعية مع شركات للتأمين، لكن مثل هذه العقود شابها الإذعان وشروط التعسف مما أدى إلى تراكم الملفات وتفاقم المشاكل، لتعلن التجربة عن فشلها في توفير الحماية الإجتماعية المنشودة. فكان لابد من إيجاد المخرج الكفيل بحل هذه المعضلة الإجتماعية.
في هذا الصدد كانت جمعية هيئات المحامين بالمغرب قد بادرت إلى محاولة وضع الحلول، وتوج اجتهادها بميلاد التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب بتاريخ 25 يناير 2008 ، وتهدف هذه التعاضدية إلى تغطية المصاريف الطبية والجراحية التي يتم دفعها من طرف أعضاء التعاضدية أو أفراد أسرهم المستفيدين، ومنح الإسعاف والرعاية في حالة المرض أو الحوادث أو الوفاة، والوقاية من المخاطر الإجتماعية وجبر الأضرار التي قد تترتب عنها. وحماية الطفولة والأسرة والمساهمة في التنمية الأخلاقية والثقافية والجسدية لأعضائها عبر إحداث أعمال اجتماعية وتطوير نظام تقاعد أساسي وتكميلي بالنسبة للأعضاء.
ونأمل أن تتحد جهود مختلف هيئات المحامين بالمغرب لإيجاد وسائل متنوعة وفعالة لحل معضلة الحماية الاجتماعية للمحامي في إطار المتغيرات الاقتصادية الدولية وما يعيشه العالم من تكتلات واتحادات لمواجهة أظافر العولمة المتوحشة بات ضروريا على المحاماة الانخراط وبقوة في الحقل الاقتصادي ، لذا فإن التفكير الجدي في إنشاء مشاريع إقتصادية قوية من طرف مجموعة هيئات وبمساعدة تمويلية من طرف الدولة كفيل بتحقيق أمرين، أولهما المشاركة المثمرة في رقي الاقتصاد الوطني ونحقيق التنمية المنشودة ، وثانيهما ضمان المردودية المالية للهيئات المستثمرة وهو ما سيمكن من تغطية الاحتياجات الاجتماعية لمحاميها.
المساعدة القضائية
لطالما طلب من المشرع الإحساس باهتمامات وهموم المهنة عسى أن يصل إلى عقد صلح ذاتي بين حقيقة وواقع مهنة المحاماة ومستلزمات الدفاع الإجتماعي الذي مع الأسف الشديد تخلت الدولة عن تمويلها وكلفت بها المحامي.
وخلاصة النضال وضع المشرع للمادة 41 في القانون الجديد والتي تنطق بالآتي ":( للمحامي المعين، في نطاق المساعدة القضائية، أن يتقاضى من موكله أتعابا عن المسطرة التي باشرها ونتجت عنها استفادة مالية او عينية لهذا الأخير، على أن يعرض الأمر وجوبا على النقيب لتحديد مبلغ تلك الأتعاب.
يتقاضى في الأحوال الأخرى أتعابا من الخزينة العامة يتم تحديد مبلغها وطريقة صرفها بمقتضى نص تنظيمي)
وإذا كانت المادة اعلاه تشكل مكتسبا من بين المكتسبات التي تم انتزاعها عبر القانون الجديد فإن الأمر ظل مقيدا بنص تنظيمي لا نعلم متى يكتب له الوجود لا سيما أن قانون المالية لسنة 2009 معوز من هذا النص التنظيمي.
سنحاول أن نمط اللثام عن فكرة التعايش في باب المساعدة القضائية بين هدف المشرع فيما مضى وحقيقة ضغوطات وإكراهات المهنة حاليا والضحية دوما فيها هو المتقاضي المعوز ، فالمساعدة القضائية تعتبر أبغض الحلال عند المحامي
وبالرغم من أن تنصيب المحامي في إطار المساعدة القضائية لينوب عن المتقاضي الفقير تدخل في إطار رسالة المحامي السامية المشبعة بالمبادئ النبيلة التي تتميز بها مهنة المحاماة المتمثلة في النبل والإخلاص والتفاني في خدمة العدالة وكذا عدم وضع الأتعاب هي أساس النيابة، إلا أن الأوضاع تغيرت وأضحت النيابة في هذه الزمرة من القضايا من أبغض الحلال، بل كان ولا يزال أغلب المحامون سيرفضونها لولا الجزاءات التأديبية المترتبة في حق المحامي الذي يمتنع عن الدفاع في إطار المساعدة القضائية متى عين لذلك.
وينوب المحامي في قضايا المساعدة القضائية بنفسية ومعطيات مغايرة للوضعية العادية، فهو يكلف بالملف في آخر لحظة أو في وقت قصير، والأدهى والأمر من ذلك هو أن يلتقي غالبا بالأشخاص الذي سينوب عنهم في إطار المساعدة القضائية ولا يعرفهم إلا يوم الجلسة، وهذا ضرر كبير لصاحب الملف.
فأي ملف مهما كان حجمه لايستطيع المحامي أن يلتمس حقيقته إلا إذا تقابل مع المنوب عنه، ليبقى بعد ذلك ذكاء المحامي في فك دهاليز الملف ومعرفة موكله قبل المحاكمة والطريقة التي ينبغي الدفاع بها عنه أثناء المحاكمة.
كما أن المحامي المكلف في إطار المساعدة القضائية قد يجد أن جلسة ملف النازلة مدرجة في نفس الآن مع جلسة ملف آخر تقاضى فيه أتعاب مهمة، فماذا سيختار هل يستجيب لنداء ضميره والمشرع ويفقد زبناءه الميسورين الذين سيصرفون نظرهم عن باب مكتبه إذا آثر ملف المساعدة القضائية، أم يستجيب لنداء الجيب والأسرة مديرا ظهره عن عمل يعتقد أن لافائدة فيه إلا ضياع الوقت والجهد والمال وكذا الزبناء.
هناك العديد من المحامين لا يزالوا قلقون من غبش الآتي من المستقبل ويخافون من غدر الزمن لهم أو حصول مانع يعرقل مواكبة إيقاع المهنة، فيحسبون أن ملفات المساعدة القضائية ماهي سوى ملفات لاتخدم سباقهم مع الزمن، لا سيما أن بعض ملفات المساعدة قد تكلف عدة سنوات أو عدة شهور، لذلك قد نجد بعض المحامين يكتفي عند المرافعة في ملف المساعدة بكلمتين أو ثلاثة فقط فهو يريد تسجيل حضوره عن طالب المساعدة ولا يكترث بموضوع القضية ولا نتيجتها، مكتفيا بالكلمتين التقليديتين : (البراءة أساسا واحتياطا ظروف التخفيف).
والغريب في الأمرقد نجد أن المحامي في هذا الصدد لايعرف عن الملف إلا رقمه واسم صاحبه ولا يدري بعد هذا أي شيء عنه.
وبخصوص المحامي «المعوز»، فإن تكليفه بالمساعدة القضائية كمثل الأعمى الذي نطلب منه أن يكون قائد الطريق لغيره، فكيف بمن هو في أمس الحاجة للمساعدة أن يقدم خدمة، ملزمة بها الدولة بصفة شخصية وبدون أن يتقاضى أتعابا.
ولهذا، فإنه على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها الإجتماعية في كافة المجالات، والتعجيل بإخراج النص التنظيمي إلى الوجود.
لكن، يجدر التنبيه إلى أنه يجب أن تكون الأتعاب المحددة في المستوى المطلوب، وليست أتعابا بسيطة التي وجودها كعدمها، وإلا فإن المشرع سيكون قد خدع المحامي والمتقاضي الفقير وستصبح الحصيلة خلاف المأمول.
حصانة المهنة
إن موضوع حصانة مهنة المحاماة هو من المواضيع الدسمة والتي كانت وستزال موضوع نقاشات مهمة، وقد أولى القانون الجديد لهذا الموضوع عناية خاصة، لكن لابد من شد الانتباه إلى أن الحصانة المقصودة لا تختزل في الباب الخامس من القسم الأول من القانون رقم 08-28 والذي عنون بحصانة الدفاع، بل إن الأمر أكبر من ذلك إذ يتجسد في حصانة المحامي كشخص وفي حصانة مكتبه وفي حصانة بذلته . وعلنا نستطيع توضيح المقصد عبر الفقرات الموالية.:
حصانة المحامي
لا معنى لدفاع بدون حرية، فإذا شعر المحامي أنه مسؤول عن كلمة يتلفظ بها، أو رأي يبديه، فإنه مهما أوتي من شجاعة قد يجد نفسه مقيدا في اندفاعه، مترددا في كلماته فاقدا لجرأته.
ولولا حرية الدفاع، لضاعت الحقيقة بين الناس، إذ لا تجد من يعبر عنها، ومتى ضاعت الحقيقة ضاعت العدالة التي هي أساس الحكم. ولأجل ضمان هذه الحرية نودي بتوفير الحصانة للمحامي، لكن القانون لم يكن منصفا فالمادة 57 من القانون المنسوخ لم توفر المطلوب حينما كانت تحيل على مقتضيات المادة 57 من قانون الصحافة. لذا أتى القانون الجديد بتعديل مهم عبر المواد من 58 إلى 60 والتي خصصت لموضوع الحصانة.
ومن خلال المواد الذكورة أعلاه فإن المحامي أصبح يتمتع بحصانة تتجسد في حرية سلوكه الطريقة التي يراها ناجعة في الدفاع عن موكله ولا يقيده في ذلك سوى أصول المهنة.
كما أنه لا يسأل عما يرد في مرافعاته الشفوية أو مذكراته مما يتطلبه حق الدفاع. ولا يمكن اعتقال المحامي بسبب ما قد ينسب له من قذف أو سب أو إهانة، من خلال أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته المهنة أو بسببها. ولا يمكن اعتقاله أو وضعه تحت الحراسة النظرية إلا بعد إشعار النقيب، ويستمع إليه بحضور الأخير أو من ينوب عنه.
ومن أهم مقتضيات القانون الجديد ما ورد بالمادة 60 والتي نصت على ما يلي: ( كل من سب أو قذف أو هدد محاميا أثناء ممارسته لمهنته أو بسببها، يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصل 263 من القانون الجنائي).
وبذلك يكون المشرع قد أنصف المحامي حينما أولى له الحماية الجنائية على غرار رجال القضاء والموظفين العموميين ورجال القوة العامة.
حصانة مكتب المحامي
لما كان مكتب المحامي موضعا لأسرار الموكلين، فقد كان لزاما إحاطته بنوع من الحصانة لذا نصت الفقرة الرابعة من المادة59 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي:( إذا كان التفتيش أو الحجز سيجري بمكتب محام، يتولى القيام به قاض من قضاة النيابة العامة بمحضر نقيب المحامين أو من ينوب عنه أو بعد إشعاره بأي وسيلة من الوسائل الممكنة)."
وقد أتى القانون الجديد رقم 08-28 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة بمقتضيات تخص موضوع تفتيش مكتب المحامي وذلك من خلال الفقرة الثانية من المادة 59 والتي نصت على الآتي:( " لا يجري أي بحث مع المحامي، أو تفتيش لمكتبه، من أجل جناية أو جنحة بالمهنة، إلا من طرف النيابة العامة أو قاضي التحقيق وفق المقتضيات أعلاه".
والمقصود بالمقتضيات أعلاه هي إشعار النقيب وحضوره هو أو من ينوب عنه، لكن السؤال المطروح هو هل تعتبر هذه المقتضيات جديدة ولها لزاما بعدما أشرنا لمقتضيات المادة 59 من قانون المسطرة الجنائية؟
حصانة البدلة
لا نحتاج التذكير بما للجبة السوداء من معان، فهي تحمل عدة رموز لذا فإنها لابد وأن تكون محصنة، وهذا ما سنه المشرع من خلال الفقرة الثانية من المادة 98 من القانون الجديد والتي تعاقب كل من ارتدى عن غير حق أمام أية محكمة من المحاكم، أو أمام مجلس من المجالس التأديبية بذلة المحامي أو بذلة تشابهها، يمكن أن توهم أنه يمارس مهنة المحاماة، بعقوبة حبسية من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة من مائتين إلى ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
ولعل المقتضيات الذكورة أعلاه لا تختلف عما كانت تضمه المادة 95 من القانون المنسوخ اللهم إضافة المجالس التأديبية إلى جانب المحاكم.
وخلاصة القول فإن القانون رقم 08-28 يعتبر ككل بمثابة حصانة لمهنة المحاماة، وذلك بالإضافة إلى الأعراف والتقاليد التي تحيط بالمهنة من كل جانب، لكن بعض المقتضيات الزجرية تزيد من شأن هذه الحصانة ويتجلى ذلك من خلال ما خصه المشرع من عقوبات عبر القسم الثالث.
والمهم هو أن يكون المحامي في مستوى الرهانات، وأن يعمل على تشريف مهنة المحاماة بالتطبيق الجيد للقانون وللأعراف والتقاليد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.