بعد صدور القانون الجديد رقم 08 29 المنظم لمهنة المحاماة بالجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 6/11/2008 اختلفت وتعددت وجهات النظر حول ذلك القانون فمنهم من اعتبر أنه جاء بمكاسب إيجابية والبعض اعتبر بأنه لم يكن في مستوى طموحات أصحاب البذلة السوداء، وآخرون تحفظوا في الحكم عليه قبل تطبيقه وملامسة ما جاء به على أرض الواقع. وبالمناسبة فإن وجهة نظري المتواضعة تأخذ بعين الاعتبار المؤيدين له والمعارضين والمتحفظين بشأنه، لأن تعدد الآراء وإن اختلفت فإنها تعكس الغيرة على المهنة والرغبة في تحسين أوضاعها، حقيقة إن هذا القانون الجديد لم يرق إلي التطلعات ولكنه حقق بعض المكاسب التي تشكل أرضية للمستقبل، لأن التغيير الجذري لن يأتي دفعة واحدة ما لم تسبقه إصلاحات وتراكمات على مراحل، فليكن ما تحقق انطلاقة متفائلة نحو الأفضل، أما وأن نقول بأن القانون الجديد لم يحقق شيئا بالمرة فهذا موقف مبالغ فيه، ولا يقدر ما بذل من جهد مضني لبروز بعض التعديلات الإيجابية ضمن مواد هذا القانون. ولعل أهم التعديلات التي جاء بها القانون الجديد في نظري هي كالتالي: إدريس المشترائي محام بهيئة آسفي المادة الأولى : (المحاماة مهنة حرة، مستقلة، تساعد القضاء وتساهم في تحقيق العدالة والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء) التعديل: لم يكن القانون القديم يتضمن عبارة «وتساهم» وهذا يعني أنه ليس مساعدا للقضاء فقط وإنما أيضا مساهما وشريكا وطرفا رئيسيا في تحقيق العدالة، فإذا كان الحكم أو القرار ينطق به القاضي فإن صناعته وصياغته هي عمل جماعي يساهم فيه المحامي بشكل أوفر من خلال المقالات والمذكرات والمرافعات وجميع الدفوعات القانونية المثارة المعتمدة على النص القانوني والاجتهاد القضائي. المادة 18: يعفى من الحصول على شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة ومن التمرين الفقرة 2: قدماء القضاة من الدرجة الثانية أو من درجة تفوقها، بعد قبول استقالتهم أو إحالتهم على التقاعد ما لم يكن ذلك لسبب تأديبي). الفقرة 5: أساتذة التعليم العالي في مادة القانون، غير أنه لا يمكن لأستاذ التعليم العالي فتح مكتب خاص به إلا بعد قضاء مدة 6 أشهر بمكتب محام يعينه النقيب. التعديل: التعديل الذي تضمنته هذه المادة هو إزالة اللبس بالنسبة للفقرة 2 من القانون القديم وذلك بحذف عبارة (غير الحاصلين على الإجازة في الحقوق) التي كان يفهم منها أن الحاصلين على الإجازة لا يستفيدون إلا من مقتضيات الفقرة الأولي فقط بعد قضائهم ثماني سنوات،ن كما أن الفقرة الخامسة طالها التعديل أيضا فيما يخص ضرورة قضاء أستاذ التعليم العالي مدة 6 أشهر بمكتب محام يعينه النقيب وهذا الشرط لم يكن واردا في السابق لأن الغاية منه هو الاحتكاك والممارسة والإطلاع قبل الشروع في المهنة لأن هناك جوانب تقنية في التعامل مع القضايا والمساطر والمتقاضين، خاصة أن الأستاذ الجامعي تختلف طبيعة عمله كليا عن العمل القضائي وإذا كان القاضي معفى من هذا الشرط فلأنه جاء من داخل الأسرة القضائية ومارس العديد من الاجراءات والمساطر القانونية وبالرغم من ذلك فإنه لا يستأنس بالمهنة إلا بعد مدة معينة، لأن لكل مهنة خصوصيتها والمحاماة هي مهنة التواصل بامتياز وأيضا مهنة المتاعب. المادة 31: (لا يسوغ أن يمثل الأشخاص الذاتيون والمعنويون والمؤسسات العمومية وشبه العمومية والشركات أو يؤازروا أمام القضاء إلا بواسطة محام، ماعدا إذا تعلق الأمر بالدولة والإدارات العمومية تكون نيابة المحامي أمرا اختياريا). التعديل: هو أن جميع الأشخاص الذاتيين والمعنويين ملزمون بتنصيب محامي للدفاع عنهم تحت طائلة عدم القبول باستثناء الدولة والإدارات العمومية التي تتمتع بصلاحية الاختيار، وحبذا لو أن الدولة والإدارات العمومية أدركت أنها من مصلحتها تنصيب محام للدفاع عنها لأن الموظف الذي يمثلها مهما كان مستوعبا للنصوص القانونية فانه ينعدم لديه الحس القانوني وكيفية استخداهم النص والتعامل مع مختلف المساطر القانونية على تنوعها وتعقيداتها، وأتمنى أن يدرك المشرع مستقبلا هذه الثغرة من أجل إلزام الإدارات العمومية والدولة بتنصيب محامي حفاظا على مصلحة المرفق العام، فكثير من الدعاوى تضيع بسبب إخلالات شكلية بسيطة لا يدركها إلا رجل القانون المتمرس. المادة 41: (يتقاضى المحامي في الأحوال الأخرى أتعابا من الخزينة العامة يتم تحديد مبلغها وطريقة صرفها بمقتضى نص تنظيمي). التعديل: هو أن المحامي كان لا يتقضى أتعابا أثناء نيابته في إطار المساعدة القضائية في بعض الأحوال (القضايا) كالجنايات مثلا وأصبح بمقتضى النص التنظيمي إمكانية تحديد مبلغها وطريقة صرفها من طرف الخزينة العامة. المادة 43: (يحث المحامي موكله على فض النزاع عن طريق الصلح أو بواسطة الطرق البديلة الأخرى قبل اللجوء إلى القضاء، ويقدم لموكله النصح والإرشاد فيما يتعلق بطرق الطعن الممكنة مع لفت نظره إلى أجالها). التعديل: إضافة إلى دور المحامي في الدفاع عن موكله، فإن المشرع في إطار الحلول البديلة للمنازعات، فقد خول إليه إمكانية فض النزاع عن طريق الصلح قبل اللجوء إلى القضاء ومن شأن ذلك التخفيف على المحاكم من عبء بعض القضايا البسيطة التي تحتاج إلى إيجاد صيغة توافق بن طرفي النزاع في إطار القانون طبعا، كما أن المحامي له دور بمقتضى النص الجديد، توجيهي لموكله بتقديم النصح له وإرشاده إلى ما ينبغي سلوكه قانونا، ولفت نظره إلى طرق الطعن وآجالها لأن إهمال ذلك هو تقصير من طرف المحامي قد يضيع حقوق موكليه. المادة 53: تستفيد أتعاب المحامي، عند استيفاء الديون من الامتياز المقرر في الفصل 1248 من قانون العقود والإلتزامات). التعديل: هو أنه سابقا لم تكن أتعاب المحامي تستفيد من مسطرة الامتياز المنصوص عليها بمقتضي الفصل أعلاه وهذا يعطي ضمانة للمحامي في التوصل بأتعابه. المادة 57: (يؤسس على صعيد كل هيئة، حساب ودائع وأداءات المحامين، وتودع بهذا الحساب كل المبالغ الناتجة عن تنفيذ مقرر قضائي من لدن مصالح التنفيذ والمفوضين القضائيين). التعديل: جاء القانون الجديد بضرورة إحداث حساب ودائع وأداءات المحامين على صعيد كل هيئة ومن شأن ذلك أن يجعل حدا للعديد من الشكايات والخلافات الحاصلة بين المحامين وموكليهم، وأعتقد أن في هذا الحساب ضمانة للمحامي قبل الموكل ولا يعني تأسيسه أن المحامي غير أهل للثقة وإنما الغاية هو ضبط العمليات ووجود شفافية، وتفعيل دور مؤسسة النقيب في المراقبة والتوجيه، حماية لحقوق المحامي والموكل على السواء، وأيضا وضع حد لبعض المخالفات المهنية المتعلقة بالودائع وهذه حقيقة لايمكن الهروب منها، لأن المراقبة الذاتية هي أحسن وسيلة للمحافظة على احترام ووقار المهنة. المادة 58: (لايسأل المحامي عما يرد في مرافعاته الشفوية أو في مذكراته مما يستلزم حق الدفاع ولايمكن اعتقال المحامي بسبب ما قد ينسب إليه من قذف أو سب، أو إهانة من خلال أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته المهنة أو بسببها، ولايمكن اعتقال المحامي أو وضعه تحت الحراسة النظرية إلا بعد إشعار النقيب، ويستمع إليه بحضور النقيب أو من ينتدبه لذلك). التعديل : هذه المادة جعلت المحامي في القانون الجديد يتمتع بحصانة هامة لم يتضمنها القانون القديم، إذ أن مؤسسة النقيب أصبح لها دور التتبع والمواكبة إذ لايمكن اعتقال المحامي أو وضعه تحت الحراسة النظرية والاستماع إليه إلا بعد حضور النقيب، وهذه الحصانة تظل دائا مقيدة باحترام المحامي للقانون والتزامه بالضوابط المهنية وبالأعراف والتقاليد فرجل القانون كما يقال هو الأولى باحترامه للقانون. المادة 60: (كل من سب أو قذف أو هدد محاميا أثناء ممارسته لمهنته أو بسببها يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصل 263 من القانون الجنائي). التعديل: الجديد الذي ورد في هذه المادة هو أن المحامي أصبح يتمتع بالحماية الجنائية على غرار رجال القضاء والموظفين العموميين ورجال السلطة وغيرهم، فالمادة 57 من القانون القديم لم تكن توفر أية حصانة حينما كانت تحيل على مقتضيات قانون الصحافة وهو الذي كان مطبقا في حالة تعرض المحامي للسب أو القذف أو التهديد. المادة 67: (إذا ألغت محكمة الاستئناف مقرر النقيب بالحفظ، تحيل الملف وجوبا، من جديد لعرضه على مجلس الهيئة لمواصلة إجراءات المتابعة). التعديل: محكمة الاستئناف حينما كانت في السابق تلغي مقرر النقيب بالحفظ فإنها تتصدى لاتخاذ القرار الملائم، وهذه الصلاحية لم تعد تتمتع بها إذ أن الملف يحال بعد إلغاء مقرر الحفظ على مجلس الهيئة للبت فيه طبقا للقانون. الفصل 68: (في حالة المتابعة من طرف النقيب، أو إذا ألغت محكمة الاستئناف قرارا بالحفظ يجري المجلس تحقيقا حضوريا مع المحامي المشتكى به). التعديل: من شأن هذا التحقيق أن يفتح للمحامي المشتكي مجالا أوسع للدفاع عن نفسه وإظهار الحقيقة والإدلاء بكل ما يمتلكه من حقائق ووسائل إثبات، بمعنى أن الفصل 68 يعطيه ضمانات قوية لابداء رأيه حول ما يدعيه المشتكي. المادة 88: (يتشكل مجلس الهيئة من 3 فئات وهي النقباء السابقون المسجلون بالجدول لمدة تفوق 20 سنة المسجلون بالجدول لمدة تتراوح بين 10 و 20 سنة، ويتعين أن يكون عدد أعضاء الفئة الثانية مساويا لعدد أعضاء الفئة الثالثة). التعديل: جاءت هذه المادة بالجديد على مستوى التمثيلية داخل مجلس الهيئة وذلك باعطاء الفرصة للنقباء السابقين نظرا لتجربتهم المفيدة على مستوى الممارسة المهنية، وإعطاء الفرصة في إطار التشبيب والتنويع للمسجلين بالجدول منذ 10 سنوات إذ كانت هذه الفئة غالبا ما تكون مغيبة لنفوذ محامين يتمتعون بأقدمية تجعلهم يستفيدون منها، إذ أن الفئة ما فوق 20 سنة من الممارسة المهنية كانت هي المسيطرة، في وقت يجب الايمان فيه بتعاقب الأجيال وأن المجال ينبغي أن يكون مفتوحا لجميع الكفاءات دون إقصاء أو تهميش. المادة97 : (تخضع للطعن بالتعرض والنقض، القرارات الصادرة عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وغرفة المشورة بها، وفق الشروط والقواعد والآجال العادية المقررة في قانون المسطرة المدنية، وتكون القرارات التأديبية الصادرة بالإيقاف عن الممارسة أو التشطيب قابلة لإيقاف التنفيذ من لدن المجلس الأعلى). التعديل: يتمثل الجديد في كون القرارات الصادرة عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف كقرارات تحديد الأتعاب لم تكن تقبل أي طعن عادي أو غير عادي، مما يفتح الباب أمام درجة أخرى من درجات التقاضي. كما أن القرارات التأديبية الصادرة بالإيقاف أو التشطيب أصبحت قابلة لإيقاف التنفيذ من طرف المجلس الأعلى بالطبع بعد تقديم مقال الطعن بالنقض، مع العلم أن الفقرة الأخيرة من الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية سبق إلغاؤها بمقتضى ظهير 10/ 9 / 1993 والتي كانت تسمح بتقديم طلب إيقاف التنفيذ أمام المجلس الأعلى، ولذلك فإن ايقاف تنفيذ القرارات التأديبية الصادرة بالإيقاف أو التشطيب هو استثناء ومكسب قانوني يمكن الصادر في حقه ذلك النوع من القرارات التأديبية من تقديم طلب إيقافها الى حين البت في الطعن بالنقض. هذه مجرد وجهة نظر الغاية منها المساهمة في النقاش الدائر حاليا بعد دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، وعلى الجميع أن يدرك أن المهنة هي أخلاق وقيم ورسالة نبيلة وليست مجموعة نصوص قانونية فقط فتطور التشريع وحده غير كاف ما لم تتطور العقليات وتؤمن بأن المحاماة هي ميدان مبادئ، ومن يريد غير ذلك فعليه أن يختار، وأخيرا تحضرني قولة للمحامي السوري الأستاذ هاني البيطار: (إن المحاماة مهنة المشاكل والمتاعب، والمشاق، لكنها ليست عاقة، إنها كريمة سخية، ومنصفة عادلة تعطي بقدر الموهبة أولا، وبقدر الجهد ثانيا، ثم خاصة بقدر الصدق والأمانة، وفيها بعض الساعات الرائعة التي تعوض كل تضحية، وتنسي كل تعب ومشقة).