يرى المهنيون العاملون في مختلف المهن المرتبطة بمجال القضاء، أن أي حديث عن إصلاح السلطة القضائية لا يمكن أن يكون ذا جدوى ما لم تتم إعادة النظر في القوانين المؤطرة لهذه المهن ولأصحابها، ولعل ذلك ما جعل الخطاب الملكي الأخير الذي خُصص للتطرق إلى مشروع »مخطط متكامل ومضبوط» لإصلاح القضاء، يشير إلى ضرورة أن يشمل الإصلاح هذه المهن التي أوردها خطاب الملك ضمن النقطة الأولى من مخطط الإصلاح، والمتعلقة ب«دعم ضمانات الاستقلالية»، مؤكدا على «إعادة النظر في الإطار القانوني المنظم لمختلف المهن القضائية». وتأتي مهنة المحاماة على رأس هذه المهن، التي يعتبرها أصحاب البذلة السوداء الذراع الأخرى للعدالة بعد القضاء، و«لا يجب أن يغض أي اقتراح لإصلاح القضاء الطرف على تضمين مهنتهم ضمن هذا الإصلاح المرتقب»، يقول محمد أقديم نقيب هيئة محامي الرباط، الذي أضاف أن هناك شريحة من المحامين يعانون في صمت نتيجة غياب ملفات لديهم أو لتفاهة المبالغ التي يتقاضونها، مما يعني إعادة النظر في الإطار المنظم لمهنتهم، وتدارك ما جاء به القانون الصادر في أكتوبر من السنة الماضية المتعلق ب«الشركة المدنية المهنية”، إلى جانب قانون المحاماة، الذي يحتاج إلى كثير من العمل حتى يمكن المحامي من تجاوز وظيفته التقليدية، إلى وظيفة أكثر إشراكا له في مجال تنمية البلاد علاوة على تحقيق العدالة». ويرى أقديم، في تصريح ل«المساء»، أن القانون الجديد لا يتيح للمحامي إمكانية المساهمة في مجال التنمية عبر مساهمته في تأسيس رساميل والمشاركة مثلا في الاستثمارات الأجنبية التي تقام ببلادنا»، مشيرا إلى كون القانون الجديد إذا ما تم تضمينه عددا من «التحفيزات» فإن من شأن ذلك التشجيع على تشكيل شركات للمحامين وهو ما يجعل دور المحامي يتحول من دوره التقليدي المنحصر في المرافعة أمام المحاكم في قضايا تتعلق بالنفقة وغير ذلك إلى «أن يكون رافعة للتنمية، وأن يجنب المحامي ربط مصدر عيشه في مجرد الترافع بشأن قضايا تافهة». ويلح أقديم على أن الإصلاح القضائي الذي دعا إليه الملك، في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب الأخيرة، يجب أن يتضمن مقترحا ل«تعديل قانون الشركة المدنية المهنية، الصادر في أكتوبر من السنة الماضية»، باعتبار مكانة مهنة المحاماة في تحقيق العدالة، والتي بتحسينها ستساهم في الرفع من جودة وفعالية السلطة القضائية، ومؤكدا في ذات السياق، على أن وجود ما أسماها «النقابة الضامنة» في مهنة المحاماة، تعتبر من «الأولويات التي يجب تطبيقها للحفاظ على ودائع المتقاضين، تحت مراقبة هيئة المحامين وليس وكيل الملك الذي يجب أيضا إعادة النظر في علاقته بالمهنة». وتحتل مهنة العدول مكانة مهمة في جسم القضاء المغربي، ورغم أن العدول يفتخرون بكتابة ميثاق بيعة الملك عقب اعتلائه عرش البلاد سنة 1999، إلا أنهم يعتبرون هم الآخرون أن مهنتهم تعاني بعض التهميش من طرف الوزارة الوصية، بحسب مصادر من الهيئة الوطنية لعدول المغرب، وهي الهيئة التي يرون أنهم خاضوا من أجلها “حربا طويلة” لانتزاع الاعتراف بها من طرف وزارة العدل. ويرى العدول، البالغ عددهم نحو أربعة آلاف وخمسمائة في جميع أنحاء البلاد، أن مهنتهم تعرف «مزاحمة» من طرف الموثقين، ما يجعل النظر إلى مهنتهم في سياق ورش الإصلاح القضائي الذي دعا إليه الملك، أصبح أكثر ضرورة وإلحاحا لتحسين عمل هذه الشريحة المهمة من العاملين في مجال القضاء. إلا أن هذه المهنة يرى أصحاب مهنة قضائية أخرى أنها تحدث «تصادما» معهم، كما يرى ذلك رشيد الشطبي رئيس الرابطة الوطنية للنساخ القضائيين بالمغرب، في تصريحه ل«المساء»، قبل أن يضيف أنه رغم النضالات المتكررة لمهنة النساخ وللعاملين بها من أجل إطار يضمن لهم ممارسة حرة، فإن الارتباط مع هيئة العدول ظل قائما، ورغم أن قانون 49/2001 ينص على أن مهنة النساخ هي مهنة حرة، فإنهم ما يزالون يتبعون لقضاء الأسرة ويخضعون للتوقيت الإداري الذي يسري على موظفي هذا القطاع، بالإضافة إلى أن هناك عدة ثغرات يتضمنها هذا القانون خاصة منها المتعلقة بالأمور المادية، التي ما فتئوا يطالبون الوزارة الوصية بالرفع من قيمتها وعدم ترك العدول يستفيدون أكثر منها في الوقت الذي يقومون به بدور أساسي في مجال تضمين الوثائق المتعلقة بقضاء الأسرة واستحضارها، داعيا في ذات السياق الجهات المعنية إلى ضرورة تبني قانون واضح يحدد بشكل جلي المهام خاصة في ظل مهنة يتقاسمها أكثر من طرف. ومن بين المهن القضائية الأخرى أيضا هناك مهنة المفوضين القضائيين المنظمة مهامهم بالقانون رقم 03/81 الصادر بمقتضى الظهير رقم 23/06/1 بتاريخ 14 فبراير 2006 باعتبارهم يمارسون مهنة حرة، ورغم أن هذا القانون لا يفرض على المتقاضين اللجوء إلى خدمات أحد المفوضين القضائيين بالضرورة مادام المشرع أبقى على خدمات الأعوان القضائيين التابعين لكتابات الضبط كما كانت ولم يدخل عليها أي تعديل، فإن الواقع يؤكد أن بعض الصناديق التابعة لبعض المحاكم تستلزم اختيار أحد المفوضين القضائيين وتسديد واجباته مسبقا قبل استخلاص الصائر وذلك في «خرق سافر» للقانون، كما رأت ذلك «مذكرة إصلاح القضاء» التي رفعتها منظمات حقوقية إلى الجهات المعنية، التي رأت أن ذلك يؤثر سلبا على حقوق المتقاضين ويزعج المحامين على وجه الخصوص، بل يعرقل سير أعمالهم ويوحي في النازلة بنوع من الزبونية لفائدة مؤسسة حرة، وأكثر من ذلك تواصل المذكرة، «فالمفوض القضائي الذي قلص المشرع من اختصاصاته فيما يرجع إلى تنفيذ بعض القرارات القضائية، «صار يشكل واحدا من معوقات الجهاز القضائي»، وهو ما يرد عليه مفوضون قضائيون أشاروا إلى أن عدم وضوح القوانين هو الذي «يحدث لبسا لدى المتقاضين والعموم أيضا».