الأستاذة: تنسيم بن لمقدم طالبة باحثة يستوجب عمل المحامي والمجهود الذي يبذله مقابلا ماديا كشأن كل أصحاب المهن الحرة الأخرى، وقد اصطلح على تسمية هذا المقابل: الأتعاب (Les honoraires) (1). وقد اعتبر القاموس «الأتعاب» أجر مالي يتفق عليه وديا بين العملاء وأرباب بعض المهن الحرة (2). أما اتعاب المحامي فهي ذلك المقابل الذي يتم الاتفاق عليه وديا بين الموكل والمحامي، ويختلف هذا المقابل المالي من منازعة لأخرى، كما يختلف حسب ما إذا كان عمل المحامي هو عبارة عن مرافعة أو مجرد استشارة قانونية أو غيرهما. وقد نظم المشرع المغربي، كغيره من المشرعين مسألة أتعاب المحامي في نصوص عديدة؛ بدءا من القانون المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة ، وقانون المسطرة المدنية (3)، والمرسوم الخاص بالمساعدة القضائية (4) ، والمرسوم المتعلق بالرسوم القضائية (5)، بالاضافة الى الأنظمة الداخلية لمهنة المحامة الخاصة بكل هيئة من هيئات المحامين بالمغرب. ومن أهم هذه النصوص القانون المتعلق بمهنة المحاماة، الذي كان سابقا (6) يعاني فراغا كبيرا في ما يخص مجموعة من الإشكالات التي تهم الأتعاب، وبعد تعديله بمقتضى الظهير الشريف رقم 101.08.1 الصادر في 20 شوال 1429 (20 أكتوبر 2008) بتنفيذ القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديد القانون المنظم لمهنة المحاماة (7)، فقد جاء بحلول تشريعية لعدد من الأمور المتعلقة بالأتعاب التي كانت في ظل قانون المحاماة السابق محلا للإجتهاد القضائي يفسرها كيف شاء في غياب نص تشريعي واضح ودقيق. ---------------------------------- وهكذا في جاء القانون الجديد المنظم لمهنة المحاماة بمجموعة من الحلول لعدة إشكالات متعلقة بالأتعاب، إلا أنه رغم ذلك أغفل التطرف إشكالات أخرى تظل محلا لعدد من المنازعات المطروحة أمام القضاء المغربي (ثانيا) وستتم دراسة هذا الموضوع انطلاقا من النقطتين التاليتين: أولا: إيجاد قانون المحاماة حلولا لمجموعة من الإشكالات المتعلقة بالأتعاب. ثانيا: إغفال قانون المحاماة لبعض الإشكالات المتعلقة بالأتعاب. إيجاد قانون المحاماة حلولا لمجموعة من الإشكالات المتعلقة بالأتعاب. ظلت أتعاب المحامي لفترة غير قصيرة من الزمن تعاني قصورا تشريعيا شمل عدة مجالات (أغفل المشرع المغربي التطرق لها) تاريكا ذلك لاجتهاد القضاء المغربي إلى حدود أواخر سنة 2008 ، إذ خرج الى حيز الوجود القانون المنظم لمهنة المحاماة في حلته الجديدة، حاملا بين طياته العديد من المستجدات التي طالت معظم الإشكالات المتعلقة بالأتعاب. 1 الاختصاص بشأن الأتعاب: في ظل القانون السابق كانت الجهة المختصة بتقدير الأتعاب غير محدودة، إذ قد تكون ممثلة في النقيب (المادة 50 من ق. المحامة السابق) أو في القضاء (المادة 92 من ق. المحاماة السابق)، مما انعكس سلبا على الاجتهاد القضائي الذي تضاربت آراؤه. وهكذا فقد جاء في أمر للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بمراكش ما يلي: (إن الاتفاق بين المحامي وزبونه على الأتعاب مسبقا لايخل بحق السيد النقيب في النظر في طلب الأتعاب المقدم من طرف المحامي، والذي يدل على وجود الاختلاف بينه وبين زبونه، ما عدا إذا ثبت هذا الاتفاق بحجة أو اعتراف مدون بين الطرفين، فيخرج في هذه الحالة عن اختصاص السيد النقيب ويصبح من اختصاص القضاء (8). وفي نفس هذا الاتجاه سارت محكمة الاستئناف بالرباط (9). أما محكمة الاستئناف بالدار البيضاء فقد جعلت الاختصاص يظل قائما للسيد النقيب حول تحديد الأتعاب المتفق عليها كتابة (10). وقد كان القرار الأخير موفقا فيما ذهب اليه من كون الاختصاص بشأن تحديد الأتعاب يظل منعقدا للنقيب سواء كان الاتفاق بين المحامي والموكل مكتوبا أم لا، وهذا ما أكدته المادة 51 من القانون المنظم لمهنة المحاماة الحالي، إذ جاء فيها: يختص نقيب الهيئة بالبت في كل المنازعات التي تثار بين المحامي وموكله بشأن الأتعاب المتفق عليها والمصروفات، بما في ذلك مراجعة النسبة المحددة باتفاق بين المحامي وموكله، كما يختص في تحديد وتقدير الأتعاب في حالة عدم وجود اتفاق مسبق). 2 أجل تقادم الأتعاب: وقد أغفل قانون مهنة المحاماة السابق تحديد أجل تقادم دعوى المطالبة بالأتعاب، وهذا الإغفال كان السبب الرئيسي وراء تضارب الاجتهاد القضائي بهذا الخصوص، وعدم استقراره على رأي موحد (11)، رقد كان حريا بالمشرع في ظل القانون السابق أن يحدد أجلا لتقادم دعوى المطالبة بأتعاب المحامي وينص على ذلك بنص صريح. كما فعل نظيره في القانون المصري، إذ نص في المادة 86 منه على مايلي (يسقط حق المحامي في مطالبة موكله أو ورثته بالأتعاب عند عدم وجود اتفاق كتابي بشأنها بمضي خمس سنوات من تاريخ وفاة الموكل حسب الأحوال...). وفعلا جاء القانون الجديد المنظم لمهنة المحاماة متجاوزا هذا الإغفال، مالئا بذلك فراغا كان سببا مباشرا في قيام العديد من المنازعات القضائية في هذا المجال، واتجه في نفس اتجاه المشرع المصري، إذ نصت الفقرة الأخيرة من المادة 51 منه على مايلي: (تتقادم جميع الطلبات والمنازعات المتعلقة بالأتعاب بمرور خمس سنوات من تاريخ انتهاء التوكيل). 3 امتيازات الأتعاب: عرف المشرع المغربي في الفصل 1243 من ظهير الالتزامات والعقود الإمتياز بأنه: (حق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين نظرا لسبب الدين)، كما عرفه الفصل 154 من ظهير 19 رجب 1331 بأنه: (حق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين لدائن الأفضلية على باقي الدائنين حتى ولو كانوا دائنين برهن رسمي). ولم يجعل المشرع المغربي للأتعاب صفة دين امتيازي كما فعلت بعض قوانين الدول العربية؛ نصت المادة 72 من قانون المحاماة اللبناني على أنه: (يعتبر بدل أتعاب المحامي من الديون الممتازة، على أن لايمس هذا الامتياز الحقوق التي ينص على اعتبارها ممتازة والحقوق العينية المسجلة قبل رفع الدعوى أو طلب بدل الأتعاب) (12). كما نصت المادة 88 من قانون المحاماة المصري على أن: (لأتعاب المحامين وما يلحق بها من مصروفات امتياز يلي مباشرة حق الخزانة العامة على ما آل إلى موكله نتيجة عمل المحامي، أو الحكم في الدعوى موضوع الوكالة وعلى ضمانات الإفراج والكفالات أيا كان نوعها...) ونصت المادة 32 من قانون المحاماة الكويتي في الفقرة الثانية على أن: (لأتعاب المحامي حق امتياز من الدرجة الأولى على الأموال والحقوق التي قام بتحصيلها لموكله وضمانات الإفراج، وحق امتياز من الدرجة الثانية على أموال موكله في الحالات الأخرى) (13). في هذا الصدد، فقد كان اجتهاد القضاء المغربي متضاربا، فمرة يصرح بانعدام حق الامتياز على الأتعاب (14) وأخرى يقضي بأن الأتعاب دين ممتاز (15). ولتدارك هذا القصور التشريعي وانعكاسه السلبي على القضاء، جاءت المادة 53 من قانون المحاماة الجديد بالحل، حيث نصت على استفادة أتعاب المحامي من حق الامتياز ، إذ تحتل الرتبة الثامنة، فجاءت كما يلي: (تستفيد أتعاب المحامي، عند استيفاء الديون، من الامتياز المقرر في الفصل 1248 كما تم تعديله، من الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود. يباشر هذا الامتياز وفق الترتيب الوارد في الفصل المذكور، وتحتل اتعاب المحامي الرتبة الثامنة في الترتيب). 4 آجال الطعن في الأتعاب: لم يحدد قانون المحاماة السابق طبيعة الآجال المتعلقة بالأتعاب، وهذا ما أثارجدلا كبيرا على المستوى الفقهي، فمرة يعتبرها آجالا كاملة، وأخرى اعتبرها ناقصة (15 م). أما على المستوى القضائي فقد تضاربت الاجتهادات ، إذ نجد بعضها يقضي بكون أجل الطعن في قرار تحديد الأتعاب هو أجل كامل، ذلك أن آجال الطعن في القرارات القضائية هي آجال كاملة لا يحسب فيها اليوم الأول للتبليغ ولا اليوم الأخير منه حسب الفصل 512 من قانون المسطرة المدنية، باعتبار أن قرار تحديد الأتعاب هو بمثابة قرار قضائي مع ما تثيره هذه النقطة بحد ذاتها من إشكال وأجل الطعن فيه هو أجل كامل، ويتعين لذلك ترتيب الآثار المترتبة عن هذه القاعدة (16) ، وبعضها الآخر يقضي بكون أجل الطعن في قرار تحديد الأتعاب هو أجل ناقص لا يحسب فيه يوم تبليغ القرار ولكن يحسب اليوم الأخير منه، حسب الفصل 131 من قانون الالتزامات والعقود، الذي ينص على أن الأجل المقرر بعدد من الأيام ينقضي بانتهاء يومه الأخير (17). وتدارك قانون المحاماة الجديد هذا الإشكال من خلال مقتضيات المادة 101 منه التي تنص على أنه: (تكون جميع الآجال المنصوص عليها في هذا القانون كاملة، فلا يحسب اليوم الأول الذي أنجز فيه الإجراء، ولا اليوم الأخير الذي ينتهي فيه الأجل إذا صادف اليوم الأخير يوم عطلة امتد الأجل الى أول يوم عمل بعده). 5 - طرق الطعن في قرار الأتعاب: لم يكن يحق لطرفي النزاع - المحامي والموكل - الطعن في الأمر الصادر عن الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف بشأن بته في الطعن في قرار تحديد الأتعاب بنص صريح للفقرة الأخيرة من المادة 92 من قانون المحاماة السابق لسنة 1993. ولعل المجلس الأعلى غض الطرف عن هذه القاعدة، إما تجاهلا أو عمدا للتخفيف من وطأة المضرة عن الطرف المتضرر، فقبل الطعن بالنقض في أمر الرئيس الأول، وقد تأكد ذلك من خلال عدد من القرارات الصادرة عنه في هذا الصدد (18)، ومع ذلك نجد المجلس الأعلى قد تراجع عن قراراته السالفة واقر ما جاءت به القاعدة المذكورة في الفقرة الأخيرة من المادة 92 من قانون المحاماة المذكور (19). ولكن عدم قبول أمر الرئيس الأول بشأن تحديد الأتعاب لأي طعن لم يكن قاصرا على الطعن بالنقض فقط، بل شمل كذلك حتى الطعن بإعادة النظر (20 )، والطعن بالتعرض (21)، وذلك حيادا عن الطعن الاستثنائي الذي يمكن أن يوجه ضد أمر الرئيس الأول في إطار الفصلين 381 و 382 من قانون المسطرة المدنية، لكون هذا النوع من الطعون لا يمارس إلا نادرا وبمسطرة خاصة تخضع لما يمكن أن نسميه تظلما أو ترجيا أمام السيد وزير العدل أو أمام السيد الوكيل العام للمجلس الأعلى في إطار سلطتهما التقديرية، إلا أن ما سبق ذكره قد تغير نتيجة للمادة 97 من قانون المحاماة الجديد لسنة 2008، والتي جعلت كل القرارت الصادرة عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وغرفة المشورة بها خاضعة للطعن بالتعرض والنقض، بما فيها أوامر الرئيس الأول بتحديد الأتعاب، وذلك بنصها على ما يلي: (تخضع للطعن بالتعرض والنقض القرارات الصادرة عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وغرفة المشورة بها، وفق الشروط والقواعد والآجال العادية المقررة في قانون المسطرة المدنية...). إذن فقد عمل المشرع من خلال المستجدات أعلاه على ملء الفراغ التشريعي في قانون المحاماة السابق، في عدد من النقط الهامة، التي طالما مثلت إشكالات انعكست سلبا على المستوى القضائي من خلال حدة وكثرة المنازعات المعروضة عليه، إلا أنه رغم ذلك فقد تم اغفال نقط أخرى لا تقل أهمية عما ذكر، وسنتطرق اليها في الفقرة الموالية المحور الثاني في العدد القادم.