أعجب الزميل الأخ الأستاذ عبد القادرالإدريسي أيما إعجاب بفكري وعطاءي رجلين من أعظم مجددي الفكروالعمل والدعوة الإسلامية في هذا العصر، وعكف بدأبه المعهود على القراءة الواعية لتراثهما العظيم يستجلي معالم فكريهما وتجليات روحيهما وإشراقات أسلوبيهما ومبادئ العمل الميداني الذي امتازا به. هذان المجددان الكبيران هما الأستاذان بديع الزمان سعيد النورسي، ومحمد فتح الله كولن، اللذان ضمن ذ. عبد القادرالإدريسي كتابه الجديد " نوروفتح، قراءة في فكرسعيد النورسي وفتح الله كولن" الصادرعن دارالنيل للطباعة والنشرفي القاهرة، والذي أهداني مشكورا نسخة منه، ضمنه ومضات وقبسات من فكريهما وكتاباتهما، محللا ومستشفا أسرارنجاح هذين الرجلين في الكتابة والدعوة والعمل الإسلامي الرشيد. قدم لهذا الكتاب بكلمة عميقة الدكتورأحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء حيث قال : " والكتاب الذي أسعد اليوم بتقديمه إلى جمهورالقراء، يشكل رحلة إلى آفاق الإشراق الوجداني والفكري، والإبهارالجمالي، في كتابات هرمين من أهرام الفكروالدعوة في العصرالحديث، ممن يحملون في طواياهم هموم الأمة وأمانيها، في يومها وغدها، صاحب الكليات، الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله، وصاحب " النورالخالد : محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية"، الأستاذ محمد فتح الله كولن ( هوجا أفندي) حفظه الله. وهما مجددان وفقا إلى حد بعيد في إحاطة مشروعيهما بأنوارالرسالة الربانية، ونفحاتها النورانية، مما كانت له آثاره البارزة على أرض الواقع. وتكمن قيمة الكتاب الذي اختارله مؤلفه، الأستاذ عبد القادرالإدريسي، عنوان " نوروفتح : قراءة في فكرسعيد النورسي وفتح الله كولن " في قدرة صاحبه على النفاذ إلى مظان أفكارالرجلين وامتداداتها في جوانب شتى، حيث قام بجولة رائقة في كليات رسائل النور، وقام باستعراض موفق لأهم ما حوته كتب الأستاذ فتح الله كولن، مما جعل الكتاب غنيا بتوجيهات وإلماعات مفيدة، من شأنها أن تغني حياة القراء وتملأها بفاعلية وحركية غاية في الوظيفية. والكتاب في أصله مقالات سبق للمؤلف أن نشرها في منابرإعلامية مختلفة، وفي أوقات متباينة، اختارلها عناوين مشرقة، وأودع فيها ومضات من بعض ما انقدح في خاطره الكريم، من أفكارحول الجذورالفكرية، والامتدادات العلمية لفكربديع الزمان، وقبسات والتماعات من سيرة الأستاذ فتح الله كولن وجهوده. ولا شك أن هذه المباحث، سوف تجد لها صدى مباركا لدى الباحثين المعنيين بشؤون الإسلام وقضاياه في العالم، ولعل القيمة المضافة الأبرز، التي يمكن أن يلمسها قارئ هذا السفر، تكمن في إبراز عوالم فكرالأستاذ سعيد النورسي، والغوص في فكرالأستاذ فتح الله كولن، وفق أسلوب ميسر، كما تكمن في التمكين من استكشاف عالم أفكارهما المستنيربنورالقرآن ونفحاته، والمضيء للعقل والوجدان، والمولد لمنهجية فريدة في حركة الأفراد والجماعات. وإنني إذ أهنئ الأستاذ عبد القادرالإدريسي على هذا العمل المبارك، لأدعو العلي القديرأن يجزيه خيرالجزاء على مؤلفه هذا، وأن ينفع به. آمين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات". ويحكي المؤلف قصته الشيقة مع بديع الزمان سعيد النورسي وكيف دلف إلى عالمه الفكري الغني قائلا : " ولكن رسائل النورلم تكن متاحة لنا في تلك الفترة، ولم نكن نقرأ عنها فيما كنا نقرأ من كتب أو مجلات ترد إلينا من الشرق. فقد كان اسم " بديع الزمان سعيد النورسي" غائبا عن الحياة الثقافية، وعن الوسط العلمي، وعن الصحافة الإسلامية التي كنا نحرص على متابعتها. ومضت سنوات طويلة قبل أن يقع بين يدي كتاب جميل للأستاذ إحسان قاسم الصالحي في ترجمة صاحب رسائل النور. حدث ذلك في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي . فكان هذا الكتاب الشرارة التي أشعلت في جوانحي جذوة الشوق إلى رسائل النور. ثم انفرط عقد من الزمان قبل أن ألقى بغيتي وأحصل على مجلدين من كليات رسائل النور، لأدخل عالم بديع الزمان قارئا نهما ومريدا عاشقا متيما. ثم وجدتني متلهفا أبحث عن المجلدات التي تنقصني من المجموعة، حتى وقعت عليها، فأقبلت على قراءتها مجلدا إثرمجلد، فإذا أبواب النورتنفتح ليغمرني شعاعه، وإذا بآفاق واسعة تمتد أمام ناظري لأرتادها، وإذا بي أهتف : " عذرا سعيد النورسي، ما عرفتك إلا أخيرا". ومنذ ذلك الحين وأنا أحرص ما أكون على التماس كل وسيلة تزيدني قربا من رسائل النور. وكان الدكتورمحمد عمارة الصديق الحبيب وسيلة لي للدخول إلى عالم الفكرالمستنيربرسائل النور. ففي إحدى زياراتي له في بيته في القاهرة، حدثني عن رحلة فكرية وروحية قام بها إلى تركيا، أتاحت له الفرصة للتعرف على آثاربديع الزمان سعيد النورسي على أرض الواقع، وعاد من رحلته تلك معجبا بما رأى، مشيدا بمن التقى بهم من تلامذة النورسي ومن خدام رسائل النور. وتحت تأثيرما استمعت إليه من المفكرالعالم المجدد المبدع، قررت أن أزورإسطنبول، وكان أول ما قمت به في صبيحة ذات يوم أني سعيت إلى اللقاء بالأستاذ إحسان قاسم الصالحي الذي فتح لي الباب إلى عالم النورمن خلال ترجمته الصافية الوافية الرائقة الراقية لكليات رسائل النور". ويمضي ذ. عبد القادرالإدريسي في سرد تفاصيل حكاية تعرفه على عالم النورسي، و كيف تيسرت له الأسباب ، بعد ذلك، لقراءة مقالات للأستاذ محمد فتح الله كولن نشرها افتتاحيات لمجلة " حراء" من موقعها على الإنترنيت. يقول : " وكان هذا أول عهدي بهذا المفكرالمربي المجدد صاحب المشروع الحضاري، الذي هو الترجمة العملية التنفيذية لرسائل سعيد النورسي، وكان أول كتاب يقع بين يدي من مؤلفاته هو كتابه " النورالخالد : محمد صلى الله عليه وسلم .. مفخرة الإنسانية" الذي صدرفي مجلد كبير، والذي كان لي بمثابة المدخل إلى عالم من الإشراق الفكري والإبهارالجمالي في كتابات هذا المفكرالفذ الذي لم أكن أعرفه من قبل ولا كنت قد سمعت باسمه. وتلك هي الآفة التي ظللنا نعاني منها زمنا طويلا، والتي تتمثل في الحواجزالتي كانت تفصل بين العرب وبين أشقائهم الأتراك، فتحجب الأفكارالنيرة التي أنتجتها عقول تركية مؤمنة بدينها ومخلصة لأمتها، وفي الطليعة منها أفكارسعيد النورسي ومحمد فتح الله كولن، قبل أن تترجم رسائل سعيد النورسي ومؤلفات محمد فتح كولن إلى اللغة العربية، وتبدأ تصل إلى البلدان العربية. وأشهد أنني أقبلت على قراءة مجموعة من مؤلفات محمد فتح الله كولن حصلت عليها في مكتبات الرباط وإسطنبول والقاهرة، بنهم شديد، وكأني كنت أعوض عن السنوات التي ضاعت مني قبل أن أكتشف هذا العالم المبهرالمشرق. فكان من فضل الله علي أني أصبحت تلميذا في مدرسة مديرها بديع الزمان سعيد النورسي ووكيلها محمد فتح الله كولن، وهي " مدرسة النور" الذي ينفذ إلى الأعماق فيفتح مغاليق العقل والنفس والوجدان، وينيرسبل السلام الروحي والعقلي والنفسي أمام الإنسان". هكذا تعرف المؤلف على فكري وكتابات ومدرستي هذين المفكرين المجددين، فلم يكن فقط من تلامذتهما كما قال، بل كان، فضلا عن ذلك، من أبرزالكتاب والمؤلفين الذين اعتنوا عناية بالغة بتعريف القراء العرب بمكنونات فكريهما ومقومات عملهما وكنوز كتاباتهما. وتعتبرهذه المقالات التي جمعها في هذا الكتاب خيرترجمة لذلك وأفضل تعبيرعن مدى تعلق المؤلف بهذين المفكرين ومدى استيعابه للدلالات والمبادئ والأفكار التي قامت عليها دعوتهما المباركة وعملهما النافع . قسم المؤلف هذا الكتاب إلى قسمين : ( نورفاتح) و( فتح منير)، فمن مقالات القسم الأول : " جماعة النور.. خدام القرآن"، "إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز"، " فيوضات نورية في آيات قرآنية"، " بديع الزمان النورسي يبشربالمستقبل"، " سعيد النورسي يخاطب العصربخمسين لغة". ومن مقالات القسم الثاني : " اعتذارإلى محمد فتح الله كولن"، " ماذا لو عمل العرب بأفكارمحمد فتح الله كولن ؟" ، " قراءة إيمانية جديدة للقرآن الكريم"، " الرقائق التركية في التلال الزمردية .. نحو حياة القلب والروح"، " نفحات روحية تهب من تلال تركية : في مقامات الإخلاص والصبروالرضا والمحبة"، " ما حقيقة حركة محمد فتح الله كولن؟"، " أنوارالقرآن تضيء العقل والوجدان". وهي ، كما ترى ، مقالات جامعة بين مطالب الفكر، وأشواق الروح، ومشاعرالوجدان، صاغها الأستاذ عبد القادرالإدريسي بأسلوب عاشق وقلب نابض بمحبة الخيروالحق والجمال، وروح متطلعة إلى غد مشرق للأمة الإسلامية .