مهما تنوعت موضوعات ومضامين المقالات التي يكتبها الزميل الأستاذ عبد القادرالإدريسي، ومهما اختلفت القضايا والشؤون التي يطرقها، فإن ما ينتظم هذه المقالات في العمق هورؤية إسلامية سديدة، يصدرعنها منهج قويم. ولئن كانت هذه الملاحظة العامة تصدق على جملة كتاباته، فإن " فن المقالة الإسلامية" بحصرالمعنى له مقومات خاصة عنده، حيث تتميزهذه المقالة بمعالجة قضية من القضايا الإسلامية، أوعرض كتاب من الكتب الإسلامية، أو الكتابة عن رحلة إلى بلد إسلامي، أو دراسة شخصية من الشخصيات الإسلامية، أو مناقشة مسألة تهم الأمة الإسلامية. فيكون مضمون المقالة منصبا على ما سماه الدكتورمحمد الكتاني في تقديمه كتاب صاحب هذه المقالات «أوراق الياسمين، نظرات ومراجعات وجولات»، والذي صدرمنذ شهور ب" الإسلاميات"، وهوصنف من المقالات التي يتألف منها هذا الكتاب نجد له نظائرواسعة في كتبه الأخرى، باعتباراعتزازه بعقيدته ودينه الإسلام، وباعتبارتكوينه الثقافي العربي الإسلامي المتين، وأخيرا باعتباراضطلاعه بمسؤولية الإعلام في منظمة التربية والثقافة والعلوم إيسيسكو وهي المسؤولية التي تجعله يقظ الذهن والمشاعر، دائم الاطلاع والمطالعة والمتابعة، كثيرالرحلات والأسفار، واسع العلاقات مع الشخصيات العلمية والسياسية والإعلامية الإسلامية، متهمما بواقع الأمة الإسلامية ومستقبلها، باحثا في قضاياها ومقومات وجودها وهويتها وخصوصياتها، ناسجا صلات فكرية وإنسانية مع كثيرمن طاقاتها الإبداعية. يستخلص قارئ مؤلفات ذ. عبد القادرالإدريسي، ومنها هذا الكتاب الجديد « أوراق الياسمين» ، ولا سيما «مقالاته الإسلامية" بالمعنى الذي تحدثت عنه سابقا، أن هذه المؤلفات وتلك المقالات تتميزبقيمة فكرية عالية وجودة أدبية سامية، أوبعمق النظروجمال العبارة. فليست معالجات ذ. عبد القادرالإدريسي لمختلف الموضوعات الإسلامية التي يتناولها معالجة صحافية سطحية، بل هي معالجات تستند إلى رصيد معرفي عميق وواسع، وتقوم على خبرة ثقافية وإعلامية غنية، وعلى إحاطة بتفاصيل وأسباب ومسببات وظواهروبواطن تلك القضايا التي يعالجها. إن مقالاته الإسلامية ناطقة بغيرته على دينه وتمسكه واعتزازه به، مع التحليل الواقعي العقلاني للوقائع والمسائل التي يبحث فيها، ومع الاستناد المتواصل للأصول الإسلامية والمبادئ العامة للمنهج الإسلامي في النظروالتقويم والدعوة والتحليل والتصحيح، والإلمام ، جهد الإمكان، بما ينشرويقال ويذاع حول الإسلام والمسلمين في بقاع العالم، وبالظروف العالمية عامة وظروف العالم الإسلامي خاصة. ومن أبرزمميزات فن المقالة الإسلامية عند ذ. عبد القادرالإدريسي ، كما تتجلى من خلال كتابه " أوراق الياسمين" ، وكذلك كتبه الأخرى، توظيف القراءات المتنوعة الوفيرة في عمليات التحليل والدرس، واعتماد البساطة في التعبيروتجنب التعقيد، وهذه ميزة تمنحه درجة عالية من سلاسة الأسلوب ووضوحه، وما ذلك إلا لوضوح التصوروالرؤية عنده، وصفاء الذهنه والفكر. ومن أبرزاهتماماته حوارالحضارات والحواربين أتباع الأديان والحرص على بناء الجسوربين الإسلام والغرب من منطلق الفهم المتبادل. وكذلك الرد على خصوم الإسلام، ونقد التصورات المنحرفة وتصحيح المفاهيم الخاطئة وتقويم الرؤى المعوجة. ويخرج قارئ هذه المقالات بزاد معرفي دائما، تطبعه خصائص الوسطية والاعتدال والتيسيروالواقعية والشمول التي هي من أبرزخصائص ديننا الحنيف. بالإضافة إلى الرؤية الإنسانية المتزنة الرصينة لمختلف الحقائق والوقائع التي يعرض لها. ويمكن أن نلاحظ في هذه المقالات كذلك قيمة الصدق النابعة من شخصية صاحبها، والصراحة والشجاعة الأدبية في التعبيرعن المواقف، والفهم الصحيح للنصوص والأقوال، والتفسيرالوجيه للأحداث، واعتبارمقاصد الشريعة الإسلامية في كل ذلك. ومن بين أبرزمجالي فن المقالة الإسلامية عند ذ. عبد القادرالإدريسي اختياره الموفق للكتب القيمة التي يقدمها للقارئ في عروض شيقة تجلي روحها ومقاصدها ودلالاتها الإسلامية وعمق رسالتها البناءة. وهو في تقديمه لهذه الكتب قارئ عاشق وكاتب موهوب، ولعله من أكثرمثقفي هذا العصرقراءة، وأحفلهم بالكتاب والتعريف به، ولاغروفقد نشأ قارئا نهما واستمرعلى ذلك يقتطف الفواكه الدواني للمطابع شرقا وغربا، ولا سيما ما اتصل منها بالثقافة الإسلامية والتاريخ والسياسة واللغة والأدب والتراجم والموسوعات ...لايعود من رحلاته المتعددة إلا بزاد من الكتب الجديدة، ناهيك بما يقتنيه من المكتبات المغربية باستمرار، فهنيئا له جولاته الممتعة المتواصلة بين بساتين المعرفة وحدائق العرفان. من المقالات الإسلامية التي تضمنها كتاب" أوراق الياسمين، نظرات ومراجعات وجولات"، الصادرعن مطبعة النجاح الجديدة في الدارالبيضاء وهو يتألف من 416صفحة من الحجم الكبير: " المرجعية الإسلامية ... ما مفهومها؟"، " هل هوالنهوض بالتعليم وتجويده وتطويره أم الإقصاء للغة القرآن والعداء للإسلام؟" ، " حديث في الأمن الروحي والسلم الأهلي"، " خطرالتطرف الديني على المجتمع المغربي"، " الدورالفاعل للدين في السياسة الدولية" ، " تأملات في ردود الفعل على أشكال (الإساءة إلى الإسلام)"، " عندما استشهد الأميرتشارلز بالقرآن الكريم"،" ما ذا كتب يوسف القرضاوي عن (حواره) مع الملك الحسن الثاني؟" ، "علال الفاسي وإعادة صياغة الفكرالإصلاحي الإسلامي"، « قراءة في رواية (ياسين قلب الخلافة) لعبد الإله بن عرفة»، «عرف الطيب من ذكريات الخطيب»، « قراءة في ثلاثة كتب عن قضايا النهوض الحضاري»، « مع د. عبد العزيزالتويجري في كتابه: (على طريق تحالف الحضارات)" ، " مع د. عبد العزيزالتويجري في كتابه : (التجديد والمستقبل)"، " فتح الله كولن يترجم أفكارسعيد النورسي»، « الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي كما عرفته" ، " خمسة أيام في كازخستان "،"حديث من عاصمة اليورانيوم على بحرقزوين»، « خمسة أيام في جمهورية باشقورتستان الروسية"، "الحواربين الأديان يعززالإخاء الإنساني"، " في ضيافة مولانا جلال الدين الرومي". يقول المؤلف مقدما " أوراق الياسمين" العابقة بشذى الكتابة : « فهذا كتاب هو ثمرة من ثمرات الزمن الجميل الذي عاشه الكاتب في تطوان قبل أن ينتقل إلى الرباط في سنة 1967، التي أنضجتها الحصيلة التي اكتسبها خلال مرحلة التكوين المبكرفي مسقط رأسه، فيه من الياسمين عطره وصفاؤه، وفيه من روح تطوان طيبها وأريج ذلك الزمن الجميل. فهويشتمل على أشتات من الفكر، وأمزاج من الرأي، وخلاصة من التجارب بسطها المؤلف في صورة نظرات في الحياة، وفي الوطن، وفي الثقافة، وفي العالم المضطرب بالمتغيرات المتوالية، مبثوثة في مقالات واظب على نشرها في جريدة" العلم" التي يعدها مدرسة له، بل جامعة تخرج فيها، ويفخربالانتساب إليها، تناول فيها بعضا من قضايا الساعة بالتحليل والتعليق. كما يشتمل هذا الكتاب على مراجعات لطائفة من الكتب التي تبحث في موضوعات متنوعة يجمع بينها القضايا التي يهتم بها، والتي هي وإن كانت متعددة ومختلفة من حيث العناوين ، فإن الرابط بينها هوأنها عولجت وعرضت من خلال زوايا النظرذات الصلة بالمدرسة الفكرية التي ينتمي إليها المؤلف". وهذه المدرسة الفكرية هي المدرسة الوطنية النهضوية الإصلاحية الإسلامية، التي اقتبس من أقطابها في المشرق والمغرب ما أنارله طريق القراءة والكتابة والنظروالعمل. ويضيف المؤلف تنويها إلى جانب آخرمهم من جوانب اهتماماته وكتاباته في " أوراق الياسمين" إذ يقول : « ويشتمل هذا الكتاب أيضا، على جولات في بعض دول العالم الإسلامي التي زارها الكاتب فكتب عنها مقالات رأى أنها جديرة بأن تجمع في كتاب يقدمها إلى القارئ الذي لم يقرأها منشورة في الجريدة، فيها المعلومة، وفيها التحليل، وفيها ضرب من المقارنة». « وتنتظم هذه النظرات والمراجعات والجولات في إطارعام، هومجال اهتمامات الكاتب ومدارانشغالاته بالقضايا العامة ذات الصلة بالحاضرالذي لاينفصل عن الحاضر، وبالمستقبل الذي يبدأ الآن". سبق للمؤلف أن أصدركتابا بعنوان" أوراق البنفسج" وهو فصول في الانتماء الحضاري والبناء الثقافي جمع فيه عيون المقالات التي نشرها في " العلم"، وهاهواليوم يصدركتابا آخربعنوان " أوراق الياسمين" ... أرجو أن تتلوه كتب أخرى بشذى طيب الأزهارالتي تزين حديقة مكتبته الفيحاء.