استطاع الفنان التشكيلي عبد السلام العمراني أن يستقطع حيزا متميزا في الحركة التشكيلية المغربية ويؤسس لنفسه بعدا جماليا في مختلف لوحاته التي عرضت بالمغرب أو خارجه،وقد أهله في ذلك تكوينه العلمي ورغبته الجامحة في الاطلاع على خصوصيات المدارس التشكيلية المعاصرة والحديثة. وعلاقة العمراني بالتشكيل تعود إلى مرحلة الطفولة حيث كانت تستهويه العديد من المجسمات والصور التي تأخذ حيزا ما في الكتب والمجلات،ما يدفعه إلى تقليدها ولو بشكل عفوي. لكن تمدرسه في إعدادية الشهيد العربي البناي بالرباط مكنه من تسلق درجات التشكيل إلى درجة كان محط إعجاب واحترام من أساتذته وإداريي الإعدادية،خاصة وأنه مشاركاته في العديد من المسابقات المحلية والاقليمية كانت ناجحة على أكثر من مستوى. يقول عبد السلام العمراني في هذا الإطار:"سأظل منونا لأساتذتي ومدير إعدادية الشهيد عبد السلام البناي بالرباط،لقد وجدت فيهم المحتضن والمشجع والمدعم لمساري في ميدان التشكيل،لقد رسموا لي الطريق إلى اكتشاف عالم جديد له خصوصيته ومبادئه". بيد أن عبد السلام العمراني لم يتوقف عند هذا الفاعل في علاقته بالتشكيل،وإنما كان إلتحاقه بثانوية الليمون وتخصصه في مادة التشكيل تحصيل حاصل لمجهوداته السابقة،وترجمة صادقة لما كان يخالجه منذ نعومة أظافره.ففي هذه الثانوية سيكتشف العمراني أسلوبا جديدا في التعاطي مع الأعمال التشكيلية سواء من الشكل أو المضمون أو القواعد المتعارف عليها.إنها الانطلاقة المحملة بالمعرفة والمنهج لولوج ميدان تربوي وثقافي،لا يسمح بالخطأ أو العفوية،إذ يعتبر العمراني أن التكوين هو القاعدة المثلى لبناء عالمك الخاص،والأداة المؤهلة لاكتشاف عالم التشكيل منهجا وأسلوبا،فلولا التكوين لما تحقق للأم هذا التقدم والازدهار،فالتكوين في نظر العمراني أصبح حتمية لا يمكن الاستغناء عنها في أي مجال من المجالات المبدعة والخلاقة. لقدراكم الفنان التشكيلي عبد السلام العمراني تجارب مهمة سواء داخل الوطن أو خارجه،ورغم ذلك لازال يؤمن بالعلم والمعرفة كأداة للإنتقاء ،خاصة وأنه جعل اليوم من التقدم المعلوماتي إمكانية لاكتشاف كل ما يرتبط بالتشكيل على الصعيد العالمي وتدعيما لمداركه المعرفية ولتخصصه الفني. ورغم كل هذا فإن العمراني يتملكه حس الناقد للحركة التشكيلية في المغرب،خاصة وأن الفن التشكيلي اليوم بدا ميدانا مفتوحا للجميع،حتى لمن يجعل منه مجرد عمل للتسلية،وهو أمر أضر بصيرورة هذه الحركة يقول العمراني:" من غير الطبيعي أن تتعدد المعارض التشكيلية،وتقفز أسماء إلى الوجود رغم حداثتها بالمجال، لكن الحصيلة للأسف الشديد هزيلة لكون ما هو معروض يفتقر إلى الموضوعية والتقنية المعمول بهذه المدرسة أو تلك نتيجة ضعف تكوين العارض أو العارضة.فهذه المعطيات وغيرها لا بد من الاعتراف اليوم،لكوننا أمام وضع هش،وأمام مأزق سيضرب في عمق الفن التشكيلي في المغرب". إن إيمان عبد السلام العمراني بالتكوين في مجال التشكيل،مكنه شخصيا من وضع حد للارتجالية في أعماله،ليسمي الأشياء بمسمياتها،وليضع أعماله داخل إطار ممنهج،ولعل هذا ما جعل معارضه تلقى نجاحا مهما،بل مدرسة قائمة الذات.