وفاء لروح الفقيد الأستاذ والفنان التشكيلي عبد المجيد التوزاني رحمه الله، يتشرف موقع تازا سيتي الإلكتروني بنشر هذا الملف الذي ساهم في العديد من أبناء مدينة تازة في ذكرى حفل تأبينه اعترافا ووفاء لروحه، ويتضمن الملف المشاركات كما يلي : كلمات مضيئة في حق الراحل، شهادات، قراءات في بعض أعماله الفنية، قصيدة مهداة لروح الفقيد. نبذة عن حياة المرحوم الأستاذ والفنان التشكيلي عبد المجيد التوزاني
ولد الفقيد عبد المجيد التوزاني في فاتح يناير 1956 بمدينة تازة، تابع دراسته الابتدائية والثانوية بمسقط رأسه، وبعد نيل شهادة الباكالوريا الأدبية التحق بشعبة الفلسفة وعلم النفس بكلية الآداب جامعة محمد بن عبد الله بفاس، ثم عمل بسلك التعليم الثانوي مدرسا لمادة الفلسفة وأستاذا بتكوين الأطر بعد ذلك : مركز تكوين أساتذة التعليم الابتدائي ( تكوين المعلمين سابقا) والمركز التربوي الجهوي بكل من تازة ومكناس وفاس، حاصل على : شهادة الإجازة في علم النفس (1981) . شهادة استكمال الدروس في علم النفس الاجتماعي (1990) . دكتوراه في علم النفس المعرفي للفن (2004) . عضو هيئة تحرير مجلة «التنشئة» مجلة متخصصة في العلوم التربوية و النفسية بالمملكة المغربية . كان يمارس رياضة فنون الحرب ( التايكواندو) و رياضة اليوجا . نظم عدة معارض فنية في مدينتي تازة و الرباط.
مقتطف من سيرة فنان
الفنان التشكيلي المدني بن المدني: "عبد المجيد التوزاني رحمه الله لم يمت بيننا فالعمر قصير والفن طويل كما قال الفيلسوف سقراط، الراحل طائر بكل الألوان فنان أصيل أبدع خلال مسيرته الفنية، شاركني معرضين سنة 1978 بفضاء "كيوم طل" و سنة 1979 بفضاء دار الشباب، حينها كان عدد الفنانين التشكيليين بتازة لم يتجاوز رؤوس أصابع اليد الواحدة، انطلق من الواقعية خلال تجربته الأولى والتي استمرت لعدة سنين لينتقل بعد ذلك إلى السريالية حيث كان التأثير واضح بفناني هذه المدرسة خصوصا بالفنان الإسباني "سلفادور دالي" ومن منطلق تجربته الخاصة استطاع هذا الفنان التازي تشكيل الأجساد والأشياء بتعبير سريالي وبأنامل ذو حساسية فائقة باستعماله للصباغة الزيتية على القماش وترك المجال لخلفية بألوان تتناسق و المساحة درس الموضوع ، أغلب أعمال هذا الفنان القدير من أحجام متوسطة و كبيرة منها ما يفوق المتر و 30 سنتم و كان لي شرف زيارة معمله بأسفل المنزل مرتين و الإطلاع على أ عماله، و للتذكير ستعمل جميعة "المثلث الذهبي للفنون التشكيلية" على عرض بعض أعماله بالمعرض المقرر من 6 إلى 12 يوليوز 2011 بقاعة "ميموزا" تكريما لهذا الفنان تغمده الله برحمته ، وإنا لله و إنا إليه راجعون".
تازة تشيع الفقيد الأستاذ والفنان عبد المجيد التوزاني إلى مثواه الأخير
الروائي والصحفي عبد الإله بسكمار: "ودعت مدينة تازة في محفل مهيب بعد ظهر يومه السبت 28 ماي الأستاذ والفنان عبد المجيد التوزاني حيث شيع جثمان الطاهر ، بمقبرة سيدي عبد الجليل بتازة العتيقة و ضم الحشد الكبير العشرات من فعاليات المدينة الثقافية والتعليمية والجمعوية علاوة ، على أفراد من عائلة الفقيد ونجليه واخوته والأصدقاء الذين كانت تجمعهم بالراحل علاقة المودة والألفة ، وكان الفقيد قد التحق بدار البقاء يوم 23 ماي الماضي ، على اثر تدهور متزايد في وضعه الصحي ،إلى مضاعفات الداء اللعين وذلك بإحدى المستشفيات الفرنسية ، و خلف هذا الرحيل حزنا عميقا وسط ساكنة تازة وخاصة لدى أصدقائه فضلا عن أسرته الصغيرة ، الأصدقاء الذين طالما اكبروا فيه أخلاقه الرفيعة ودفاعه المستميت عن القيم النبيلة ، وحساسيته الفنية التي مارسها في لوحاته وحياته اليومية معا .ولد الفقيد عبد المجيد التوزاني في فاتح يناير 1956 بمدينة تازة، تابع دراسته الابتدائية والثانوية بمسقط رأسه ، وبعد نيل شهادة الباكالوريا الأدبية التحق بشعبة الفلسفة وعلم النفس بكلية الآداب ج محمد بن عبد الله بفاس ، ثم عمل بسلك التعليم الثانوي مدرسا لمادة الفلسفة وأستاذا بتكوين الأطربعد ذلك : مركز تكوين أساتذة التعليم الثانوي ( تكوين المعلمين سابقا) والمركز التربوي الجهوي بكل من تازة ومكناس وفاس ، وما لبث أن نال ديبلوم الدراسات المعمقة في علم النفس ثم ديبلوم الدراسات العليا منتصف الألفية الحالية ، وللفقيد إسهامات متعددة في ميدان تخصصه ( بما في ذلك مجال الترجمة من الفرنسية إلى العربية ) وفي المجال التشكيلي ، إذ أغرته المدرسة السوريالية بعناصرها وآفاقها المدهشة ، فعبر من خلالها عن دواخله ومواقفه الفكرية والفنية وقبل هذا وذاك عبر عن مواجع وافلاسات العالم المتخلف، وفي كل هذه المحطات والتي اضطر عبر الكثير منها إلى خوض معارك لا يتسع المجال لذكر تفاصيلها ، من أجل المصداقية والكرامة ...في جميع هذه المحطات رفض التنازل عن كبريائه ، ولم يكن إلا هو هو صافيا واضحا وضوح مساءات تازة الربيعية ، رفض المزادات والمزايدات ولم يدافع في العمق سوى عن حق أي مواطن مغربي في خبز نظيف وموضع تحت شمس هذا الوطن بعيدا عن زمن العصي الغليظة والرقيقة ، وما دام الشيء بالشيء يذكر فلابد من الاعتراف بأن صداقات الفقيد كانت صادقة وطالما عبر عنها رمزيا - رحمه الله - في غير ما مناسبة ولأكثر من صديق داخل وخارج تازة، لا بأس هنا أن أذكر بكل اعتزاز يكلل هامته في الدار الباقية ، التفاتة رمزية لن أنساها له رحمه الله ما حييت ، ذلك أنه أهدى الأسرة لوحة جميلة portrait لشقيقي الراحل عبد الحق بعيد وفاته غريقا في شاطئ أصيلا ذات زوال من صيف 1984، وكانت بينهما صداقة فكرية ومجالية ومهنية عميقة ، وما زالت اللوحة موجودة بمنزلنا في تازة العتيقة ،إضافة إلى اغتنامه كل فرصة ممكنة لمساعدة الأصدقاء بالوثائق والمؤلفات والترجمات وغير هذا كثير لأن ما ذكر لا يعد إلا نزرا ضئيلا لا يوفي الراحل حقه.. فقد كان مثال الاستقامة المكللة بروح الوفاء للأصدقاء ....رحم الله الفقيد عبد المجيد التوزاني الذي فقدنا فيه إطارا رفيعا عز نظيره في هذا الزمن الأغبر..وعزاؤنا الصادق لزوجته وأسرته وأنجاله ..." وبشر الصابرين الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون ".
الشاعر والكاتب - محمد زريويل: أطل علينا الفنان التشكيلي الراحل المبدع عبد المجيد التوزاني من ترعة الوجدان والأحاسيس بهذه اللوحة الرقمية المركبة ، وأنا من جرأتي أستمد الشرعية التامة لولوج المداخل الممكنة، هي رسالة المبدع المفتوحة على جميع القراءات والتأويلات ... في خضم القضية الفلسطينية بشكل أكبر، و بر الوحدة ، وتغليب المصلحة العليا، والجغرافية الموحدة للكيان الفلسطيني، وإنهاء الانقسام المفرق المشتت ،والإيمان القوي بغزة جزء لا يتجزأ عن فلسطين ، ها هم أهل القطاع يعيشون الحصار والمعاناة والممارسات الجائرة من كل الجهات الأربع، بحرا وبرا وجوا ، الحركة مقيدة مشلولة ، وغزة حلى حافة الكارثة في ظلام الأزمة الإنسانية ، والكارثة البشرية مثيرة للقلق ، القيد على الغذاء ، القيد على الدواء ، وتحت خط الفقر يعيش الأهل، اكتظ المستشفى بالمرضى ، اغتيال الأفراد وعقوبة الجماعات بكل همجية وعدوانية ، إنه التحدي للعالم كله .. هم الأعداء يطلقون النيران على أزهار الفجر ، والشيطان يشعل الضغينة في النفس الأبية ، اللوحة تقول لا في وجوه من سكتوا أو قالوا نعم ... بفتيل نباهته ومكنون غيرته سلط الفنان التشكيلي الراحل عبد المجيد التوزاني ضوء إبداعه على معاناة غزة ، مدرسة النضال والأميرة المكللة بدم الشهيد ، أهل غزة وشعب فلسطين يؤديان ضريبة الخذلان والانهزام والانكسار وعتادنا الدعاء والنضال والحسرات ..
طبعا لن نعطي أهل غزة حقهم ، ولا شعب فلسطين حقوقه ، ولكننا نمقت الصمت المعتمد ، فكيف تنام عين الحبيب ، وقد أيقضها الخذل المتوبل ببهارات الميوعة ، ما قدر هذا الوطن ؟ لكن النصر لا محالة آت في ثياب الفخر والبهاء ، هناك نور خلف حلكة الظلام يهمس ليبتسم لغزةوفلسطين وعلى السلم أن يتكلم جميع اللغات ...
بالفعل وضع المبدع الراحل الفنان التشكيلي والأستاذ عبد المجيد التوزاني يده على الجرح الغارق في هذا الزمن المتخن بالعذابات ، وهي ذي اللوحة منبر تعبير الفنان كما الإبداع معركة وهمية نحس فيها بنشوة الانتصارات رغم الخيبات .
الصحفي والناقد عزيز باكوش : أنجز الفنان التشكيلي المغربي عبد المجيد التوزاني أستاذ تكوين الأطر العليا في مادة علم النفس لوحة رقمية بمناسبة الذكرى الأولى لاجتياح غزة . اللوحة غنية بالدلالات موغلة بالإشارات أرادها الأستاذ التوزاني أن تصرخ في وجه العالم وتجهر بهول المؤامرة . فأن يعيش الفلسطينيون بين الجدران ليس قدرا ، أن يعزل الجدار الضفة الغربية عن بعضها ويفصلها عن محيطها مؤامرة لم يشهد التاريخ لها مثيلا دونما مقاومة مشروعة وشهداء وتضحيات ودماء زكية ، أن تبنى حول أصحاب الأرض الشرعيين السدود والأسوار، وأن يجبروا على العيش في الشتات لاجئين في مختلف بقاع المعمور، أن يعزل الاحتلال البيت عن المدرسة والسوق عن الحي، والمسجد عن المصلين كما تتناقل كل يوم وكالات الأنباء، أن يتبجح مجلس الأمن وأوباما والاتحاد الاروبي والأمم المتحدة والعرب أنهم يدافعون عن الحرية، وأنهم ينتصرون لكرامة الإنسان..
الفلسطيني في نضاله المشروع من اجل أرضه ، فيما الصهاينة ينسفون ويحتقرون يهدمون يشددون الحصار، ويستميتون في تقوية العزل، وإعلاء الأسوار، وغرس الجدران كالجذور في الأرض، وزرع التجهيزات والآليات لضمان المراقبة والمتابعة اللصيقة فتلك هي المؤامرة . هذا منطوق اللوحة وبوحها السري وتصريحها العلني ، الحقيقة من منظور اللوحة أيضا أن كل الجدران التي هي الفولاذ هي الجوع، الحصار والحرمان، البؤس والمعاناة، هي جدران الشقاء والفناء والموت، لن تذيب القضية ولن تثني أصحابها عن المقاومة. الفلسطينيون في الضفة أو القطاع اليوم يتألمون بمرارة كبيرة، يبكون بدموعٍ من الدم، هذا ما توحي به لوحة رقمية أنجزها فنان مغربي مارس الفنون التشكيلية و التصوير (تجربة 43 سنة) و عضو جمعية حقوق المؤلفين في الفن التشكيلي و فن الغرافيك بفرنسا ADAGP.
بمناسبة الذكرى الأولى لبربرية العدوان الإسرائيلي على غزة . الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة، منذ أربع سنوات هو موت بطيء ، يعظم قيمة الشهادة من اجل الوطن ويثمن أرواحا مقاومين سقطوا نتيجة القصف الإسرائيلي فرووا بدمائهم الزكية، ارض العودة التي قد تتأخر لكنها حتما قادمة.
في حوار مع الفنان التشكيلي عبد المجيد التوزاني الواقعية و السوريالية .. و إشكالية النقد الفني
احتضنت قاعة المعهد الموسيقي لمدينة تازة من 28 فبراير إلى 6 مارس معرض الأعمال الفنية للتشكيلي عبد المجيد التوزاني ، أحد أبرز الفاعلين في الحقل الثقافي و الفني بتازة،و هو حاصل على دبلوم الدراسات المعمقة في علم النفس الاجتماعي و يعمل حاليا أستاذا لعلوم التربية بالمركز التربوي الجهوي ، و قد سبق له أن نظم معارض فنية بعدد من المدن المغربية. يتحدث التوزاني في هذا الحوار عن بعض تصوراته حول حقل الإبداع التشكيلي ببلادنا .
كيف يمكن للفنان التوزاني أن يحدث القراء و المهتمين عن تجربته في المسار التشكيلي ؟
■ علاقتي بالفن التشكيلي و خصوصا بفن الرسم ترجع إلى فترة المدرسة الابتدائية، حيث كان ينصب الاهتمام على تطوير المهارتين الحركية و البصرية، و استمرت هذه العملية خلا التعليم الإعدادي و الثانوي، و لكن منذ سنة 1977، و بعد التحكم في الجانب التقني، توجه الاهتمام نحو إنتاج أعمال خاصة اقترنت بالمرحلة الجامعية، و بعد تخصصي في علم النفس ركزت الاهتمام على معالجة بعض قضايا السيكولوجية و البحث في تحويلها إلى أعمال تشكيلية بأسلوب أكاديمي دقيق، يقترب في بعض جوانبه من الأسلوب السوريالي، و قد خرجت الآن ببعض الإنتاجات الفنية ذات طابع تقني خاص، إضافة إلى هذا مازلت أعالج من حين لآخر بعض القضايا المتعلقة بمظاهر الثقافة الشعبية المغربية و بعض القضايا المرتبطة بالعالم العربي و إفريقيا .
بصفتك أستاذا لعلم النفس، كيف تفسر للقارئ علاقة الرسم بهذه المادة ؟
■ من ناحية، يعتبر الرسم، مثله مثل باقي الفنون الأخرى، أداة أساسية لترجمة المجال النفسي العاطفي لدى الفرد، سواء كان طفلا أو مراهقا أو راشدا، و سواء كان سويا أو شاذا، في هذا الإطار، يعتبر الرسم على الخصوص من الأساليب الإكلينيكية للكشف عن جوانب اللاوعي في الشخصية ، كما يستعمل كأسلوب في بعض الحالات لإعادة التكيف و العلاج النفسيين، خصوصا عن طريق التعبير من خلال الفضاء و اللون، من ناحية أخرى،يعد الرسم من المواضيع التي اهتمت بها الدراسات السيكولوجية المعاصرة باعتباره شكلا راقيا من أشكال لإبداع، في هذا الإطار، حظي الرسم لدى الطفل بعناية كبيرة عن أشهر علماء النفس و ذلك باعتباره من أحسن الوسائل للتعرف على خصوصية النمو الذهني و الاجتماعي و العاطفي و الحركي لدى الطفل - " لوكي ، بياجي ..." - لكن هذه الدراسات اقتصرت فقط على دراسة الرسم التلقائي . أما بالنسبة للرسم الفني فلم يتم بعد الاهتمام بتحليل الميكانيزمات المعرفية الادراكية و الميكانيزمات السيكو- حركية التي تجعل منه مهارة عالية و متخصصة كما نرى ذلك عند الفنان المتمكن ، كذلك فنحن نعرف أن بعض المذاهب الفنية الكبرى كانت دائما تحاول الاستفادة من بعض الدراسات السيكولوجية لإغناء تجربتها البصرية و الفضائية، يكفي أن أذكر هنا المدرسة الانطباعية التي ارتكزت في بنائها لفضاء جديد يعتمد الضوء و اللون ، على الدراسات السيكوفيزيائية حول الضوء و الألوان – دراسات "هلمولتز" مثلا- إضافة إلى هذا، نعرف أن المذهب السوريالي كنمط من التفكير و كممارسة فنية متنوعة، اعتمد في أساسه على نظرية التحليل النفسي - فرويد- حول أهمية اللاشعور ودوره الدينامي في شخصية الفرد. أذكر هنا فقط بأن "برتون" الرائد الفعلي للمذهب السوريالي عرف السوريالية بأنها بمثابة الآلية النفسية فقد كان السورياليون، سواء في الأدب أو الفن، يطلقون العنان للتعبير اللاشعوري الفنان الاسباني دالي نفسه، كان صديقا لفرويد و لاكان، و قد اعتمد في أسلوبه الفني على ما يسمى في التحليل النفسي بميكانيزم " التكثيف" و هو الميكانيزم الذي يميز خصوصية " الصور الحلمية" – نسبة إلى الحلم- لذلك اعتبر دالي بمثابة رسام الأحلام .
بحكم عملك في ميدان التكوين التربوي، كيف ترى موقع التربية الفنية و التربية التشكيلية داخل المدرسة ؟
■ بالنسبة للتربية الفنية ، و سأتحدث – هنا – عن جزء واحد منها وهو فن الرسم، فقد كان يعتبر إلى حدود 1984 بمثابة نشاط حر، يلتجئ إليه المدرس إما لتسلية التلاميذ أو للتنفيس عنهم، و منذ تبنى نظام التعليم الأساسي في موسم 1986/1985 ، ظهرت كراسات جديدة تهتم بتدريس هذا النشاط ، لكن و مع الأسف الشديد، تبقى هذه الكتب و في كثير من جوانبها الأدائية و الإدراكية بعيدة عن القدرات الحركية و المعرفية للأطفال، مما يعيق تعلمهم لهذا النشاط بشكل جيد، إضافة إلى هذا، فالتجديد على مستوى البرنامج لم يكن مصاحبا بتكوين مستمر للأطر التعليمية، حيث أن أغلب المدرسين يعانون من مشاكل كثيرة أثناء التعامل مع تدريس الرسم نظرا لعدم معرفتهم بجوانبه التقنية المباشرة. المفتشون أنفسهم يعانون من نفس المشاكل عند تأطير هذه المادة. المفارقة هنا هي أن مادة التربية الفنية توجد ضمن وحدات التكوين بمراكز تكوين المعلمين في هذا الإطار، و بحكم تجربتي العملية في هذا الميدان، فبرنامج التربية الفنية لا يهتم في غالب الأحيان إلا ببعض الجوانب الديداكتيكية، أما برنامج علوم التربية، فرغم معالجته لمظاهر النمو الذهني و النفسي لدى الطفل، فهو لا يتطرق أبدا إلى أهم المحاور التي لها علاقة بتعلم الرسم و بالتعبير الفني لدى الطفل، و أعني بذلك تمثل الفضاء – الميكانيزمات الإدراكية – سيكولوجيا الإبداع، حتى عملية التنسيق الواجب تحقيقها بين التربية الفنية و علوم التربية غير موجودة، الأكثر من هذا كيف نتصور أن مديرية تكوين الأطر لا تتوفر لحد الآن على مشرف تربوي في مادة التربية الفنية على صعيد مراكز تكوين المعلمين ؟
أما بالنسبة للتربية التشكيلية، فهي توجد فقط في الطور الثاني من التعليم الأساسي و لا توجد بسلك الثانوي و بالتعليم الجامعي، و بخصوص تكوين الأطر، فبرنامج علوم التربية بالمراكز التربوية الجهوية، خصوصا في تخصص التربية التشكيلية، و على الرغم من معالجته لبعض الاتجاهات الحديثة في التربية مازال في نظري - يفتقر للمحاور الأساسية التي لها علاقة مباشرة بموضوع التشكيل و أخص بالذكر هنا: سيكوفيزيولجيا الإدراك، سوسيولوجيا الفن، سيكولوجيا الإبداع، علاقة الدماغ بالفضاء و بالألوان و تمثل الفضاء لدى الطفل. إضافة إلى هذا، فبرنامج التكوين مازال يسقط من الناحية المنهجية في هفوات ديداكتيكية و ابستمولوجية كبيرة.
وبخصوص التكوين الجامعي، فهو نفسه يفتقر بشكل يكاد يكون مطلقا لوحدات تكوينية، في جميع الشعب، تتمحور حول فلسفة الفن و الجمال وحول المذاهب الفنية الكبرى و التشكيل. فمثلا كيف يمكن أن تصور أستاذا للفلسفة، عند معالجته لموضوعه "الفن" بالمقرر الدراسي، يقدم فكرة واضحة عن خصوصية الصورة الفنية في لوحة تشكيلية، أو يقوم بتحليل و شرح المكونات الفيزيقية لعناصر الجمال لأحد الأعمال الفنية المرفقة بالكتب الدراسية، وهو لا يتوفر على معلومات حول مفهوم التركيب الفني أو مفهوم التقاطع الذهني أو مفهوم التناسق اللوني ... إلخ.
يشتغل الفنان التوزاني على مذهبين أو مدرستين الواقعية في لوحات و السوريالية في لوحات أخرى، ففي أي منهما يجد ذاته و ملكته الإبداعية ؟
■ في البداية، يجب أن أوضح أن مفهوم الواقعية كما هو متداول في لغة الفنون التشكيلية ليس مفهوما واضحا من الناحية السكيولوجية، فاللوحة لا تعكس أبدا حالة أو مظهرا واقعيين، لان اللوحة هي بمثابة تمثل ذهني لموضوع ما، فهناك من الباحثين من يعتبر العمل الفني بمثابة تمثل لتمثل ذهني للواقع. معنى هذا أن اللوحة، رغم دقتها التقنية و رغم محاولتها مقاربة واقع ما، فهي دائما تحمل في أساسها، البعد الذهني و البعد الوجداني للفنان، إذن فهي ليست صورة فوتوغرافية جامدة للواقع و إنما هي بمثابة إعادة تركيب لهذا الواقع و هو مشحون بذات الفنان. بالنسبة للجواب عن سؤالك، فأنا أرتاح للتقنيتين معا، و هنا أفضل عبارة "التقنية" عوض "المذهب" أو "المدرسة" ذلك أن أي فنان، مهما كانت مكانته الفنية و أهميته التاريخية، فلا يمكن في رأيي حصر عمله الإبداعي في شكل واحد من أشكال الإيداع، لأن الفن كوسيلة تعبير، لا يمكن أبدا تقنينه بشكل آلي، ثم تصنيفه بشكل يكاد يكون نهائيا، فتقنين الإبداع في نظري، هو بداية لقتل الفن في الإنسان .
يلاحظ في إحدى أعمالك – الصورة المكسرة – أن جسم المرأة يتحرك في اتجاه أفقي عندما ننظر إلى اللوحة من جهة اليمين تنتقل إلى اليسار. ما هو السر في ذلك ؟.
■ بصراحة كبيرة، عندما أنجزت هذه اللوحة، لم أنتبه في البداية إلى هذه الظاهرة، و هي ما يسمى بظاهرة " اللوحة المتحركة " و هي ظاهرة نادرة في الفن، معنى هذا أنني لم أنهج أي معادلة هندسية خاصة لإخراج تحرك المرأة داخل اللوحة، ما يثير الانتباه من الناحية التقنية، هو أن المرأة تتحرك في اتجاهين مختلفين و يؤدي ذلك إلى تعديل في حجم المرأة عندا تنقل من اليمين إلى اليسار. لكن، ورغم هذه الحركة، فالخطان المتلاشيان يحتفظان دائما بنفس نقطة التلاشي على خط الأفق .
إن الملاحظ أن المعارض الفنية لا تواكبها حركة نقدية تساهم في إبراز الفنان الجاد ، انطلاقا من هذا ، تتجلى أزمة النقد التشكيلي بالمغرب على الخصوص ، فهل لك رأي في هذه المسألة ؟
إن النقد الفني لا يمكن في نظري أن يتواجد إلا داخل بنية عامة تعطي للفن و للتشكيل دورهما و أهميتهما ،ولن يكون ذلك ممكنا في الغياب وعي عام بأهمية الممارسة الفنية سواء داخل الأسرة أو المدرسة وكذلك بالنسبة لباقي المؤسسات الموازية. ما ينقصنا نحن في المغرب ، هو وجود تمثلات اجتماعية – ثقافية تؤطر الممارسات الفنية في مختلف أشكالها ،إضافة إلى قلة المؤسسات التي تهتم بهذا الجانب . فنحن نفتقر مثلا إلى أكاديمية عليا للفنون الجميلة وإلى متاحف وطنية، ليست هناك مجالات متخصصة في التشكيل و بالنسبة للقطاع الخاص ،فهو لم يدخل بعد مجال الفن والتشكيل أما بالنسبة للجمعيات المتواجدة ، فهي تسعى غالبا وراء أهداف جزئية وقريبة المدى فقط نفس الشيء بالنسبة لمدارس الفنون الجميلة ، هناك مدرستان فقط – بالدارالبيضاء وبتطوان – أما المراكز التربوية الجهوية التي تتوفر على شعبة الفنون التشكيلية، فهي قليلة من حيث العدد وهدفها تكوين مدرسين فقط وليس فنانين ،إذ هناك فرق شاسع بين الاثنين ،خصوصا وإن التوجهات الحالية لهذه المراكز تتجه نحو نموذج تكوين مهني لا أكثر.
إذن، فالمشكل الأساسي ، هو أن نقد التشكيلي بالمغرب لا يمكن أن يوجد في غياب بنية عامة ومناخ اجتماعي ثقافي - تربوي منفتح ،ليس على التشكيل وحده وإنما على باقي الفنون الأخرى . إذا أخدنا مجال المعمار مثلا، نجد أن المهندس المعماري غير منفتح على الفنان التشكيلي ولا يتعامل معه. نتيجة لذلك فالأشكال المعمارية عندنا ، يفتقر أغلبها إلى عناصر الجمال ولا يتيح للعين ما يمكن أن نسميه ب «الراحة البصرية» بل على العكس من هذا فهو كثيرا ما يؤلم العين ويجرحها ،نفس الشيء نلاحظه في أسلوب تصوير الأفلام المغربية السينمائية بالخصوص- حيث تغيب جمالية الفضاء .
أخيرا فالتظاهرات التشكيلية عندنا هي بمثابة تظاهرات مبعثرة هنا وهناك وهي تفتقر لإطار عام وواضح يجمع بينها ويوجهها نحو بناء شروع حضاري واضح من حيث أسسه المرجعية ، مع مراعاة عنصري التنوع وتكامل .
حاوره : الشاعر والفنان التشكيلي محمد شهيد (عن جريدة الاتحاد الاشتراكي 7 أبريل 1996 عدد 4623 )
قراءة في لوحة " المشعوذ " (معذرة للقراء الكرام عن عدم توفرنا على صورة) تجربة التوزاني : ذاكرة في الإبداع التشكيلي
يتميز الفنان عبد المجيد التوزاني بممارسة طويلة و رؤية عميقة في المجال التشكيلي ، إذ تعود محاولاته وبوادر موهبته الأولى إلى أواخر الستينيات ، حيث أنه مر ومنذ ذلك الحين بتجارب عديدة وقطع مراحل استطاع أن يطور من خلالها وبقوة مهاراته الحركية والبصرية وضبطه للجوانب التقنية التي أمهر فيها بمختلف المواد التي استعملها في صباغته . وبحكم علاقته بالتربية وعلم النفس كأستاذ لهذه المادة فقد صب اهتماماته في السنوات الأخيرة في معالجة بعض القضايا السيكولوجية وترجمتها إلى أعمال فنية تنزاح بطريقة ما عن الأسلوب التشخيصي لتقارب وتحاكي عالم التخييل أو ثنائية الواقع و الخيال . من جانب آخر نرى الفنان يبحث وبصدق كبير في معالجة قضايا متعلقة بمظاهر الثقافة الشعبية المغربة على الخصوص والمرتبطة بالعالم العربي والإفريقي على العموم .
لعل الفنان عبد المجيد التوزاني يطرح لنا في هذه اللوحة لوحة المشعوذ التي أرفقناها بهذا التقديم لتجربته والتي تعود إلى مرحلة سابقة ، مشكلة الشعوذة بكل سلبياتها وعواقبها الوخيمة على المجتمع منذ القدم وحتى الوقت الراهن حينما رسم لنا هذا الشيخ الكاهن بشكل ميتافزيقي للغاية وطبع على وجهه كل الملامح المثيرة للقبح والتقزز ، موقد تتصاعد منه الأبخرة الخادعة ، كتب وقلم وقارورة حبر لادعاء العلم والدين من جهة أخرى ، جبين بشع ويدان معوجتان لإثارة الذين يعتقدون العادات السيئة والظاهرات الكهنوتية البالية !
بكل اختصار تبقى أعمال عبد المجيد التوزاني كموهبة قوية وقدرة فنية تولدت عنها تجربة خصبة وذاكرة غنية في الإبداع البصري/ التشكيلي بالمغرب .
الشاعر والفنان التشكيلي محمد شهيد (عن جريدة أنوال بتاريخ 15 أبريل 1996)
بوح الرحيل (إلى روح الراحل عبد المجيد التوزاني أستاذا وفنانا تشكيليا)
لم يخني الدمع حولقت وبكيت .... الدنيا فانية ، وفيها وقف الموت ، يتقلد مهام الحتف ، كشط حسامه ليغتال العابرين... قرح الفراق قلوب الأحبة
وفي لجة الحزن الكبير، أذاب الفقد الألم رحمة جارية ... لم نحسبك على أهبة الرحيل ، نم قرير العين ، لك الرحمات بكل اللغات ، والدمع يبلل الكلمات ... على قبرك يردد الثرى تراتيل الخلود . مقامك الأخرى ، مأواك الحسنى ... لك الوفاء مع الدعاء ، على شاهدة قبرك أقرأ عبد المجيد... و في القلوب لم يمت ... وداعا يا حبيبي وداعا ، تركتنا نتبادل التعازي وننتظر الأدوار بانتظام ...
الشاعر : محمد زريويل
**************************
تعازينا مجددا لأسرة الفقيد وندعو العلي القدير أن يشمله بواسع رحمت، ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون