«السلطات تقوم بجمع المشردين والذين لا مأوى لهم خوفا عليهم من الموت بردا». أعدت قراءة العبارة لأكثر من مرة حتى أتأكد من الفاعل والمفعول به.. وخلصت في النهاية الى أن الأمر هو كذلك فعلا. فأمام موجة البرد القارس السائدة هذه الأيام تحركت المشاعر الانسانية للسلطة، وليس غيرها، ففكرت في هذه الأعداد من المشردين الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وخافت أن تتجمد أجسادهم النحيلة فقامت بجمعهم وإيوائهم، أين وكيف الله أعلم. عهدنا بالسلطات في مواجهتها لهذا الجيش العرمرم من المشردين والمختلين عقليا أنها لاتتحرك تجاههم إلا بعد أن تكون الفأس قد وقعت على الرأس حين يتهشم رأس أحدنا بحجرة طائشة من معتوه أو مختل، وحين يلحق الضرر بالممتلكات العمومية نتيجة عربدة أحدهم، أو حين يكون هناك إخلال بالحياء العام عندما يعمد بعضهم الى التجرد من ملابسه في الشارع العام ويصبح كما ولدته أمه. وللسلطات أيضا قصة عجيبة مع المشردين والمعتوهين وذلك عندما تكون البلاد على موعد مع ضيوف أجانب مرموقين أو حين تقتضي المناسبة مرور شخصية سامية، أو تنظيم مؤتمر دولي على قدر كبير من الأهمية فتعمد حينذاك الى تجميع المشردين والمختلين وإخفائهم لبعض الوقت قبل أن يعودوا بعد انتهاء كل شيء الى قواعدهم سالمين. لكن هذه المرة تحركت السلطات بدافع انساني محض، أي أنها خافت على هؤلاء المشردين من الموت بردا وتجمدا، وهو شيء جديد... ويستحق أيضا نقطة حسنة نسجلها لهذه السلطات. كان الأمر سيبدو بديهيا لو أن المبادرة جاءت من طرف كل هذه الجمعيات والخير ودور الإحسان التي تعني بالعمل الخيري والاحساني، والتي للأسف، بدأت تفوح من بعضها روائح الفساد وسلبيات سوء التسيير لدرجة أصبحت في نظر البعض مجرد بقرات حلوب لا يجف ضرعها بالنظر الى الدعم الذي تحظى به والامتيازات المادية التي تتوفر عليها. وكان الأمر سيبدو بديهيا أيضا لو أن المبادرة جاءت من المجالس المحلية المنتخبة مادامت تمثل كل الناس الأسوياء منهم والمرضى والمشردين.. ومادامت تخصص في حسابها الاداري بنودا بمبالغ منتفخة لدعم العمل الخيري والانساني تماما كما تفعل حين تخصص بنودا لمحاربة القمل والبق. وما دام لا أحد قام بالمهمة فقد تولت السلطات الأمر وأصابت أكثر من عصفور بحجر واحد.