يستحيل أن نتجول في شوارع وأزقة مدننا النظيفة - ماشاء الله - من دون أن يثير انتباهنا انتشار نماذج من البشر ماهم ببشر وماهم بحيوانات . إنهم أقرب إلى الكلاب الضالة وهم ينبشون في القمامات بحثا عن مادة غذائية تسد رمق جوعهم ، وأشبه بالبشر وهم يمشون على رجلين ولهم أيادي وأذرع يتأبطون تحتها جلبابا ممزقا أو سروالا متسخا أو مساحة من الكرطون يفترشونها كلما جن عليهم الليل في الهواء الطلق صيفا وتحت سقف دكان أو بمدخل عمارة أو في ركن من أركان المحطات الطرقية ومحطات القطارات .. شتاء . "" ونحن في عز فصل الشتاء ، ليتصور كل من يملك منا في قلبه مثقال ذرة من الإيمان والرحمة كيف يقضي هؤلاء المشردون ضحايا السياسات الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة ببلادنا ، يومهم بالجوع وليلتهم في العراء ! لنتصور جميعا حالهم مع انتشار موجة البرد القارس والصقيع واستمرار تساقط الأمطار وتهاطل الثلوج ، في الوقت الذي ننعم فيه نحن بدفء الفراش وأنظمة التكييف المنزلي أمام شاشات الفضائيات بعدما ملأنا بطوننا بكل ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات . أليس من الكوارث العظمى في حياتنا العامة كمجتمع يتشدق بالإسلام وبقيم التضامن والتكافل الاجتماعي بمناسبة وغير مناسبة ، أن ندع هؤلاء المواطنين على حالهم محرومين طوال الوقت من أبسط شروط العيش وهي الأمان من البرد والجوع والمطر ؟ أليس من العار أن لا يتحرك في نفوسنا ولو إحساس بالشفقة عليهم وذلك أضعف الإيمان ؟ أين نحن من زمان يحكى أن أحد الصالحين فيه ظل طوال حياته يرفض النوم على الفراش ويفضل المبيت في العراء على الأرض تضامنا مع الفقراء والمساكين الذين لا ملجا لهم ولا مأوى ، خشية أن يحاسب يوم القيامة عن حقوقهم ، ويسأل يومئذ عن النعيم . هل نستطيع أن نجرب اليوم في زمن الباربول والمكيفات الهوائية وفراش الرشبوند وأغطية المازافيل ووسائل التسلية والترفيه ، أن نبيت ولو لليلة واحدة شديدة البرودة والسواد خارج بيوتنا ، لنعيش ما يعيشه هؤلاء المشردون الذين تخلى عنهم أهاليهم ونسيتهم مؤسسات الدولة ونشعر بما يشعرون به من غبن وتهميش وقهر اجتماعي ؟ أرجو أن لا أتهم بالتخريف والهذيان ، لأنني أريد فقط من خلال هذه الكلمات إثارة الإنتباه إلى لقطة مؤلمة من زماننا البائس وتعرية واقع مسكوت عنه ومؤامرة صمت خطيرة نتواطأ فيها جميعا ضد مواطنين لست أدري في أي درجة على سلم المواطنة يمكن لنا تصنيفهم ، وضد هؤلاء المنسيين الذين يكتوون ليل نهار بنار الجوع والبرد ولا من يقول في هذا البلد اللهم إن هذا لمنكر ! فلا أتذكر أنني سمعت في يوم من الأيام منذ أن بدأت أتابع جلسات سوق الأربعاء للأسئلة الشفوية بالبرلمان قبل أن يضيفوا لنا جزاهم الله خيرا « سويقة » يوم الثلاثاء نائبا برلمانيا محترما أمسك المايكروفون وتحدث عن المشردين والمجانين الذين تعج بهم بلادنا من شمالها إلى جنوبها وأثار قضيتهم في البرلمان . أتدرون لماذا ؟ لأنهم بكل بساطة شريحة من المواطنين الذين لا هوية لهم ولا يحملون بطاقة تعريف وطنية ولا توجد أسماؤهم ضمن قوائم المسجلين باللوائح الانتخابية ، بمعنى أنهم أصوات خرساء ميؤوس منها يوم الاقتراع والتصويت على ممثلي الأمة والشعب بالبرلمان والمجالس البلدية . هؤلاء البؤساء المتخلى عنهم الذين لا صوت لهم في هذا الوطن إلا سوط القهر الاجتماعي المسلط عليهم ، إذا ما أحصيناهم جميعا فإنهم قلة قليلة منتشرون هنا وهناك عبر مختلف أرجاء مدن بلادنا وقراها . ولا تخلو مدينة أو قرية من واحد أو إثنين منهم على الأقل ، ومن السهولة بمكان جمعهم في مآوي خيرية وإطعامهم وكسوتهم وتدفئتهم ورعايتهم بما يلزم من العناية إلى أن يجعل الله لهم مخرجا . إذا كان الأمر كذلك ، لماذا إذن لا تتوفر لدينا الشجاعة والإرادة السياسية للقيام بهذا الواجب الإنساني تجاه هؤلاء المحرومين من نعمة العقل ومن أبسط مقومات العدالة الاجتماعية ؟ ألا يوجد بيننا أثرياء أغتنوا من خيرات هذا البلد بطرق مشروعة وغير مشروعة ومن عرق جبين طبقاته الكادحة ، بإمكانهم حل هذه المعضلة الإجتماعية في دقيقة واحدة وبتوقيع بسيط على شيك بنكي بأرقام صغيرة لا تعني شيئا مقارنة مع ما يتوفرون عليه من أرصدة متضخمة في البنوك المغربية والخارجية . ألا يوجد ضمن نسيجنا الجمعوي هيآت تأخذ على عاتقها مسؤولية التكفل بهذه الشريحة على مستوى التنظيم والتعبئة وحشد التمويل اللازم لرعايتها مدى الحياة بشكل جدي بعيدا عن البهرجة الإعلامية والدعايات الفارغة. طبعا لا ننكر بالمطلق وجود جمعيات تشتغل في هذا المجال ، ولكن يظل العمل الذي تقوم به هذه الجمعيات ضعيفا جدا وتأثيرها محدودا ما دمنا نرى مشردا واحدا تائها في ركن ما من أركان هذا الوطن . كما لا ننكر وجود حملات في هذا الإطار تقوم بها الأقسام الإجتماعية ببعض العمالات والولايات ، لكننا نريد أن يتم تعميم هذه التجرية على كل المدن والقرى والمداشر ، وأن تتحرك الدولة ومؤسساتها والمجالس المنتخبة وفق خطة وطنية مدروسة ، بتنسيق مع المجتمع المدني ببلادنا وتعاون مع الشرفاء من أبناء هذا الوطن المستعدون دوما للتضحية والمساهمة والإنخراط في أي عمل إجتماعي من شأنه تخفيف آثار التهميش والحرمان على الطبقات والشرائح المتضررة . ثم لماذا لا يتم التفكير في تخصيص يوم وطني خاص بهذه الفئة على غرار الأيام الوطنية للتلقيح مثلا واليوم الوطني للطفل والمرأة والبيئة ومرض السيدا وما إلى ذلك من أيام وأعياد ، للتحسيس بحال هؤلاء المشردين والتضامن معهم ؟ ولماذا لا يتم فتح صندوق لجمع التبرعات لهم ، أقترح على نواب الأمة أن يكونوا أول من يساهم فيه براتب شهر واحد على الأقل ، تكفيرا عما سلف منهم من إهمال عبر سنوات عديدة لحقوق الفئات المحرومة ببلادنا ومن تقصير في واجباتهم تجاه من منحوهم أصواتهم لإبلاغ صوتهم إلى الجهات المسؤولة وإلى أسماع أعضاء حكومتنا الموقرة . لماذا ولماذا .. تتناسل الأسئلة وتتزاحم الإقتراحات في ذهن كل واحد منا بالتأكيد ، لكن يبقى السؤال الكبير المطروح منذ زمان هو من يعمل بهذه الإقتراحات ومن يأخذ المبادرة ! وفي انتظار أن تتحرك الدولة والمجتمع جديا في هذا الاتجاه ، كان الله في عون كل الفقراء والمساكين في هذا البلد وكل المشردين والشمكارى والمجانين المتخلى عنهم وغفر لي ولكم جميعا ! ! [email protected]