"الفيفا" تحدد موعد زيارة مجسّم كأس العالم للأندية 2025 للوداد الرياضي    رؤية شاملة لحصيلة عمل المرفق العام الشرطي في مختلف المجالات والميادين التي تتقاطع مع انتظارات المواطنات والمواطنين    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        المجلس العلمي الأعلى يتحفظ على ثلاث مسائل في تعديلات مدونة الأسرة    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    النسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين بالفوج 39 للقوات المسلحة الملكية بجرسيف    التوفيق يقدم رؤية عميقة حول العلاقة التي تجمع إمارة المؤمنين بالعلماء ويُبرز آليات إصدار الفتوى في حالة مدونة الأسرة    احتفالا بالصناعة التقليدية المغربية.. حفل انطلاق النسخة الثانية من برنامج" الكنوز الحرفية المغربية"        توقيف شخص بالبيضاء يشتبه تورطه في تهديد سلامة عناصر الشرطة وتعريضهم للخطر    الفصائل السورية تتفق مع أحمد الشرع على حل نفسها والاندماج مع وزارة الدفاع        الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة    توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي            "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    أ. الدشيرة يفوت على ا. يعقوب المنصور فرصة الارتقاء للصدارة    السكوري: القانون التنظيمي يراهن على منع المشغلين من "شراء الإضراب"    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    تركيا: مقتل 12 شخصا على الأقل في انفجار في مصنع ذخيرة    برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي            مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب        الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    الصين تكشف عن مخطط جديد لتطوير اقتصاد الارتفاعات المنخفضة    مختص في النظم الصحية يوضح أسباب انتشار مرض الحصبة بالمغرب    وعكة تدخل بيل كلينتون إلى المستشفى    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة إلى التنمية
نشر في هسبريس يوم 30 - 12 - 2007

هناك ، حيث وقف طارق بن زياد شامخا يرفع سيف الوطنية والقومية واندفع يشق به البحر ليوحد خلق الله تحت راية التعايش المستقيم ، يقف اليوم آلاف المواطنين على امتداد أيام وليالي السنة يذرفون الدموع الحارقة ترحما على أرواحهم وهم يواجهون عدوا لا يرحم كل من يركب أمواجه مكرها ، أعناقهم مشرئبة إلى الأفق البعيد ، إلى ما وراء البحر يحلمون بالهجرة من الموت البطيء إلى الأمل في الحية ... الهجرة إلى التنمية الحقيفية ... إلى حيث الكرامة ... إلى الوطن - وطن يمنحهم حق المواطنة بعدما جردوا منها فوق أرضهم وتقطعت بهم السبل حينما لفظهم وطنهم - وهم يرددون بصوت يخترق هدير البحر : ... يوجد الوطن حيث توجد الكرامة ... . ""
الهجرة هي من مميزات كل الكائنات الحية . بها انتشر الإنسان والحيوان وقامت الحياة فوق كل القارات ،
الهجرة إذا ظاهرة طبيعية وجدت مع وجود الإنسان والحيوان فوق الأرض ، فهما بطبيعتهما دائما الحركة والتنقل والترحال يعيشان بلا حدود ولا يستقران إلا حيث ومتى تتوفر مقومات حياتهما ، يهاجران بكل حرية في أي وقت وإلى أي مكان بحثا عن ظروف أفضل لعيشهما وبقائهما ، فهي من السنن المؤكدة لاستمرار الحياة البشرية والحيوانية على كوكب الأرض .
الهجرة اليوم هي البحث عن الكرامة ... عن السعادة ... هي البحث عن الحياة بتفاصيلها ... هي حق طبيعي لكل إنسان .
حياة الإنسان – كما هي حياة الحيوان – لا يمكن أن تستمر داخل حدود مغلقة وفي ظروف قاسية ، ومتى سلبت حريته في التنقل والحركة وطوق بأي نوع من أنواع الحواجز – مادية كانت أم فكرية أو معنوية - هلك وانقرض وهذه من كبائر الجرائم .
الأرض جزء من ملك الله لم يسجلها باسم أحد أوجد فوقها الإنسان ليعيش عليها ومنها حرا لا تحده الألوان والأعراق وسطر له قانون التعايش لا تستقيم حياته إلا في إطاره .
إذا ما آمنا بهذه القاعدة الطبيعية فلمذا وضعت الحدود للحياة البشرية - حدود فكرية واقتصادية واجتماعية وجغرافية - ومن وضعها ؟؟
الله عز وجل وضع حدا لعمر الإنسان ، كسائر الكائنات ، في سنوات بالموت والفناء لأسباب لا يعلمها إلا هو سبحانه ومن بعده الأنبياء والرسل ثم العلماء الأجلاء ... ربما لتجديد الحياة البشرية واستمرارها والحفاظ على توازن الكون . لكن أن يضع الإنسان حدودا بينه وبين أخيه الإنسان قد تكون حدا لاستمرار حياته أمر لا يحتاج إلى العلم والعلماء لتفسيره ولا لمجهود فكري لفهمه .
رسم الحدود هو مظهر من مظاهر الجشع البشري يفرضه الفرد أو الجماعة كخطوط حمراء تنزهه(م) عن باقي مكونات المجتمع : خطوط حمراء في التفكير والتعبير ، خطوط حمراء في الامتلاك والاغتناء ، خطوط حمراء في التنقل والهجرة ... خطوط حمراء لا يسمح بتجاوزها إلا لمن ينتمي لنادي الكبار .
فالحكام والأغنياء بنوا بينهم وبين عامة الناس صور ذو القرنين وأحاطوا إمبراطورياتهم بحواجز ناسفة مبرمجة على دماء الفقراء . لهذا يمكن القول أن مثل هذه الحدود التي تتنافى مع القانون الرباني للتعايش البشري ( كالسيادة الطبيعية والقانون العام والمبادئ والأخلاق والثقافة واحترام الغير ...) هي حدود عنصرية من ابتكار الفكر البرجوازي والسلطوي الشاذ ، وهو فعل إجرامي وجب محاكمته عوض محاربة الهجرة الطبيعية ومحاصرة أو اقتناص الباحثين عن الحياة .
فإذا ما أراد ذوو النيات الحسنة أن يحاربوا مخاطر الاكتضاض السكاني والازدحام العمراني فليس بوضع الحدود الجغرافية المفخخة والقانونية الجائرة بل عليهم أن يلغوا الفكر العنصري وإلى الأبد ويتبنوا سياسة علمية منصفة وعادلة مشتقة من الأحكام الإلهية لا تفرق بين الألوان والأعراق والطبقات ، ويعيدوا حق الحياة الكريمة لكل الإنسانية بتعميم التنمية البشرية بكل صورها الصادقة وليس كالتي نعايش عذابها في بلادنا الشريفة منذ ما يزيد عن خمسين سنة التي أجبرت وتجبر آلاف المواطنين على الفرار من وطنهم والهجرة إلى التنمية الواقعية القائمة وراء البحار ولو بالانتحار .
لكن المغادرة الإجبارية للوطن التي فرضت على المغاربة ليست هجرة طبيعية بل هي تهجير قصري وهجر ممنهج :
* تهجير قصري تمارسه الأقلية المهيمنة على السلطة والثروة على الأغلبية بسياسة التمييز والقمع والتفقير والتجويع للتخلص من ثقلها الديني والتربوي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ... تهجير قصري بتعذيب الاقلية الحاكمة للأغلبية بسياسة النفاق والكذب والتحايل وتعميق جراحها بمخططات تنموية فاشلة لم تزد الجياع إلا جوعا والفقراء إلا فقرا والبؤساء إلا بؤسا ، ومنحت الأغنياء مزيدا من فرص الاغتصاب النهب والاغتناء وتهريب الثروات :
- ألا يرى حكامنا ازدياد أعداد الجائعين الذين يتسابقون مع القطط والكلاب الضالة على صناديق القمامة بالليل والنهار بحثا عن استمرار حياتهم ؟ ألا يروا أمواج المتسولين التي تكتسح ربوع الوطن على امتداد ساعات السنة ؟ ألا يروا أفواج المشردين الذين تكتض بهم شوارع ودروب وأسواق مدننا وقرانا ؟ ألا يروا فيالق اللصوص والمجرمين كيف تنشر الرعب في البلاد وتداهم وتقاتل المواطنين في كل مكان ؟ ألا يروا استفحال ظاهرة الدعارة بكل صورها والشذوذ والفساد الأخلاقي والإقتصادي والاجتماعي ؟ ... ؟ هل يتظاهرون بالعمى والصمم أم هم راضون عن خططهم التنموية كل الرضى ؟؟
- وهل التنمية البشرية تتطلب هذا التناسل المهول للجمعيات الخيرية أو الخدماتية والأحزاب الببغائية والمؤسسات الفئوية ؟ ...
- هل تربية الأرانب والمعز ، وتوزيع الحروف الأبجدية ومبادئ التسول تنمية ، يا ناس ؟ ألم يقل الصينيون ( علمه كيف يصطاد السمكة ولا تعطيه السمكة ) ؟
- هل أسبانيا والصين وكوريا و ... نمت ، في وقت وجيز ، شعوبها بمثل هذه الأدوات البدائية وبالكذب والتحايل وبيع الوهم بأثمان باهظة ؟
- هل هذه العمليات التنموية ونتائجها التي فاق عمرها خمسون سنة ، وليس سنتين فقط ، تستحق هذه الضجة الإعلامية والصخب الذي يملأ أجهزة الإعلام الحكومية والموالية ؟
* أما الهجر الممنهج فهو الإبن الأكبر للتهجير القصري وهو أخطر ظاهرة تهدد الوطن بالإنقراض والإندثار . فالمهجرين تبقى في قلوبهم بذرات الحب لوطنهم وشيء من الحنين إليه وهم في منفاهم ، أما الذين يهجرونه لا يكنون له غير الكره والعداء وهم يتمتعون بخيراته ويفسدون في أرضه وخلقه فكيف بهم يحنوا إليه وهم يطوفون بلاد الغرب من سويسرا إلى كندا بعدما أن ينظفوا أياديهم من دمائه ويهربوا كل ما نهبوه .
التهجير القصري والهجر الممنهج للمواطنين سفيران فوق العادة للتنمية البشرية الكاذبة ينشران حقيقة وواقع المملكة الشريفة في كل دول العالم .
فاللهم نور بصيرتنا وبصيرة حكامنا واهدينا جميعا لما تحبه وترضاه ، ونجي وطننا من كيد الكائدين .
- محمد المودني . فاس . ( دجنبر 2007 ) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.