آلاف السلاويين الهاربين من حر الصيف يلجؤون إلى شاطئ المدينة اليتيم رغم أنه صنف ضمن خانة الشواطئ غير الصالحة للسباحة، حسب التقرير السنوي لجودة مياه الشواطئ، فالفقراء أيضا لهم الحق في التمتع بالصيف، والباقي لا يهم بما في ذلك خطر الإصابة بلائحة طويلة من الأمراض. يغص شاطئ الرباط-سلا، كعادته في مثل هذا الوقت من كل عام، بالمصطافين الهاربين من ضيق الأزقة وحرارة الجو. لم يتأثر ذلك بالترتيب المتأخر الذي يحتله هذا الشاطئ في التقارير الرسمية. زيارة الشاطئ، منتصف يوليوز الحالي، صورة صادمة لما يتصوره مواطن عن الشاطئ في العاصمة. وهذه بعض من مشاهدها. الانتخابات والمراحيض لا وجود لأي مرحاض في الشاطئ، والمصطافون وجدوا عزاءهم خلال الصيف الماضي في إحدى المقاهي التي بقيت منتصبة تتحدى الهدم الذي طال جميع المرافق بالشاطئ قبل أن تباغتها الجرافات ليلا وتمسحها عن الوجود، تحت حراسة العشرات من أفراد القوات المساعدة والأمن، ليبقى الحل الوحيد لأزيد من عشرة آلاف مصطاف لقضاء حاجتهم الطبيعية هو التوجه نحو مياه البحر لتصريفها سرا، الأمر الذي جعل الأمواج ترمي في كل مرة ب«كشكوشة» صفراء، تبدو من بعيد وكأنها حمولة تسربت من باخرة عملاقة. سيدة لم يبق لديها وقت كاف للوصول إلى البحر اتخذت من زوجها ستارا لتمكن ابنتها الصغيرة من قضاء حاجتها فوق الرمال، وهو نفس المكان الذي اتخذه لحظات قليلة بعد ذلك شاب لإراحة جسده بعد انتهائه من السباحة. ليست فضلات المصطافين وحدها ما يجعل الشاطئ ملوثا، بل تضاف إليها أيضا الزيوت المتسربة من الآليات التي تعمل على إخراج الرمل من قاع نهر أبي رقراق من أجل ضمان مد يسمح بوصول المياه إلى «المارينا» بشكل منتظم، إضافة إلى مخلفات المجزرة البلدية القريبة، التي ترمي من خلال قناة إسمنتية بدماء الذبائح وما في أحشائها على بعد أمتار قليلة من الشاطئ . أحد أعوان الحراسة قال إن وكالة تهيئة ضفة أبي رقراق أحضرت مراحيض متنقلة عوضا عن تلك التي تم هدمها، لكنها لم تشغل إلى حد الآن بسبب الانتخابات، حيث يتعين انتظار تشكيل مكتب مجلس مدينة سلا، والتنسيق معه من أجل تشغيل هذه المراحيض، وفي انتظار ذلك فالخلاء والبحر موجودان. المخزن واحد أزيد من 30 طفلا يعلن اختفاؤهم يوميا من طرف الأسر بين الحشد البشري الذي يتزاحم في الشاطئ يوميا، ووسط المئات من الأجساد التي تفضل الارتماء على الرمال المتسخة، مما يخلق لعناصر القوات المساعدة ورجال الأمن المكلفين بالحراسة صعوبات إضافية. إحدى الأمهات صادفناها وهي تذرف دموعا ساخنة ممسكة بعنصر من القوات المساعدة بعد أن تاهت طفلتها الصغيرة، قبل أن يحضرها بعض الشبان، في نفس الوقت، وعلى بعد أمتار قليلة نشب صراع حاد بين شابين تبادلا خلاله سيلا من اللكمات ليقعا بعدها على الأرض، وسط لامبالاة تامة من طرف المصطافين، ربما لأن المشهد ومن فرط تكراره أصبح مألوفا. أجهزة صوتية تشغل أشرطة لمطربين بأصوات معدنية ومبحوحة تصرخ بكلمات غريبة، مثل «ما درنا والو تا لعبة والو»، و«منين جاتك دي لاوبوطي» وضعها بعض مرتادي الشاطئ أمامهم، ومن أجل استكمال طقوس «التبحيرة» لا بأس من بعض «الجوانات» التي تتم تسويتها وتدخينها على عجل حتى لا تصل رائحتها إلى «صحاب الحال»، وينقلب الاستمتاع بالبحر إلى «مزاوكة» و«رغيب». رجال الأمن ليس لديهم مقر للحراسة، لذا طلبوا اللجوء عند القوات المساعدة فالمخزن واحد. أحد المدمنين على «السيلسيون» اتخذ له مكانا قرب المقبرة القريبة من الشاطئ بشكل يتيح له النظر إلى الأطلسي وضفة نهر أبي رقراق، ووضع على رأسه قميصه ليخرج بعد ذلك «بواطة» «السليسيون»، ويضع القليل منها بعناية مثل طبيب متمرس على قطعة ثوب سوداء فركها جيدا و«قدمها» لأنفه قبل أن يخفيها. المئات يأتون إلى هذا الشاطئ من أحياء هامشية بعيدة مثل الواد وحي الرحمة ودوار الشيخ مفضل سيرا على الأقدام، في حين يعمد بعضهم إلى «السليت» في الحافلات مما دفع بعض شركات النقل إلى فرض أداء ثمن التذكرة قبل الصعود. هل رأى البحر سكارى البعض اتخذ من «المول» مكانا لركن سيارته وشرب بعض الجعة الباردة في انتظار منظر الغروب قبل اقفال باب الحانة ونقلها إلى مكان آخر، فعلى امتداد «المول» ترتمي العشرات من قناني الجعة و«الروج» من مخلفات السكارى الذين يأتون إلى البحر من أجل الدوخة، ونسيان الهموم قبل أن يعودوا أدراجهم تاركين «الخاوي» للمحيط الأطلسي. نسبة مهمة من مرتادي هذا الشاطئ ينتمون إلى فئات مسحوقة اجتماعيا لا تملك ثمن التنقل إلى شواطئ نظيفة، إضافة إلى بعض الموظفين البسطاء الذين لم يجدوا حلا لإخراس أفواه أبنائهم المطالبة ب «التبحيرة» سوى المجيء الى هنا. «البراسول» يعتبر من الكماليات في هذا الشاطئ، فمعظم الأسر لجأت إلى بناء عشة عشوائية للاحتماء من الشمس، فيما لجأ البعض إلى الاستلقاء على الرمال المبللة لعدم توفره على «فوطة». حالات الغرق قلت كثيرا في هذا الشاطئ بفعل الحواجز الصخرية التي تم وضعها في إطار بناء ميناء الصيد الساحلي، وكذا الحواجز التي أقيمت لتمكين اليخوت الفخمة من ولوج المارينا حيث تستسلم لأشعة الشمس قريبا من الأجساد الهزيلة المرمية على الشاطئ. لا وجود للماء أو المغاسل، لذا يغادر عدد من المصطافين وعلى جلودهم مياه البحر التي تجعل عددا من الصغار مرهقين بفعل «الحكة»، بعد أن تختلط ملوحة البحر بملح العرق. بعض الصغار وبعد أن يستبد بهم العطش يضغطون على آبائهم من أجل شراء مشروب محضر بطريقة يدوية وفيه صفرة مبالغ بها، يتم بيعه في كؤوس لا تغسل وتنتقل من فم إلى آخر، أو في قنينات كانت مخصصة للمياه المعدنية، فالجميع هنا على ما يبدو له حصانة وإشباع من الميكروبات، ولا داعي للخوف. البحر الميت «الملحة كتقتل الميكروب»، أجاب أحد الشبان وهو يدخن سيجارته قبل أن يضيف «فين غادي نمشي راه هاد البحر محال العام الجاي نلقاوه»، ليضيف «حتا هو غادي يديوه على حساب المشروع». كل صباح يستقبل شاطئ سلا المحاذي لمقبرة «باب معلقة» آلاف الهاربين من رتابة المدينة التي تحولت شوارعها إلى خراب بفعل أشغال إنجاز سكة الترامواي، وكلهم أمل في قضاء يوم ممتع ينسيهم واقعهم البئيس. أن يكون هذا الشاطئ غير صالح للسباحة أمر لا يعني السواد الأعظم من مرتاديه، بل إن هناك من يعتبر هذا الكلام إشاعة مغرضة لمنع سكان سلا من السباحة في الشاطئ، الذي سيصبح ملكا للأثرياء. يتساءل أحد الشبان لماذا تم هدم جميع المرافق هنا، في حين بقي شاطئ الرباط على حاله؟ ليعلق على الأمر بالقول: «إنهم يريدون قطع الطريق على المزاليط حتى لايزعج منظرهم الأغنياء وهم يركبون يخوتهم». سيدة حضرت إلى الشاطئ مع خمسة أطفال أعمارهم جد متقاربة، مما يدل على أن سياسة تنظيم الأسرة بالمغرب ناجحة جدا. المرأة انخرطت في حديث طويل مع بعض النساء وتركت أطفالها يلعبون بقنينة جعة، قبل أن تنشب «حرب» بينهم وبين أطفال آخرين، تلاه قصف لساني كانت الأم طرفا فيه رفقة سيدة أخرى. متعة مقابل المرض البعض تعامل مع أسئلتنا حول سباحته في شاطئ ملوث بعصبية شديدة وصلت في بعض الأحيان إلى السب، ربما لأنه اعتقد بأن أسئلتنا محاولة مبطنة لإقناعه بعدم العودة مرة أخرى إلى هذا الشاطئ وحرمانه من حقه في التمتع بالسباحة في بلد تمتد شواطئه على أزيد من 3500 كلم، فيما قال الآخرون إنهم يسبحون منذ مدة هنا ولم يحدث لهم أي شيء. لائحة طويلة من الأمراض ستصيب حتما عددا من مرتادي هذا الشاطئ، يأتي في مقدمتها الإسهال والفطريات التي يمكن أن تنتقل عدواها إلى الآخرين، فحسب عدد من الاستشارات الطبية التي قامت بها «المساء» فإن السباحة في مياه ملوثة تؤدي إلى الإصابة بالإسهال، وهو ما يمكن أن تنتج عنه مضاعفات صحية خطيرة خاصة بالنسبة إلى الأطفال، إضافة إلى الإصابة بالفطريات التي تتطلب في بعض الحالات مبالغ مالية كبيرة من أجل علاجها، مع احتمال عودتها بين الفينة والأخرى، دون الحديث عن عدد من الجراثيم التي قد تؤدي إلى أضرار على مستوى الأذن والعينين. فلين غريب رضوان، شاب ينتمي إلى حي الرحمة الشعبي، قال إنه يعلم بأن هذا الشاطئ غير صالح بتاتا للسباحة، ورغم ذلك فإنه يأتي إليه لأنه لا يملك ثمن الوصول إلى شاطئ نظيف بتمارة أو القنيطرة، فعملية حسابية بسيطة للمصاريف ستقود إلى رقم يترواح مابين 60 و80 درهما تتضمن مصاريف التنقل والأكل والسجائر، وما أسماه «نومبر سولاي». رضوان قال إنه يمتلك الدليل القاطع على تلوث الشاطئ، وأورد كيف أنه شاهد شيئا تتلاعب به الأمواج ليقترب منه حيث ظن في البداية أنه قطعة فلين، قبل أن يتبين له بعدما تحسسه أنه فضلات أحد المصطافين الذي اختار أن يسبح مسافة بعيدة قبل التخلص منها، لكن البحر رفض هذا السلوك وحاول رميها من جديد على الشاطئ. هناك من يفضل عدم السباحة في شاطئ سلا، ويختار عددا من النقط الساحلية رغم خطورتها بالنظر إلى الصخور الحادة وكذا الأمواج التي لا تجد في طريقها أي حاجز يحد من قوتها، حيث سجل في السنوات الأخيرة الماضية غرق عدد من الشبان، إلا أن ذلك لا يمنع البعض من السباحة رفقة أصدقائه في هذه الشواطئ غير المحروسة في إطار نوع من التحدي وإثبات المهارة. ضحايا «الصالير» عبد الرحيم، موظف بالعاصمة، بدا عليه انزعاج شديد من الطريقة التي يتصرف بها بعض المراهقين من خلال صنع كرات رملية ورشق بعضهم بها، قال «دارها الصالير اللي على قد الحال أما مانجيش لهنا نتفقص مع شي ناس عندهم حجرة فبلاصة العقل». عبد الرحيم حضر رفقة زوجته وأطفاله الثلاثة الذين حرص على إبقائهم تحت مراقبة مشددة خوفا من ضياعهم وسط هذا «الموسم». أضاف بعد أن أخبرناه بخطورة السباحة في هذا الشاطئ بأنه أتى إلى هنا حتى لا يحرم أطفاله الصغار من الاستمتاع بالبحر، قبل أن يختم كلامه وهو ينظر إلى زوجته بالقول «الله يحفظ وخلاص». القناعة التي تولدت لدى الكثير من السلاويين مباشرة بعد الشروع في هدم المرافق الموجودة في الشاطئ هي أنهم فقدوا واجهتهم البحرية التي استعملها القراصنة في ما مضى لصالح مشروع سياحي يعلق عليه الكثيرون آمالا كبيرة لفك الحصار والتهميش الذي عانت منه المدينة على امتداد عقود من الزمن. 283 محطة شاطئية تستجيب لمعايير الجودة أفاد تقرير وطني حول مراقبة جودة مياه الاستحمام برسم سنة 2008-2009 أن حوالي 283 محطة تستجيب للمعايير المغربية والدولية، أي 94.97 في المائة من الشواطئ التي تمت معاينتها. وأوضح التقرير الذي تم تقديمه، بالرباط خلال لقاء صحافي، أن حملة مراقبة جودة مياه الاستحمام التي تم إنجازها ما بين شهري ماي 2008 وفبراير الماضي، كشفت أن 90.14 في المائة من الشواطئ الواقعة على البحر الأبيض المتوسط تستجيب لمعايير الجودة الميكروبيولوجية. وأضاف التقرير، الذي أنجزته وزارة التجهيز والنقل وكتابة الدولة المكلفة بالماء والبيئة، أن المحيط الأطلسي في نصفه الشمالي الذي يضم 61 شاطئا و180 محطة مراقبة موزعة ما بين طنجة والصويرة، 173 منها تطابق المتطلبات التي تحددها المعايير المغربية في ما يتعلق بمياه الاستحمام، أي 97.2 في المائة. وفي ما يتعلق بمنطقة النصف الجنوبي من المحيط والتي تتوفر على 22 شاطئا تمتد من أكادير إلى الداخلة، فإن 46 محطة أظهرت نتائج مطابقة للمتطلبات التي تحددها المعايير المغربية في ما يتعلق بالاستحمام، أي 93.88 في المائة من محطات المراقبة التي خضعت لعملية المراقبة. ودعا التقرير، على الخصوص، إلى تكثيف الجهود على مستوى البنيات التحتية لحفط الصحة والقضاء على مصادر التلوث على طول واد مارتيل و(ديزا) والمعالجة القبلية لمياه الأمطار التي تصب وسط شاطئ الجديدة وإرساء نظام ناجع لتطهير المارينا والميناء الترفيهي بأكادير. وتم انتقاء محطات المراقبة التي خضعت للمعاينة وفقا لأهمية ارتيادها وطبيعة هذه الفضاءات وكذا المخاطر الخاصة للتلوث. ويرتكز تقييم جودة المياه على البحث عن المقاييس الميكروبيولوجية وفقا للمعيار الوطني (إن إم 03. 7. 200) والمعايير الدولية وتوجيهات المنظمة العالمية للصحة وبرنامج الأممالمتحدة للبيئة.