تجند ليلة الاثنين الماضي عدد من الباحثين والمراقبين والمشرفين وأعوان السلطة المشاركين في الإحصاء الوطني للسكان والسكنى، من أجل إحصاء شريحة متميزة لم تشملها بعد زيارات الباحثين بسبب عدم توفرها على مساكن، ويتعلق الأمر بالأشخاص بدون مأوى، والذين يبيتون في الغابات والحدائق والشوارع والأزقة. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الإحصاء بالمغرب، التي يحصى فيها هؤلاء المشردون في أماكن وجودهم، وليس في مقرات الشرطة بعد تجميعهم من طرف سيارات رجال الأمن، وذكر أحد المشرفين أن ذلك جاء ضمن تعليمات من المندوب السامي للتخطيط، خاصة بعدما أثيرت هذه النقطة أثناء انعقاد ندوة صحفية الأسبوع المنفرط بالرباط، مضيفا أن إحصاء هؤلاء في أماكن وجودهم هو رأفة بهم، حيث لا يمكن حبسهم من أجل الإحصاء بصفة غير إنسانية. ولزمت عملية إحصاء المشردين، حسب المسؤول نفسه الدخول إلى الحدائق العامة كثيفة الأشجار والمظلمة والدروب والأحياء الهامشية من أجل التنقيب عن سكان محتملين وعن ظروف عيشهم، مضيفا أن "رجال الإحصاء أبانوا عن روح عالية من المواطنة، حيث استغرقت العملية ساعات إلى ما بعد منتصف الليل". وقال أحد الباحثين إن العملية تطلبت تدخل أعوان السلطة أيضا، الذين استطاعوا بفضل تجربتهم طمأنة المشردين وتهدئة روع البعض وتذكيرهم أن المسألة لا تهم حملة تمشيطية لهم، بقدر ما هي مساهمتهم كباقي المواطنين في عملية الإحصاء، مضيفا أن بعضهم أجاب عن الأسئلة بكل تحمس، ظانا أن الأمر يتعلق بفرصة العمر لامتلاك مأوى يأوي إليه ليل كل يوم. وكشفت عملية إحصاء المشردين، الذين خصصت لهم استمارة منفردة لكل واحد منهم عن بؤس واضح في صفوف هذه الشريحة من المواطنين التي تعيش حالة مزرية من الجوع والفقر والمرض، لكن الغريب في الأمر أن التشرد انتقل من صفته الفردية إلى صفته الجماعية، بحيث وجدت أسر بكاملها مشردة في الشوارع، ووجد أن أغلب هؤلاء هم ضحايا أسر متفككة وضحايا الطلاق أو ارتكبوا جرائم دخلوا على إثرها السجن، ولم يعد المجتمع قادرا على إدماجهم. وحسب مصدر أمني مطلع، فإن عدد المشردين بدون مأوى بمدينة مراكش في تناقص كبير، بعد موت أغلبهم بسبب تعاطيهم للماحيا والمخدرات أو تعرضهم لنزلات برد حادة نتيجة مبيتهم في العراء، في حين تجد فئة أخرى من المتسولين غرفا تأوي إليها بالليل. وأضاف باحث آخر أن المؤلم حقا هو وجود عدد من الأطفال المشردين في ساحة جامع الفنا، إذ أوضح أن الاقتراب من أحدهم كشف له كيف أنه كان يكلم الباحثين وينظر إليهم بعين واحدة في حين كانت العين الأخرى تراقب مرور الشرطة السياحية، كما اكتشف أن أغلب هؤلاء يتوفرون على مسكن، لكنه لا يسع أكثر من أربعة أفراد، لأنه عبارة عن غرفة مع الجيران، و>هو ما لاحظناه فعلا في الليلة الموالية، حين قال لنا أحد الأطفال المشردين (15سنة) بساحة جامع الفنا إن عدد إخوانه كثير<، مما يجعلهم يخرجون يتنفسون الهواء إلى حين، لأن الغرفة التي يسكنون بها لا تتعدى أربعة أمتار مربعة ولا تكفي كل إخوانه وأخواته السبعة، إضافة إلى والديه، للنوم أجمعين في وقت واحد، مما يضع عليه عاتق حراسة ثلاثة من أخواته إلى حين مجيء دوره في النوم. عبد الغني بلوط