سبحان الله. هكذا قالت دراسة امريكية حديثة لجامعة اطلانطا لا ندري هل ندرجها في سياق الهوس الذي يطبع المجتمع الامريكي ام في سياق عِلمية بحث اكاديمي وجامعي؟ الدراسة تمحورت حول العلاقة بين غلاء خاتم الخطوبة او الزفاف والفترة الوجيزة لحياة الزوجية. وتتبع المسؤولون عن هذه الدراسة مسيرة ثلاثة آلاف امريكي انتهت علاقتهم بالانفصال، وتبين لهم من خلال الاستجوابات ان خاتم الارتباط الذي كان يقدمه العرسان كان يفوق في قيمته 1500 دولار ويصل 2400 دولار امريكي، وفي حالات نادرة كان يصل 20 الف دولار (مايزيد عن 18 مليون سنتيم). واستنتجت الدراسة ان مصاريف الزفاف كلما كانت باهظة ومرتفعة كلما كان الانفصال سريعا، بينما تدوم العلاقة مدة اطول وتتجه نحو الاستقرار حين يكون ثمن الخاتم بسيطا ومعتدلا والتكاليف معقولة. وتحدثت الدراسة عن كبرياء النساء والفتيات الأمريكيات اللواتي يسعين وراء خواتم بماسات ثمينة وحذرت من عواقب هذا الغُنج الذي يفضي الى الوحدة، خاصة في صفوف النجمات. وتشير في نفس الصدد الى ان إحدى النجمات جمعت العشرات من خواتم الخطوبة. طبعا الارتباط بين فتى وفتاة، ورجل وامراة في المجتمع الغربي اضحى من المستحيلات، لدرجة تولدت معه صورة نمطية تعتبر مفاجأة من العيار الثقيل حين يُخرج احد خاتم الخطوبة ويقدمه جاثياعلى ركبتيه للموعودة، وتسارع الصديقات بالصراخ:"وَااااوْوْوْ، هنيئا، كونغراتولييْشن، مبروك عليك مبروك عليك". وفي هذا يندرج قران جورج كلوني الذي احدث ضجة اعلامية وعناوين عريضة عن توديعه سنوات من العزوبية، ووقوعه في قفص الزوجية، وكانه القاعدة هي العزوبة والاستثناء هو الزواج. لكنَّ الزواج وسط المشاهير عودنا دائما على المفاجآت، اذ نادرا ما يتسم بالنجاح ولو بعد سنوات على غرار ما تم بين طوم كروز ونيكول كيدمان، وريشارد جير وسيندي كراوفرد، وبروس ويليس و دومي مور، والقائمة تطول. واقع اهتزاز العلاقات بين الجنسين يمكن القول عنه انه لا يبتعد عن ما يعرفه المجتمع المغربي من حالات خطوبة تتعثر، وعلاقات تنتهي قبل ان تبدأ، لاسباب متعددة منها الاشتراطات التي تعدت "جوج جوج من الحاجة" او تنافر الطباع، او تاثيرات خارجية من افراد الأسرتين او الاصدقاء والصديقات. مجال يحضر فيه "التقواس" و"التابعة" و"العكس" مثلما يحضر فيه "الزهر اللي كايهرس الحجر" وتعابير اخرى تروج في الاوساط المغربية بمختلف شرائحها، وهي تعابير تدخل في نطاق الاعراف والتقاليد، وما لها من صلة تذكر بما هو عِلمي. هذا يجرنا الى الحديث عن ظاهرة العنوسة في المغرب التي تعددت حولها التقارير والتي كشفت ان معدلها يتجاوز 40 في المائة وقد يصل 60 في المائة، اي حوالي 8 ملايين في صفوف النساء، بما يجعل النسبة مرتفعة ومرتبطة باسباب تنوعت حسب احد التقارير بين الاستقلالية في العمل، وتغيير التقاليد والاعراف، والرغبة في تاجيل الارتباط الى حين الانتهاء من الدراسة الجامعية. دراسة مصرية ارجعت تفشي العنوسة في العالم العربي الى أسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، وأيضا لتمسك الأهل بشروط معينة في زواج البنات مثل التوافق الاجتماعي وأسباب نفسية مثل ضعف الثقة بالنفس والقلق والتوتر والاكتئاب وصعوبة الاختيار المناسب . كما سردت الدراسة ذاتها أسبابا اجتماعية مثل الشعور بالظلم من المجتمع وفقدان الانتماء للمجتمع وغياب التواصل بين الأجيال، وأسباب دينية كذلك مثل البعد عن المنهج الإسلامي، وانهيار الأخلاق، وأن من أخطر المشكلات التي تواجه الشاب والفتاة منذ نشأتهما هو تدليل الأسرة الزائد لهما وعدم مساعدتهما على تحمل المسؤولية قبل الزواج فيشعر كلاهما بالاستقرار داخل الأسرة ويتصف سلوكهما بالاتكالية ويخشى الاستقلال عن الأسرة. وفي احد التقارير تحتل مدينة الرباط المرتبة الأولى وطنيا بعد أن ارتفعت نسبة العنوسة بها ب10 في المائة عن المعدل الوطني المسجل في باقي المدن، تليها الدارالبيضاء، وطبعا تتمركز العنوسة اكثر في الحواضر مقارنة مع البوادي. وسجلت احصائيات ميدانية أن أكثر من ثلاث مغربيات من أصل عشرة تنتهي فترة الخطوبة لديهن دون أن يتزوجن، مقارنة مع ماكان عليه الوضع قبل عشر سنوات، لينتقل معدل سن الزواج لدى المغربيات إلى 27 سنة، ولدى الرجال إلى 31 سنة. وتضيف المعطيات السوسيولوجية ان من الشباب من يفضل الزواج بمن هن أقل على المستوى التعليمي، ومن الرجال من يعزو السبب الرئيسي للعنوسة إلى طموحات المرأة العصرية التي تتضاعف ولا تتوقف مطالبها، مما يجعل الشباب في ظل الظروف الاقتصادية الحالية غير قادرين على توفير كل ما يطلبن، وعدد منهم يقول ان فتاة اليوم أصبحت متعجرفة ومتمردة وجافة الطباع ولم تعد تضع الأعباء المنزلية ضمن أولوياتها. ربما كان الاجدر ان توسع الدراسة الامريكية من نطاق اهتمامها لتكتشف ان الواقع المغربي لا يختلف، فهو كذلك يعيش "سبعيام الباكور" مثلما يعيش انفجارا في البذخ في الاعراس التي تحتضنها افخم القاعات ويمونها اشهر التريتورات، لدرجة ان اسرا مغربية تتباهى في هذا المجال. مقابل هذا هناك البساطة وعدم التكلف والاقتران الذي لا ينتهي الى علم احد، وفي هذا الاطار تحضرني حالة احد الخريجين الذي بادر بعد ان وجد عملا يضمن له الدخل أو الباءة بالتعبير الشرعي الى البحث عن شريكة الحياة التي توصلت بصداق بمقدار 500 درهم - لست ادري إن كان فيه مؤخر- وتكوين اسرة وانجاب الاطفال ما دام الابوان في مقتبل العمر وفي كامل الصحة. حالات لا يمكن ان تكون مشمولة بالدراسة الامريكية وإلا لكان من استنتاجاتها" مسكين خدا مسكينة وتهنات لمدينة". واقع العنوسة في المغرب مقلق اذن، لا شك انه يفرز معضلات متشعبة وامراض اجتماعية ومنكرات. فصعب ان تتطابق هذه "صافي صافي سكوت حتا كلمة صافي" مع هذا "انتي باغا واحد يكون دمو بارد"، ربما هما صورتان لخطين متباعدين، لست ادري. اما عن العنوسة فربما يكون مفتاح حلها في الحديث الشريف:" إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".