تشهد مجتمعاتنا العربية تغيّرات كثيرة في أنماط الزواج، فلم يعد الزواج المبكر هو النمط الشائع، حيث ارتفع متوسط عمر المقبلين على الزواج. وإذا كان الزواج نقطة محورية فاصلة في ثقافتنا، فإن الواقع الجديد قد فرض على الشباب اللحاق بما تبقى من قطار العمر والإقبال على «الزواج في خريف العمر ». إذا كان الزواج في عمر الشباب هو الأمثل لبناء حياة عائلية ناجحة، ومع انتشار ظاهرة تأخر سن الزواج، فإن الإحصائيات تنذر بخطر داهم من تفشي هذه الظاهرة الاجتماعية، التي يجب مواجهتها والحد من انتشارها والبحث عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والدينية التي أدت إليها، خاصة وأن الإسلام يحض على الزواج، ويشجّع على العفاف وتكوين الأُسر القوية، التي تعد الأساس الأول لبناء المجتمع القوي المتماسك. وقد حذّرت البحوث الاجتماعية والنفسية من مخاطر ومشكلات الزواج المتأخر فقد يسبب الكثير من الآثار النفسية والاجتماعية، وخاصة عند الفتيات ويقلل من الخصوبة عند المرأة. وأشارت الدكتورة فدوى الجندي، أستاذ علم الاجتماع، إلى أن المشكلة قد تختلف أسبابها من شخص إلى آخر، وقد تكون الفتاة أكثر تأثرا من الشاب، لأنه مهما طالت سنوات عزوبته فمن الممكن أن يتزوج، أما الفتاة فتصل إلى سن تفقد قدرتها على الإنجاب، إضافة إلى الضغوط التي يمارسها المجتمع عليها، والتي قد تدفع البعض منهن إلى الارتباط بمن لا يناسبهن في المستوى، حتى لا يطلق عليها لقب «عانس»، ومن ثمة تبدأ المشاكل الزوجية. وأضافت إلى أن ارتفاع معدل الطلاق في المجتمع قد يلعب دورا في تأخر سن الزواج، وكذلك الارتفاع المبالغ فيه في تكاليف الزواج، حتى صار الزواج وسيلة لإثبات المركز الاجتماعي. ففي القرن الماضي كان سن الزواج للذكر ما بين 18و20 سنة والأنثى ما بين 16و18 سنة ولم تكن عملية الزواج تتكلف سوى حفنة من «الملاليم»، وبمرور السنين ومع ارتفاع التكاليف وغلاء المعيشة، عجز الشباب عن توفير متطلبات الزواج، وأصبح طبيعيا أن يتزوج الشاب وقد تجاوز الثلاثين من عمره، وربما الأربعين. طرأت مجموعة من التغييرات على مجتمعنا العربي كان نتيجتها تأخر سن الزواج وارتفاع معدلات العنوسة ونتيجة لذلك، ارتفعت أعمار الفتيات اللاتي مازلن دون زواج، لأنهن مازالن تنتظرن الشاب أو الرجل الذي يملك إمكانيات الزواج. وبعد طول انتظار، نجد الشاب أوالفتاة فجأة وقد قرر كل منهما أن يدخل القفص الذهبي، لكن على طريقة الزواج في الوقت الضائع، حيث يجدان نفسيهما مضطرين للزواج قبل أن يمر «قطار العمر». من جانبه قال هاني سعد (بكالوريوس خدمة اجتماعية): أسباب عديدة تدفع الشاب أو الفتاة إلى الزواج في خريف العمر، فمع ظروف الحياة القاسية يجد الشباب والفتيات أنفسهم في صراع بين حلم الزواج وافتقادهم لأدنى مقوماته في زمن الماديات، فيضطر الشاب إلى التضحية مؤقتا بحلمه المشروع والجميل، حتى يحقق ذاته وقد تأخذه دوَّامة الحياة فيجد نفسه يقترب من سن الأربعين ولم يحقق شيئا ولم يتزوج فيضيع الحلم بين اهتماماته سواء امتلك كل مقوماته أو بعضها أو حداً أدنى منها. وأضاف أن الخوف من فشل التجربة قد يصيب الشباب باليأس والإحباط فيدفعهم ذلك إلى تأخير سن الزواج، فقد مرّ أحد أقاربي بتجربة عاطفية وبعد فترة من الخطوبة قررت خطيبته التي أحبها الزواج من شاب ثري، فدخل في دوَّامة من الحزن والإحباط حتى بلغ 43 عاماً من عمره بحجة أن عمله قد ينسيه مرارة التجربة السابقة، وبعد هذا العمر اكتشف خطأه، حينما قاطع الزواج، وفجأة قرر أن تكون له زوجة وأسرة، فتزوج من ابنة عمه الطالبة الجامعية، رغم أن الفرق بينهما في العمر يتجاوز 20 عاماً، وعقب زواجه منها اندلعت المشاجرات بينهما لاختلاف أفكارهما وآرائهما وأحلامهما ومستوى النضج بينهما، ولم يكن أمامه سوى الطلاق بعد عام واحد فقط من زواجه الذي تم في الوقت الضائع من عمره. وقال الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر: إن الإسلام وضع حلا جذريا للقضاء على العنوسة وتأخر سن الزواج فقد يسر الإسلام سبل الزواج، ونهى عن المغالاة في المهور، وحض على العفاف، وأكد على أهمية تيسير أمور الزواج بعيداً عن التعقيدات ومظاهر الترف، ولابد من رسوخ المفاهيم الدينية التي تحض على الزواج كحصانة للشاب وستر للأنثى، وسيادة للأعراف والتقاليد الاجتماعية واعتبار الزواج مصاهرة وقربى وتقوية للعلاقات الاجتماعية وعدم تعرض المجتمع للإعلام الغربي وأنماط ثقافية غريبة عن ثقافته. قال تعالى «وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله والله واسع عليم». وقال صلى الله عليه وسلم «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». وترى الدكتورة إقبال محمد، أستاذ علم الاجتماع، أن الزواج فرصة اجتماعية مناسبة للاندماج الاجتماعي في مجتمعنا العربي الذي يُعلّي من شأنه وقيمته بناء على ثوابت اجتماعية ودينية قوية.