بمصادقته على منح المغرب خطا ثانيا للاحتياط والسيولة بقيمة 5 مليارات دولار على مدى 24 شهرا ابتداء من غشت الحالي، مباشرة بعد انتهاء أجل الخط الأول الائتماني الأول بمبلغ 6،2 مليار دولار الذي تم في غشت 2012 ولم تستخدمه الحكومة أبدا، يكون صندوق النقد الدولي قد رسخ مخاوف وقراءات مراقبين ومحللين اقتصاديين، بكون الحكومة ترهن بمثل هذه القرارات مستقبل المغرب للصندوق. في هذا السياق، يقرأ محللون من جمعية تضريب المعاملات المالية من أجل حماية المواطن "أطاك"، في الخطوة، إشارات صريحة على كون الاقتصاد المغربي يواجه صعوبات كبيرة، ومهدد بتأثيرات انكماش الاقتصاد العالمي (الصدمات الخارجية)، سيما في علاقته ببلدان أوروبا التي احتدت تبعيته لها. ما يفسره تراجع احتياطي المغرب من العملة الصعبة، وتراجع عائدات المغاربة المقيمين بالخارج، وتقلص مداخيل السياحة وانخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ونتيجة لذلك ستتراجع نسبة تغطية الصادرات للواردات. وعلى المستوى الداخلي، سيتواصل انخفاض مداخيل الدولة من جراء سياسات الانفتاح المعممة واتفاقيات التبادل الحر (تفكيك النظام الجمركي، بيع المقاولات العمومية المربحة، ترحيل الأرباح إلى الخارج)، وإجراءات التحفيز الضريبي لصالح المقاولات والثروات الكبرى، وتسديد الدين العمومي (خدمة الدين)، علاوة على نهب المال العام وتهريب الرساميل. ومن هنا شروط صندوق النقد الدولي بتقليص العجز الثلاثي: عجز ميزان المدفوعات، وعجز الميزانية وعجز الميزان التجاري،. بالنسبة للعجزين الأولين، سيكون ذلك أساسا عبر البحث عن قروض خارجية جديدة بالعملة الصعبة (ثنائية ومتعددة الأطراف، السوق المالية الدولية، خط الاحتياط والسيولة). أما فيما يخص العجز الثالث، فقد حددت نسبة 3 في المائة من الناتج الداخل الخام كهدف وجب بلوغه في أفق 2017، وذلك عبر اتباع "مسار تقشفي" لتقليص نفقات الدولة على صعيد المحاور الرئيسية التالية: أولا، كتلة الأجور ومكملاتها بتجميد الأجور في الوظيفة والمؤسسات العمومية، وتقليص مناصب الشغل المحدثة، وتخفيض تكاليف الدولة الاجتماعية وعلى رأسها نظام التقاعد. ثانيا، نظام دعم المواد الأساسية : بتفكيك نظام المقاصة المعمم وتعويضه ببرامج اجتماعية موجهة. ثالثا، النفقات الاجتماعية : بتقليص أو تجميد ميزانيات القطاعات الاجتماعية (كالتعليم والصحة والسكن) سواء على صعيد نفقات التسيير أو نفقات الاستثمار. في المقابل ولدعم النمو الاقتصادي، يرى محللو ذات الجمعية، العضو في الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث، أن على الدولة المغربية، أن تواصل إصلاحاتها البنيوية لصالح الرأسمال الأجنبي والمحلي المرتبط به (تحسين مناخ الأعمال) من خلال دعم تنافسية القطاعات التصديرية، وزيادة مرونة سعر الصرف، وتسهيل التمويل ومنح القروض، وتحفيز ضريبي، وتوفير البنيات التحتية الضرورية، وخلق مناطق حرة، وفتح الخدمات الاجتماعية للاستثمار الخاص، إلخ. وحتى تحقق الدولة هذه "الإصلاحات الصعبة"، يوصي صندوق النقد الدولي المغرب ب"الحكامة الجيدة"، وبإجراء "حوار اجتماعي عالي الجودة"، وهو ما يعني، بحسب بلاغ الجمعية دائما، العمل على ضمان دعم قيادات المركزيات النقابية وأحزاب المعارضة البرلمانية ومنظمات "المجتمع المدني" حتى يتم تمرير هذه المخططات المدمرة وتفادي خطر الانفجارات الاجتماعية (الصدمات الداخلية) التي ستولدها. وتؤكد القراءة التحليلية ذاتها، التي توصلت "العلم" بنسخة منها، أن الشعب المغربي ألف هذه الإجراءات التقشفية التي يوصي بها صندوق النقد الدولي، وأدى ثمنها غاليا منذ بداياتها في أوائل الثمانينات مع تطبيق برنامج التقويم الهيكلي، حيث إن جميع مؤشرات التنمية الاجتماعية والبشرية تصنف المغاربة في الدرجات الدنيا، ويبين واقع البطالة الجماهيرية والفقر والهشاشة المعممين بؤس الحياة الذي تتخبط فيه الشرائح الشعبية الواسعة. إلا أن المسؤولين في الحكومة المغربية، يجعلون من هذه التوصيات التي لن تؤد سوى إلى تعميق الأزمة خارطة" طريقهم. فهم يسعون إلى تحميل الأجراء والطبقات الشعبية أعباء فشل نموذج التنمية المبني على الديون وتوجيه الاقتصاد إلى الخارج. وأمام هاته المعطيات، نددت جمعية أطاك المغرب، في بلاغ تلقت "العلم" نسخة منه، برهن مستقبل المغرب والمغاربة من جديد بتوصيات صندوق النقد الدولي المجحفة. وتشجب سياسات التقشف والإصلاحات الهيكلية المطبقة إرضاء لمراكز القرار الخارجية، كما تستنكر تبعات هاته السياسيات على أوضاع الشغيلة والطبقات المتوسطة والهشة التي تعاني من التفقير ومن تدهور الخدمات العمومية، وتطالب بتنمية اقتصادية مبنية على تلبية الحاجيات الأساسية للمواطنين.