اختار الله سبحانه وتعالى إلى جواره قائداً وطنياً فذاً، من بُناة الاستقلال، ومن رواد الحركة الوطنية الإستقلالية، الأستاذ المجاهد (محمد الهاشمي الفيلالي أمين) عضو مجلس رئاسة حزب الإستقلال، والقطب الوطني الإستقلالي، الذي كان قمةً في الوطنية، وذروةً في النضال، ومثالاً رفيعاً في الصبر والثبات والتضحية ونكران الذات والإستماتة في الكفاح السياسي على شتى المستويات من أجل تحرير المغرب وتأسيس الدولة المغربية المستقلة على قواعد ثابتة من مقومات الشخصية المغربية التي تتمثل في الإسلام والوحدة الترابية والعرش. لقد كان الأستاذ الهاشمي الفيلالي أحد رموز الحركة الوطنية المغربية، عاش فاعلاً ومؤثراً وصانعاً للأحداث، كتب مع إخوانه المناضلين الصفحات المشرقة في سجل تاريخ المغرب المعاصر، وكان من الجماعة الوطنية الأولى التي أسست الحركة الوطنية المغربية،ومن طليعة الرواد الذين وضعوا أسس النهضة التعليمية والثقافية والصحافية في بلادنا، ومن القادة الوطنيين البواسل الذين تصدّوا للسلطات الاستعمارية التي فرضت معاهدة الحماية على المغرب، وما كانت معاهدة ولا حماية، ولكنها وثيقة استعمارية انطوت على حيلة خداعية سلبت الدولة المغربية سيادتها واستقلالها واغتصبتها حقوقَها قهراً وبقوة السلاح والجبروت الاستعماري. لقد كان الهاشمي الفيلالي من صناع تاريخ المغرب في القرن العشرين، علماً من أعلام الكفاح الوطني الذي مرّ بمراحل عديدة عاشها الفقيد العزيز، فكان من أبرز رجالاتها. يقول المجاهد الأستاذ أبو بكر القادري رفيق الهاشمي الفيلالي في تلك المراحل جميعاً: «إن الهاشمي الفيلالي وعبد العزيز بن إدريس التوأمان الوطنيان، وهبا نفسيهما للوطن والوطنية، وللنضال وللتضحية، ووقعت أحداث وأحداث، وتوالت نشاطات ونشاطات، ولابد أن يكون الهاشمي الفيلالي من المساهمين فيها، فإذا ما وقعت مظاهرات أو احتجاجات، فالهاشمي في الصف الأول، وإذا ما امتلأت السجون بالأحرار الوطنيين، فلابد أن يكون الهاشمي من جملتهم، وإذا ما تصفحت الجرائد الوطنية وبالأخص جريدة (الأطلس) التي كان يديرها المرحوم محمد اليزيدي، فتجد المقالات المتعددة في المواضيع الوقتية المعبرة عن أماني الوطنيين، وحتى في المجال الثقافي الواسع، لابد أن تجد الهاشمي معك فيها، وعندما قررت شركة النشر المغربية طبع كتاب (القرطاس) عهدت بتصحيحه ومقابلة نسخه للهاشمي الفيلالي. لقد كانت له مشاركة هامة في جميع الميادين السياسية والثقافية والصحفية والتربوية، ففي الوقت الذي كان يسلط اهتمامه على تكوين الجماعات الوطنية، والخلايا الحزبية، كان يشرف في مدرسته (النجاح) على تربية الأبناء وتكوينهم وإعدادهم لمعركة الحياة). كان عنوان الحركة الوطنية، إذا ذكر اسمه اقترن بالنضال الوطني من أجل تحرير المغرب. وكان رمزاً للمبادئ والقيم التي قامت على أساسها الحركة الوطنية. وكان صلباً في الحق لينا في المعاملة الإنسانية مع خلانه ورفاقه ومع تلامذته ومحبّيه، وهم كثر. كان وطنياً بالمعنى العميق والشامل الجامع للوطنية. لم يكن يفصل بين العمل السياسي، وبين التربية والتكوين وزرع القيم السامية والمبادئ المثلى في نفوس الوطنيين من كل الفئات. كانت الأخلاق جزءاً من السياسة في منظور الهاشمي الفيلالي. وكان حب الوطن والتعلّق بمقدساته يقترن في عقيدته الوطنية بحب الاسلام والتمسك به والعمل بمقتضاه. يقول المجاهد الأستاذ أبو بكر القادري عن هذا الجانب من سيرة المجاهد الهاشمي الفيلالي: «عرفت الهاشمي الفيلالي مناضلاً وطنياً طوال فترة الكفاح ضد المستعمر، وعرفته في السجن شهماً ثابتاً صامداً، أدرك منذ شبابه الأول أن الاستقلال يؤخذ ولا يعطى، وأن الطريق الموصلة إليه، هي طريق الكفاح والتضحية في سبيل الله والوطن. لقد أُوذي أقوى إذاية في سجناته المتعددة، فضرب بالسوط، وعلق من رجله، وقاسى المحن، فلم يهن ولم يضعف، وتحمّل الأذى بصبر المؤمنين». ذلك جانب مشرق من سيرة المجاهد الهاشمي الفيلالي. وتلك شهادة من رفيق له في النضال عاش معه أكثر من خمس وسبعين سنة، في صحبة عميقة صافية صادقة، كانت مثاراً للصداقة والأخوة في الله.إن الدروس التي نستمدّها من حياة المجاهد الهاشمي الفيلالي، تتمثل في الثبات على المبدإ، وفي الدفاع عن الإسلام وعن الوطن، والتمسك بالنظام الملكي، والتشبث بالوحدة الترابية للمغرب، وبالنضال من أجل إقرار ملكية دستورية، وبناء الدولة المغربية التي يسود فيها القانون وتحكمها المؤسسات الدستورية في كنف الديمقراطية والعدالة والشفافية. دولة عصرية ديمقراطية تحتكم إلى القانون، وتنفتح على آفاق العصر من دون تفريط في السيادة أو في الخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية. كان رحمه الله قائداً استقلالياً فذاً، وأحد البناة البواسل للحركة الوطنية المغربية. كان المجاهد الهاشمي الفيلالي أباً للوطنيين، ورائداً للاستقلاليين، قدر لي أن أحظى بالعمل في ديوانه حينما كان يتولى منصب وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وأن أرافقه في مهمات رسمية إلى داكار وبغداد ومسقط وجدة وعمان، فكنت أمتلئ حبّاً له وميلاً إليه وإعجاباً به، وأرى فيه المثال الراقي الرفيع للقائد الوطني للأب الاستقلالي. رحمه الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه.